Шарх Бухнир на учение Дарвина
شرح بخنر على مذهب دارون
Жанры
2
إلا أنه يتفق مع الماديين في مسائل شتى، وقد جمع إلى دقة النظر الفلسفي سعة الاطلاع. وعنده أن الأرض والعالم والمادة شيء واحد، والعالم وجود لا نهاية له حي في كل أجزائه، وهو مظهر من مظاهر الله. ونفس الإنسان جزء من العقل الإلهي؛ ولذلك هي خالدة نظيره. فكوبرنيخ كان يعتمد على بيثاغوروس، وأما برونو فجل اعتماده كان على لوكرس، وهو مثله يرى أن العوالم لا حد لها، وقد وقف بين هذا الرأي ونظام كوبرنيخ وفسر النجوم الثابتة بأنها شموس تفوق العد والحصر تحيطها سيارات. والمادة على رأيه أم كل شيء حي، وتحتوي فيها كل الأصول وكل الصور قال: «إن ما كان في أول الأمر بذرة صار سنبلة، ثم خبزا فكيلوسا، فدما، فمنيا، فجنينا، فإنسانا، فجثة هامدة. والجثة تتحول إلى تراب أو حجر أو مادة أخرى غشيمة، ثم يرجع هذه الدور وهكذا على الدوام. فيوجد على ذلك شيء يتحول إلى سائر الأشياء وهو واحد لا يتغير. فلا شيء ثابت حقيقة خالد، وجدير باسم المبدأ إلا المادة فقط، فإنها تتضمن فيها وحدها كل الصور وكل المقادير. والصور التي تلبسها المادة وتفوق كل حصر لا تأتيها من خارج، بل تتولد في باطنها، وحيث يقع موت لا يحصل حقيقة إلا توليد وجود جديد أو انحلال مركب وتركيب آخر.»
فهذا الرأي في الحقيقة مادي ؛ لأن المادة فيه الجوهر الصحيح لكل شيء، وهي التي تكون الصور خلافا لأرسطو، فإن الصورة عنده هي التي تحدد المادة كما رأينا.
واضطهد برونو كثيرا فرحل إلى إنكلترا وفرنسا وألمانيا، ووقع أخيرا في أيدي قضاة الدين في فنيسيا، فحكم عليه وأحرق بالنار في رومه سنة 1600، وقد كان لتعاليمه تأثير عظيم في مجرى الفلسفة.
على أن الفضل الأعظم في تجديد الفلسفة راجع إلى باكون ودكارتوس، والرأي المادي إلى جساندي وهوبس، وذلك في أوائل القرن السابع عشر.
فباكون (1561-1626) ويلقب بأبي العلوم الطبيعية الحديثة، وبصاحب طريقة الاستقراء، يجعل جل اعتماده في معارفه العلمية والفلسفية على المعاينة والاختبار. وهو قريب جدا من الرأي المادي، والبرهان على ذلك أنه لم يتبع من مذاهب الفلسفة القديمة إلا مذهب دموقريط حيث يقول: إن الطبيعة لا يمكن التعليل عنها إلا بالجواهر الفردة. ولم يكن متعصبا ضد الدين؛ لأنه يقول: إن الحقائق الدينية قد تظهر لنا باطلة نظرا لقلة علمنا، ولم يهمل في فلسفته شأن الملائكة والأرواح، ويقول: إن درس الإنسان المصنوع على صورة الله لا يراد به توسيع معارفنا فقط، بل غايته أرفع من ذلك. وهذا الميل الروحاني فيه، مع ما له من النظر الطبيعي في الأشياء، كثيرا ما يوقعه في تناقض مع نفسه. وهو يذهب إلى أن اللاهوت علم، ويقسم النفس إلى عاقلة ويجعلها روحا منفصلة عن المادة، وإلى غير عاقلة تتولد عن المادة ويطلقها على الحيوان أيضا. وقد قال كونوفيشر: إن باكون يقر بأن فلسفته تعجز عن إدراك الروح؛ لأنه يفصل الروح عن النفس إذ يجعل الروح شيئا لا يدرك، وأما النفس فمتعلقة بالجسد ومقرها الدماغ، وقد ظن بعضهم أن ذلك منه سياسة لبث أفكاره في المادة.
وأما دكارتوس (1596-1650) فيفصل بين الروح والجسد فصلا تاما، فهو صاحب مذهب التثنية الحقيقي في الفلسفة والمذهب الروحاني، وهو الذي يثنى عنه قوله الذي صار مثلا: «أنا أفتكر إذن أنا موجود.» وهو يعتمد في فلسفته خلافا لباكون لا على الاستقراء، بل على الاستدلال أو التجريد. على أنه في أمور كثيرة هو من الرأي المادي، ويطول بنا الشرح إذا فصلنا ذلك هنا فنقتصر على القول بأن دلامتري أعظم مادي في القرن الثامن عشر، أسس فلسفته في بعضها على مبادئ دكارتوس.
فباكون ودكارتوس إذن هما غير متفقين في فلسفتهما، وكل منهما سار في طريق لا يزال مفتوحا حتى اليوم، أحدهما عملي أو مادي أو حسي، والثاني نظري أو روحاني. وممن سار في طريق دكارتوس بعده: «سبينوزا» و«لبنيتز» و«كنت» و«فيخت» و«شلين» و«هجل» وغيرهم كثير. وفي طريق باكون: «جسندي» و«هوبس» و«لوك»، حتى نصل إلى الرأي المادي للفرنسيس في القرن الثامن عشر، ومنه إلى اليوم.
فجسندي ولد في فرنسا سنة 1592، ويعتبر أنه مجدد الرأي المادي لما كتبه عن إبيقورس منتصرا له لا على سبيل الجهر، ولكن على سبيل الخفية كسائر معاصريه من الطبيعيين، الذين كانوا قبل بسط مبادئهم المادية يفتتحون كلامهم بالتصريح، بأنهم راضخون الرضوخ المطلق للدين نظير دكارتوس مثلا؛ فإنه قبل الشروع في بسط مذهبه في ظهور العالم يقول: «ليس عندي شك في أن الله تعالى خلق العالم دفعة واحدة، إلا أنه لا بأس من معرفة كيف كان يمكن العالم أن يتكون من نفسه.»
فجسندي ومعاصره دكارتوس كانا على طرفي نقيض، ولم يتفقا إلا على كراهتهما لأرسطو. فدكارتوس يعتمد على العقل، وجسندي يعتمد على الاختبار، وقد اجتهد في تأييد المذهب الجوهري ضد مذهب جسيمات دكارتوس. ولم يسلم بانفصال الجسد عن الروح على رأي دكارتوس، ولا بالفصل بين جوهر فاكر حال وجوهر محلول فيه. ولا حاجة إلى بسط الكلام عنه أكثر من ذلك؛ لأنه يستند في كل مذهبه إلى إبيقورس.
Неизвестная страница