Шарх Бухнир на учение Дарвина
شرح بخنر على مذهب دارون
Жанры
فلا يخفى أن أكثر الفلاسفة والطبيعيين أيضا - ما خلا المدعوين ماديين من فلاسفة اليونان - كانوا يعتقدون أن الإنسان مختلف جوهريا عن عالم الحيوان، ولا اتصال له به لا جسمانيا ولا روحانيا. وبقي هذا الاعتقاد معولا عليه حتى اليوم؛ لفقدان الأدلة التي يبنى عليها ما يخالفه، ولو ناقض الوحدة العامة للطبيعة والتصور الفلسفي للكون. فمسألة «من أين أتى الإنسان، وكيف أتى؟» لم يستطع العلم حلها طبيعيا، واعتبرت أنها تعلو على العلم، فلم يكن حلها ممكنا إلا للدين وحده. لكن لما كانت الأديان متعددة كانت الروايات في أصل الإنسان كثيرة أيضا، وأحيانا غريبة للغاية؛ فإنك تكاد ترى روايات تتعلق بهذه القضية عند جميع الشعوب على اختلاف طبقتهم في المعتقد والتمدن، وهذا دليل على ما للإنسان حتى المتوحش من الميل إلى معرفة أصله، الذي هو «سر الأسرار» كما قال عنه أحد فلاسفة الإنكليز.
وأما اليوم فتعرض لنا هذه المسألة على وجه آخر نظرا إلى تقدمنا في المعارف. ودخولها في الأبحاث العلمية بعد أن كانت تحسب فوق طور العقل من أكبر الأدلة على ما للعقل من الاقتدار.
1
فالعقل لا حد له خلافا لما ذهب إليه بعضهم، لا حبا بالحقيقة، بل لغاية في النفس دينية أو فلسفية؛ ولذلك لا يجوز لنا أن نيأس من حل أشكل المسائل وأغمضها، وينبغي أن نسعى إلى الحقيقة جهدنا بجميع الوسائط التي لنا أبحاثا كانت أم افتراضات.
لا شك أن العوامل العاملة في الإنسان هي نفس العوامل الطبيعية؛ لأن كل ناموس يطلق على سائر الطبيعة الحية ينبغي أن يطلق على الإنسان أيضا، إذ إن النواميس التي تكون هذا العالم على مقتضاها واحدة وثابتة. وعلم التشريح وعلم الفيزيولوجيا - أي علم بناء جسم الحيوان - وعلم منافع أعضائه لا يدعان محلا للريب في كون الإنسان تشريحيا وفيزيولوجيا أكمل طائفة ذوات الفقرات، وهذه الطائفة التي هي أعلى طبقات الحيوان رتبة تنزل كلما ابتعدت عن الإنسان في سلسلة دركات لا تحصى. فإذا كان بين الإنسان وبين ما هو قريب منه من ذوات الثدي فراغ تشريحي أو فيزيولوجي، فهو ليس أعظم من الفراغات الموجودة بين أجناس أخرى منها، ويدل فقط على اختلاف عرضي أو نسبي، لا جوهري أو مطلق.
2
وهذه الحقيقة تنجلي لنا خاصة إذا نظرنا إلى طرق الترتيب التي نهجها الزولوجيون (علماء طبائع الحيوان) وإلى ذهاب تعب الذين منهم حاولوا جعل الإنسان عالما مستقلا عن الحيوان والنبات سدى. على أن لينوس الذي هو أعظم من وضع طرق الترتيب في علم الحيوان لم يفته ذلك؛ لأنه ضم في صفه الأول المسمى «بريمات» الإنسان والقرد والنصف قرد.
3
غير أن بلومنباخ سنة 1779 قد انحاز عن هذا الترتيب، ووضع صف ذي اليدين (وخصه بالإنسان)؛ تمييزا له عن صف ذي الأربع أيدي (وخصه بالقرود). وقد عرف الإنسان أنه «حيوان منتصب ذو يدين»، فكل الصفات التي يتميز بها الإنسان على رأيه إذن «وقوفه منتصبا»، وحصوله على «يدين». وهذا الترتيب عرفه بوفون وتبعه كوفيه الشهير، وهو الذي أدخله في العلم، وإلى اليوم لم يخرج منه تماما. على أن عددا كثيرا من الزولوجيين قد رجع إلى ترتيب لينوس. وهذا الترتيب أصح ما يمكن وضعه، فالتمييز بين ذي اليدين وذي الأربع أيدي لا وجه له تشريحيا، والفضل في هذا البيان الدقيق للمشرح الإنكليزي هكسلي؛ فإنه قابل بين بناء عظام اليد والرجل، وعضلاتهما تشريحيا في الإنسان والقرد، وبين أن الاعتماد على الظاهر لا يكفي في مثل هذه القضية، بل يجب النظر إلى الباطن أيضا.
ومن بحثه يتبين أن اليد والرجل في الإنسان والقرد الشبيه بالإنسان ولا سيما الكورلا مكونتان على مبدأ واحد؛ أي إن الكورلا ليس له أربع أيد كما زعم، بل يدان ورجلان. فقائمة الكورلا الخلفية ليست سوى رجل ذات إبهام كبيرة، أشبه بإبهام اليد من جهة مقابلتها لباقي الأصابع؛ أي إن له رجلا ماسكة،
Неизвестная страница