يا ضَعيفَ الجُفونِ أَمْرَضْتَ قَلبًا ... كانَ قَبلَ الهَوى قَوِيًّا مَلِيًّا
لا تُحارِب بِناظِرَيكَ فُؤادي ... فَضَعيفانِ يَغلِبانِ قَوِيًّا
وقول المصنف: فيم الإقامة، البيت، هذا البيت يسميه أهل البديع عقاب المرء لنفسه، لم ينشد ابن المعتز (١) في هذا المعنى غير بيتين، وهما: (من الطويل)
عصاني قومي والرشاد الذي به ... أمرت ومن يعص المجرب يندم
فصبرًا بني بكرٍ على الموت إنني ... أرى عارضًا ينهل بالموت والدم
نَاءٍ عن الأهلِ صِفْرُ الكفِّ منفردٌ ... كالسيفِ عُرِّيَ متناهُ من الخَللِ
/ اللغة: نأى ينأى فهو ناءٍ إذا بَعُد، الأهل: أهل الرجل، وهو اسم جمع، لا واحد [١١ ب] له من لفظه، الصفر: الحال، يقال: رجل صفر اليدين، أي لا شيء فيهما، والصفاريت الفقراء، الواحد صفريت، وفي الحديث: إذا اصفر البيوت من الخير، البيت الصفر من كتاب الله تعالى، إذا كان هذا الخبر مرفوعا فمعناه البيت الذي ليس فيه مَنْ يقرأ كتاب الله، أمّا لو كان في البيت مُصحفا مُعلَّقا عنده، ولا يقرأ فيه فهو أيضا صفر؛ لأنه روي أنه مَنْ نزّل مصحفا معلَّقا عنده، ولم يقرأ فيه جاء يوم القيامة آخذا ببعض بدنه، قائلًا ربّ عبدك هذا اتّخذني مهجورا، الكف: معروف، وفي الإنسان عشرة أعضاء أولها كاف، وهي: الكف، والكوع، والكرسوع، والكتف، والكاهل، والكبد، والكلية، والكمرة، والكعب (٢).
يُحكى أنّ بعض أشياخ اللغة طُلب منه عدَّها، فعدَّها تسعة أعضاء، خلا الكمرة، فإنه ذهل عنها، فلمَّا قام إلى بيت الخلاء ذكرها، وكان قد ذكر بدلها الكرش، فقيل له: ليس للإنسان كرش، إنما هي الأعفاج.
ويقال: ابن خالويه وضع أسئلة سماها الأنطاكية، اشتملت على ثلاثمائة عضو من أعضاء الإنسان، أول كل كلمة منها كاف، وقوله: كالسيف عُرِّي: أي جُرِّد، والمتن هنا جانبا السيف، الخلل: جمع، واحده خلة، بالخاء المعجمة، والخلل: بطائن كان يُغَشَّى بهما بطائن السيوف؛ منقشة بالذهب وغيره.
الإعراب: ناءٍ: اسم فاعل من نأى، مرفوع على أنه خبر، ولم يظهر الرفع فيه؛ لأنه منقوص، مثل قاضٍ، فلا يظهر فيه إلاّ النصب، تقول: رأيت نائيًا، فإن قلت: هلاّ رفعته على أنه / مبتدأ، فالجواب أنَّ اسم الفاعل لا يكون مبتدأ حتى يعتمد على الاستفهام [١٢ أ] أو النفي، أو معنى النفي، قال الشاعر (٣): (من البسيط)
_________
(١) البيتان ذكرهما ابن المعتز في كتابه البديع، ص ١١٦ / (م).
(٢) لقد ذكر تسعة أعضاء، وأظن أن العاشر هو الكَتَد والكَتِدُ: ما بين الكاهل إلى الظَهر. الصحاح (كتد)
(٣) البيت في أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك ١/ ١٩٠وقد قال مؤلفه: ولم أعثر - رغم طول البحث - على نسبة هذا البيت إلى قائل معين، ولا عثرت له على سوابق أو لواحق تتصل به.
1 / 22