وقوله: ولا بدَّ من شكوى، اعلم أنّ العاقل من كتم أمره، ولم يشك لأحد، عملا بقول الأول (١): (من الكامل)
لا تظهرن لعاذل أو عاذر ... حاليك في السراء والضراء
فلرحمة المتوجعين حرارة ... في القلب مثل شماتة الأعداء
وقال أبو الطيب (٢): (من البسيط)
وَلا تَشَكَّ إِلى خَلقٍ فَتُشمِتَهُ ... شَكوى الجَريحِ إِلى العِقْبانِ وَالرَّخَمِ
عاد الكلام إلى بيت الناظم، ولعمري في بلد بهذه المثابة، لا المثوبة، فحقه أن يفارقها، ولهذا قال أبو الطيب (٣): (من البسيط)
شَرُّ البِلادِ بلادٌ لا أنيسَ بها ... وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإِنسانُ ما يَصِمُ
وأين هذه البلدة التي وصفها الطغرائي من البلدة التي وصفها الحريري (٤): (من الطويل)
وجَدْتُ بها ما يمْلأ العَينَ قُرّةً ... ويُسْلي عنِ الأوطانِ كلّ غَريبٍ
وأين هؤلاء القوم الذين عاصرهم الطغرائي، وعاشرهم من آل المهلب الذين وصفهم الشاعر (٥): (من الطويل)
نَزَلتُ عَلى آلِ المُهَلَّب شاتيًا ... غَريبًا عَنِ الأَوطانِ في زَمَنِ المحلِ
فَما زالَ بي إِحسانُهم وجميلهم ... وَبِرُّهُمُ حَتّى حَسِبتهمُ أَهلي
وزاد القاضي الرشيد بن الزبير (٦)، فقال: (من الطويل)
ولما نزلنا في ظلال بيوتهم ... أمنا ونلنا الخصب في زمنٍ محل
ولو لم يزد إحسانهم وجميلهم ... على البر من أهلي حسبتهم أهلي
/طالَ اغترابيَ حتى حنَّ راحلتي ... ورحُلها وقرَى العَسَّالةِ الذُّبلِ .. [١٥ أ]
اللغة: الاغتراب: افتعال، من الغربة، تغرّب واغترب بمعنى، فهو غريب، يقال: اغترب فلان إذا تزوج غير أقاربه، وفي الحديث: اغتربوا لا تضووا، معناه تزوجوا الأباعد، دون الأقارب لئلا يحصل الحياء من القرابة، فيجيء الولد ضئيلا نحيفا؛ لعدم التمكن من الزوجة.
قلت: واستشهد له السهيلي في الروضة بقول الشاعر (٧): (من الرجز)
_________
(١) تسب البيتان في الوافي بالوفيات، ص ١٦٤٦/ (م) لأبي علي بن الشبل، وكذا في فوات الوفيات ٣/ ٣٤٠
(٢) ديوانه ٢ ٢٦٢
(٣) ديوانه ٢/ ٨٤
(٤) البيت في مقامات الحريري، المقامة الحرامية، ص ٤٢٤، وفيها: رأيت بها،
(٥) لأبي الهندي، ديوانه / (م).
(٦) البيتان في الوافي بالوفيات، ص ٥٣٢٤/ (م)
(٧) لجرير، ديوانه، ص ٤٠٣.
1 / 27