مثل ذكاة أمه، ثم حذف المصدر وصفته التي هي مثل، وأقيم المضاف إليه مقامها، فأعرب بإعرابها؛ فنصب، لأنها قاعدة حذف المضاف.
والجواب عن تمسكهم برواية النصب أن تقول: ليس التقدير كما ذكرتموه، بل التقدير ذكاة الجنين داخلة في ذكاة أمه، ثم حذف الخبر الذي هو داخله وحرف الجر من ذكاة أمه، وهذا أولى الوجهين: الأول أنه أقل حذفًا والثاني أنه يؤدي إلى الجمع بين الروايتين، وهو أولى من إطراح إحداهما، وأما تقديم المعمولات فكونه مفيدًا للحصر قاله الزمخشري وغيره، وخالفه جماعة في ذلك. ومن المثل المقوية لقول الزمخشري قول العرب «إياك
أعني واسمعي يا جارة» فإنه يقتضي أنه لا يعني غيره، وعن الأصمعي أنه مر ببعض أحياء العرب فشتمت رفيقه امرأة ولم تعين الشتم له دون الأصمعي، ثم التفت إليها رفيقه فقالت له إياك أعني، فقال للأصمعي انظر كيف حصرت الشتم فيّ.
وزاد الإمام فخر الدين في كتاب الإعجاز له: لام التعريف في الخبر، وقال: هي تقتضي حصر الخبر في المبتدأ عكس الحصور كلها في المبتدآت، فإن الأول يكون محصورًا في الثاني فإذا قلنا أبو بكر الصديق الخليفة بعد رسول الله b يكون الثاني محصورًا في الأول، وكذلك قولك زيد المتحدث في هذه القضية أي لا يتحدث فيها غيره وهو كثير.
وذكرت حصرا لصفة في الموصوف وعكسه وبقي على ثالث وهو حصر الصفة في الصفة: نحو النزاهة في القناعة، والدين الورع، والتدبير العيش، والبشر حسن الخلق. وهو كثير، ومن باب الحصر بحسب بعض الاعتبارات قوله ﵊ «إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ» الحديث (١) حصر نفسه ﵊ الكريمة في البشرية دون غيرها باعتبار الاطلاع على بواطن الخصوم
_________
(١) وباقي الحديث «ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار» .
1 / 60