كل من قال: أنا، فهمناه دون غيره، وكذلك إذا قلت لزيد: أنت قائم، لا يفهم إلا نفسه.
والصحيح خلاف هذا المذهب وعليه الأقلون، وهو الذي أجزم بصحته وهو أن مسماه كلي، والدليل عليه أنه لو كان مسماه جزئيًا لما صدق على شخص آخر غلا بوضع آخر كالأعلام؛ فإنها لما كان مسماها جزئيًا لم تصدق على غير من وضعت له إلا بوضع ثان، فإذا قال قائل: أنا، فإن كان اللفظ موضوعًا بإزاء خصوصه من حيث هو هو، وخصوصه ليس موجودًا في غيره، فيلزم أن لا يصدق على غيره إلا بوضع آخر، وإن كان موضوعًا لمفهوم المتكلم بها وهو قدر مشترك بينه وبين غيره والمشترك كلي فيكون لفظ أنا حقيقة في كل ممن قال أنا؛ لأنه متكلم بها الذي هو مسمى اللفظ فينطبق ذلك على الواقع، وأما قولهم في الوجهين: فالجواب عنه واحد، وهو أن دلالة اللفظ على الشخص المعين لها سببان: أحدهما وضع اللفظ بإزاء خصوصه فيفهم الشخص حينئذ الوضع بإزاء الخصوص وهذا كالعلم. وثانيهما: أن يوضع اللفظ بإزاء معنى عام ويدل الواقع على أن مسمى اللفظ محصور في شخص معين فيدل اللفظ عليه؛ لانحصار مسماه فيه لا للوضع بإزائه، ومن ذلك المضمرات، وضعت العرب لفظ أنا مثلًا لمفهوم المتكلم بها فإذا قال القائل: أنا، فهم هو؛ لأن الواقع أنه لم يقل هذه اللفظة الآن إلا هو، ففهمناه لانحصار المسمى فيه لا للوضع بإزائه، وكذلك بقية المضمرات. وهذا كما تقول رأيت قاضي مكة أو المدينة، فيفهم المتولي في ذلك الوقت لهذه المدينة لن الواقع أنه هو المتولي، وفي وقت آخر يفهم المتولي الآخر على حسب ما يحصر الواقع المسمى في شخص معين، فكذلك المضمرات، حتى لو فرضنا جماعة قالوا أنا في وقت واحد وأصوات متشابهة بحيث لا يميز الواقع واحدًا منهم عن واحد لم يفهم منهم واحد، وكذلك إذا قلت الجماعة بين يديك أنت أخاطب واستوت نسبتك في الخطاب معهم ومواجهتك إليهم وإشارتك، لم يفهم أحد منهم نفسه بخصوصه، وإنما يفهمها إذا حصر الواقع المخاطبة فيه، فلما كان الغالب حصر الواقع مسمى اللفظ في شخص معين فيفهم.
قال النحاة: هي معارف، فإن فهم
1 / 35