أقمتُ فيها مُضاعًا بين ساكِنِها ... كأنني مصحفٌ في بيت زنديق
وهذا كان شأن العلماء ﵃؛ لأنهم لا يقيمون إلاّ في مكان تتروح فيه النفوس، ويزول عنهم فيه الهم والبؤس، كما قال ابن شرف القيرواني (١): (من البسيط)
وَصَيّر الأَرضَ دارًا وَالوَرى رَجُلًا ... حَتّى تَرى مُقبِلًا في الناسِ مَقبولا
وهو مأخوذ من قول الأول (٢): (من البسيط)
شرقٌ وغربٌ تجدْ من غادرٍ بدلًا ... فَالأَرضُ مِن تُربَةٍ وَالناسُ مِن رَجُلِ
وقال مصعب الصقلي (٣): (من الطويل)
إذا كانَ أصْلِي مِنْ تُرابٍ فكلُّها ... بلادِي وكلُّ العالَمينَ أقارِبِي
وقال أبو فراس (٤): (من البسيط)
مَنْ كانَ مثْلِيَ فالدُّنيا له وَطَنٌ ... وَكُلُّ قَومٍ غَدا فيهِم عَشائِرُهُ
/وَما تُمَدُّ لَهُ الأَطنابُ في بَلَدٍ ... إِلّا تَضَعضَعَ باديهِ وَحاضِرُهُ ... [١١ أ]
وقال أبو الطيب (٥): (من المنسرح)
إِذا صَديقٌ نَكِرتُ جانِبَهُ ... لَم تُعيِني في فِراقِهِ الحِيَلُ
في سَعَةِ الخافِقَينِ مُضطَرَبٌ ... وَفي بِلادٍ مِن أُختِها بَدَلُ
قال الشارح: وما أعرف أحدا ضمن هذا المثل، أعني: لا ناقة لي في هذا ولا جملي، أمكن، ولا أحسن من قول الشهاب محمود (٦): (من البسيط)
أستغفرُ اللهَ أين الغيثُ منفصلًا ... من برِّه وهو طولُ الدَّهرِ متَّصِلُ
مَن حاتمٌ عدِّ عنه، واطّرحْ فبه ... في الجودِ لا بسواه يضربُ المثلُ
أين الذي بِرُّه الآلافَ يُتبعُها ... كرائمَ الخيلِ ممن جوده الإبِلُ
لو مُثِّلَ الجودُ سرحًا قال حاتمُهم ... لا ناقةٌ ليَ في هذا ولا جملُ
ثم أخذ الشارح يتكلم في التضمين، وينشد شيئا من ذلك، فاخترت من ذلك بيتين للصفي الحلي (٧)، وهما: (من الخفيف)
_________
(١) ديوانه (م)
(٢) للبحتري، ديوانه ١/ ٢١٧، ورواية الديوان:
شَرِّق وَغَرِّب فَعَهدُ العاهِدينَ بِما ... طالَبتَ في ذَمَلانِ الأَنيُقِ الذُمُلِ
وَلا تَقُل أُمَمٌ شَتّى وَلا شِقَقٌ ... فَالأَرضُ مِن تُربَةٍ وَالناسُ مِن رَجُلِ
(٣) البيت في الحماسة المغربية، ص ٤١٦/ (م)، وقد نسب في كل من نفح الطيب ٢/ ١٠٩، ووفيات الأعيان ١/ ٢٤٤ لأبي الصلت أمية بن عبد العزيز.
(٤) ديوانه، ص ١٢٥، ورواية الديوان:
يُمسي وَكُلُّ بِلادٍ حَلَّها وَطَنٌ ... وَكُلُّ قَومٍ غَدا فيهِم عَشائِرُهُ
وَما تُمَدُّ لَهُ الأَطنابُ في بَلَدٍ ... إِلّا تَضَعضَعَ باديهِ وَحاضِرُهُ
(٥) ديوانه ١/ ١٧٩ - ١٨٠، ولم تعيني: لم تعجزني.
(٦) الأبيات في الوافي بالوفيات، ص ١٩٠١٨/ (م)، وأعيان العصر وأعوان النصر، ٤٢٣٨ - ٤٢٣٩ / (م)، وفي معاهد التنصيص، ص ٢٢٥١ / (م) البيتان الثاني والرابع.
(٧) ديوانه، ص ٤٠٠
1 / 21