يالَهفَ قَلْبِي عَلى مالٍ ٍأّجودُ به ... عَلى المُقِلّينَ مِن أَهلِ المُروآتِ
إِنَّ اِعتِذاري إِلى مَن جاءَ يَسأَلُني ... ما لَيسَ عِنديَ مِن إِحدى المُصيباتِ
وقال الشافعي (١) ﵁ أيضا: (من الوافر)
أرَى نفسِي تتُوقُ إلى أمُورِ ... يُقصِّرُ دونَ مَبلَغهُنَّ مالي
فلا نفسِي تطاوِعني ببخلٍ ... ولا مالي يُبلِّغُني فِعالي
ولعمري ما يطلب المال إلاّ للإنفاق، وبلوغ المقاصد، كما أن السيف للذبّ والردع، والمدية للقطّ والقطع، عن أبي ذرٍّ ﵁: إنما مالك لك، أو للحاجة، أو للوراثة، فلا تكن أعجز الثلاثة، قال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يكسب المال / ليكفّ به وجهه [٢١ أ]، ويؤدي بها أمانته، ويصل بها رحمه، ولله درّ القائل (٢): (من الطويل)
وَلا يَجمَعُ الأَموالَ إِلّا لِبَذلِها ... كَما لا يُساقُ الهَديُ إِلّا إِلى النَحرِ
وقد بالغ أبو الطيب في قوله (٣): (من البسيط)
وَكُلَّما لَقِيَ الدينارُ صاحِبَهُ ... في مُلكِهِ اِفتَرَقا مِن قَبلِ يَصطَحِبا
مالٌ كَأَنَّ غُرابَ البَينِ يَرقُبُهُ ... فَكُلَّما قيلَ هَذا مُجتَدٍ نَعَبا
هذا البيت الأول من معاني أبي الطيب، التي يناقض أولها آخرها، لأنه قرر أولًا أن الدينار يلقى صاحبه، ثم قال يفترقان، قبل اصطحابهما، وهذا تناقض.
قلت: ليس كما زعم الشارح من التناقض؛ لأن الصحبة أخص من اللقاء، فليس كل مَن لقيته صحبته، فكأنه يقول: إذا أتاه الدينار لا يمكث عنده، بل يخرج عن قريب (٤)، كقول الأول (٥): (من الرمل)
رَكِبَ الأَخطارَ في زَورَتِهِ ... ثُمَّ ما سَلَّمَ حَتّى وَدَّعا
ولله در أبي الحسن الجزار حيث يقول (٦): (من الطويل)
إذا كان لي مال على ما أصونه؟ ... وما ساد في الدنيا من البخل دينه
ومن كان يومًا ذا يسار فإنه ... خليق لعمري أن تجود يمينه
_________
(١) نسب هذا البيت لإسحاق الموصلي، وهو في ديوانه / (م).
(٢) لعلي بن الجهم، ديوانه / (م).
(٣) ديوانه ١/ ١٤٣
(٤) كتب في الهامش: والاستشهاد بهذا البيت أولى:
لاَ يألَفُ الدَّرْهمُ المضْرُوبُ صُرَّتَنَا ... لكِنْ يَمُرُّ عَلَيهَا وَهْوَ مُنْطَلِقُ
والبيت من البسيط، وقد نسبه صاحب معاهد التنصيص، ص ٣٧٩/ (م) للنضر بن جؤية. وكذا في الغيث النسجم ١/ ٢٢٩
(٥) البيت لمجنون ليلى، ديوانه/ (م).
(٦) البيتان في الكشكول، ص ٨٥٥ / (م).
1 / 37