يقول: ما بكيت إلا لتجرحي قلبا مُعشرا، أي مكسرا، من قولهم: بُرمة أعشار، وقدح أعشار، إذا كان قطعا، ولم يسمع للأعشار بواحد، يقول: بكيت لتجعلي قلبي تُقطعا مخرقا كما يُخرِّق الجائر أعشار البرمة، والبرمة تنجبر، والقلب لا ينجبر، ومثله:
رَمَتْكَ ابْنَةُ البَكْرِيِّ عَنْ فَرْعِ ضَالَةٍ ... وَهُنَّ بِنَا خُوصٌ يُخَلْنَ نَعَائِمَا
وقيل في معناه: أن هذا مثل لأعشار الجزور، وهي تقسم على عشرة أنصباء، ثم يُجال عليها بالسهام التي هي الفذ، والتوأم، والرقيب، والحلس، والنافس، والمسبل، والمعلى؛ فالفذ له نصيب إذا فاز، والتوأم له نصيبان، والرقيب له ثلاثة أنصباء، والحلس له أربعة، والنافس له خمسة، والمسبل له ستة، والمعلى له سبعة، فقوله (بسهميك) يريد المعلى وله سبعة أنصباء، والرقيب وله ثلاثة أنصباء، فأراد أنك ذهبت بقلبي أجمع، وروى أبو نصر عن الأصمعي إنه قال: معناه دخل حبك في قلبي كما يدخل السهم، يقول: لم تبكي لأنك مظلومة، وإنما بكيت لتقدحي في قلبي
كما يقدح القادح في الأعشار، وأجود هذه الوجوه أن يكون المراد بالسهمين المعلى والرقيب؛ لأنه جعل بكاءها سببا لغلبتها على قلبه، فكأنها حين بكت فاز سهماها، شبهها باليسر - وهو المقامر - إذا استولى بعد حين على أعشار الجزور، وذلك إنه لا يستولي على الجزور بأقل من سهمين.
(وَبَيْضَةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَا ... تَمَتّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَلِ)
أي رب بيضة خدر، يعني امرأة كالبيضة في صيانتها، وقيل: في صفائها ورقتها، لا يرام خباؤها لعزها. والخباء: ما كان على عمودين أو ثلاثة، والبيت: ما كان على ستة أعمدة إلى التسعة، والخيمة: ما كان على الشجر. يقول: رب امرأة مخدرة مكنونة، لا تبرز للشمس، ولا تظهر للناس، ولا يوصل إليها،
1 / 23