شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار
شرح مختصر الصارم المسلول - محمد حسن عبد الغفار
Жанры
علي بن أبي طالب يتبع السنة ويخالف عثمان
وهذا علي بن أبي طالب يخالف عثمان من أجل سنة النبي ﷺ، وقد كان عثمان يتم الصلاة في منى، وكان عثمان في المدينة، فعليه إذا سافر إلى الحج أن يقصر الصلاة، وكان النبي ﷺ يقصر في منى، فيصلي الظهر في وقته والعصر في وقته قصرًا دون الجمع، فتأول عثمان بأن له بيتًا في مكة فكأنه من المقيمين، فقال: أتم، فقام ابن مسعود يصلي خلفه، وقال: الخلاف شر كله، ثم قال: وسنة النبي أن يقصر، وأعلنها أمام الناس.
أما موقف علي بن أبي طالب فهو عندما قال عثمان: لا متعة في الحج، يعني: لا تعتمر ثم تحل ثم تحرم بعد ذلك بالحج، فقال علي بن أبي طالب أمام البشر أجمعين، وهذه الحالة لها تأويل؛ لأن المفروض أن تنصح ولاة الأمور إذا أردت أن تنصحهم سرًا أو بالكتابة لا علنًا، لكن عليًا بن أبي طالب له الوجاهة أمام الناس، وهو يعظم سنة النبي ﷺ والناس يعظمونها كما يعظمون عثمان بن عفان، فقام في منى أمام الناس جميعًا، وقال: لا والله لا أترك سنة رسول الله لقول أحد كائنًا من كان، ولو كان أمير المؤمنين، ولو كان عثمان ذا النورين.
فقال: لبيك اللهم بعمرة متمتعًا بها إلى الحج، عملًا بسنة النبي ﷺ.
وقد سب علي بن أبي طالب ابن عباس، وأغلظ له في القول، فإن ابن عباس كان يقول بالمتعة للمضطر، ويفتي بها للمضطرين، فقام علي بن أبي طالب فقال لـ ابن عباس: إنك رجل تائه، أمام البشر، يقول ذلك في ابن عباس حبر الأمة، وبحر العلوم والتفسير، لكن عليًا بن أبي طالب جعل الفاصل بينه وبين ابن عباس ليست الخلافة، ولا لأنه أمير المؤمنين، لكنه يلقمه الحجر بسنة النبي ﷺ.
قال علي بن أبي طالب: يا ابن عباس! إنك رجل تائه، إن رسول الله قد حرم زواج المتعة.
وهذا الذي فعله عبد الله بن الزبير أمام الملأ لما كان أميرًا على مكة في خلافته لما بويع، فقد قال: وانظروا إلى الشدة من أجل الحفاظ على السنة، لتعلموا عظم حق سنة النبي ﷺ عليكم، قام خطيبًا في الناس، فقال: ما لي أرى أقوامًا قد أعمى الله بصيرتهم كما أعمى أبصارهم، وكان ابن عباس قد عمي في آخر حياته، فقال له ابن عباس: ما لي أراك جلفًا أعرابيًا غليظًا، فقال له ابن الزبير: افعلها إن شئت وسترى كيف أرجمك أمام الناس؛ لأن النبي ﷺ قد حرم المتعة، فكيف تفتي أنت فتوى خلاف سنة النبي ﷺ؟ انظروا كيف تكون الشدة والغلظة من أجل الحفاظ على سنة النبي ﷺ.
وهذا الذي اعتبر به الذهبي وكثير من المحققين في شدة مسلم على البخاري في مسألة المعاصرة؛ لأن مسألة المعاصرة ومسألة اللقيا حصل بينهما تفريق عند بعض العلماء، فاشتد مسلم جدًا في مقدمة صحيحه على البخاري وعلى علي بن المديني لِم يقولون باللقيا ويتركون المعاصرة؟ فالعلماء قالوا: اشتد مسلم على البخاري مع أن البخاري شيخه بل هو أجل شيوخه.
قال الذهبي: وكان في مسلم حدة، فاحتد على البخاري، حتى إنه لم يروِ له رواية واحدة في صحيحه.
قالوا: ويعتذر لـ مسلم أنه أراد الحفاظ على سنة رسول الله ﷺ، ولو كان البخاري جبل الحفظ، وأمير المؤمنين في الحديث، وله المنة عليه بأن علمه علل الحديث، مع ذلك حفاظًا على السنة يقول صراحة كما قال ابن القيم: شيخ الإسلام حبيب إلينا والحق أحب إلينا منه.
2 / 14