حُكي أن الأمير بيليك الخازندار أحضره إلى البلاد تاجرٌ كان يُحسن إليه، وهو في رقة، فلما باعه تنقّلت به الإيام إلى ما صار إليه، وافتقر التاجر فيما بعد، فحضر إليه إلى الديار المصرية، وكتب إليه رقعة فيها:
كنَّا جميعَيْنِ في بؤسٍ نكابدُهُ ... والقلب والطَّرف منَّا في أَذًى وقَذَى (١)
والآنَ أَقبلَتِ الدُّنيا عليكَ بما ... تهْوَى فلا تنْسَنِي "إنَّ الكرامَ إذا ...
إشارة إلى البيت المتقدم، فأعطاه عشرة آلاف درهم، ﵀.
لطيفة: قيل: أرسل المبرد غلامه، وقال له بحضرة الناس: امض فإن رأيته فلا تقل له، وإن لم تره فقل له، فذهب الغلام ورجع، وقال: لم أره، وقلت له فجاء، فلم يجئ، فسئل الغلام عن معنى ذلك فقال: أرسلني إلى غلام يهواه، فقال: إن رأيت مولاه فلا تقل له شيئا، وإن لم تر مولاه فادْعه، فذهبتُ فلم أر مولاه، فقلت له فجاء مولاه، فلم يجئ الغلام.
حكي أنّ الملك الظاهر لمَّا استعرضه مولاه ليشتريه، فقال التاجر: يا خوند هو يحسن يكتب ويقرأ، فأحضرتْ له دواة وقلم وورقة، وتقدمت إليه بأن يكتب شيئا يراه فكتب: (من البسيط)
لولا الضرورات ما فارقتكم أبدًا ... /ولا تنقلت من ناس إلى ناس (٢) [٢٠ ب]
فأعجبه الاستشهاد بهذا البيت ورغبه ذلك في شرائه.
وحكي أنّ إنسانا رفع قصة إلى الصاحب كمال الدين بن العديم فأعجبه خطها
فأمسكها وقال لرافعها هذا خطك قال لا ولكن حضرت إلى مولانا فوجدت بعض مماليكه فكتبها لي، وقال عليَّبه، فلما حضر وجده مملوكه الذي يحمل مداسه، وكان عنده في حالة غير مرضية، فقال: أهكذا خطك، قال: نعم، فقال: هذه طريقتي، مَنْ الذي وقفك عليها؟ فقال: يا مولانا، كنت إذا وقفت لأحد على قضية، أخذتها منه، وسألته المُهلَة حتى أكتب عليها سطرين، أو ثلاثة، فأمره أن يكتب بين يديه، فكتب: (من الطويل)
وما تنفعُ الآدابُ والعلمُ والحجا ... وصاحبُها عندَ الكمالِ يموتُ (٣)
فكان إعجاب الصاحب بالاستشهاد أكثر من الخط.
رجعنا إلى إرادة الناظم بسطة اليد، أمَّا حُبّ المال وطلبه للإنفاق فلم يزل الشعراء يتداولون معناه، قال سيد الطائفة الإمام الشافعي (٤) ي ﵁: (من البسيط)
_________
(١) البيتان في الغيث المسجم ١/ ٢٢٣، والوافي بالوفيات، ص ٨١٢١ / (م)، معاهد التنصيص، ص ٢٢٣٦ / (م)، بلا عزو.
(٢) نسب هذا البيت لمجنون ليلى، وروايته في ديوانه / (م):
لَو أَنصَفَ الدَهرُ ما فارَقتُكُم أَبَدا ... وَلا تَنَقَّلتُ مِن ناسٍ إِلى ناسِ
(٣) هذا البيت نسب لكل من: ابن الوردي، وابن نباتة المصري، وشهاب الدين الخزرجي، وهو في دواوينهم / (م).
(٤) ديوانه / (م) وفيه: يا لهف نفسي على مال أفرّقه، والغيث المسجم ١/ ٢٢٦
1 / 36