شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي

Абдул Азиз бин Абдуллах Аль Раджи d. Unknown
114

شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي

شرح كتاب السنة للبربهاري - الراجحي

Жанры

عدم جواز إطلاق صفة الظلم على الله قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أنه لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله، ولا يعذب الله أحدًا إلا ذنوبه]. قال: (اعلم أنه لا يدخل الجنة أحد إلا برحمة الله)، وهذا دليله قول النبي ﷺ: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل). فدخول الجنة لا يكون إلا برحمة الله والأعمال سبب، فمن أتى بالسبب نالته الرحمة، ومن لم يأت بالسبب لم تنله رحمته ولم يدخل الجنة برحمة الله. وسبب الرحمة: التوحيد والإيمان، فمن أتى بالسبب وهو التوحيد والإيمان نالته الرحمة، ومن لم يأت بالسبب-وهو التوحيد والإيمان- لم تنله الرحمة، قال تعالى: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النحل:٣٢] والباء سببيه، أي: بسبب أعمالكم. وقوله ﵊: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) الباء للعوض، أي: لن يدخل أحدكم الجنة عوضًا عن عمله، وليس كما تقول المعتزلة: إن المؤمن يستحق الثواب على الله كما يستحق الأجير أجرته، وهذا قول باطل، فدخول الجنة برحمة الله، والسبب هي الأعمال الصالحة والتوحيد. (ولا يعذب الله أحدًا إلا بقدر ذنوبه)؛ لأن الله تعالى أخبر بذلك، فلا يظلم الله ﷾ أحدًا؛ ولهذا قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:٤٠]. قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو عذب الله أهل السماوات وأهل الأرضين برهم وفاجرهم، عذبهم غير ظالم لهم، لا يجوز أن يقال لله ﵎ إنه ظالم وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له، والله جل ثناؤه له الخلق والأمر، والخلق خلقه، والدار داره ما لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يقال: لم؟ وكيف؟ لا يدخل أحد بين الله وبين خلقه]. يقول المؤلف: (لو عذب الله أهل سماواته وأهل الأرضين برهم وفاجرهم عذبهم غير ظالم لهم)، هذا مأخوذ من حديث: (لو عذب الله أهل السماوات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم) والمعنى: أن الله لو وضع عدله في أهل سماواته، وأهل أرضه، وحاسبهم على أعمالهم وعلى نعمه عليهم لصاروا مدينين له، وحينئذ لو عذبهم لعذبهم وهو غير ظالم لهم، فلو يحاسب الإنسان بنعم الله عليه وعمله فإنه يكون مدينًا وحينئذ يعذب؛ لأن نعمة البصر قد تعدل عمل الإنسان كله فينتهي العمل فيعذب، لكنه سبحانه يحاسبهم بأعمالهم. ولا يجوز أن يقال عن الله ﵎ إنه ظالم، فالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهذا هو التعريف الصحيح لا كما عرفه الجبرية، والله تعالى حرم الظلم على نفسه، ولم يحرمه عليه أحد؛ لأنه ليس فوقه أحد، كما أنه كتب على نفسه الرحمة، ولم يكتبها عليه أحد، وحرم الظلم على نفسه، وقد جاء في حديث أبي ذر القدسي يقول الله تعالى: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا). والظلم يقدر عليه الله، لكنه تنزه عنه، فلا يقال: إنه لا يقدر عليه؛ ولهذا قال الله ﷾: ﴿لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [غافر:١٧]، وقال: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ [طه:١١٢] ولو كان الظلم غير مقدور له لما أمّن الإنسان من خوف الظلم. وقالت الجبرية من الأشاعرة والجهمية: إن الظلم هو الممتنع المستحيل الذي لا يدخل تحت قدرة الله كالجمع بين النقيضين، فالظلم لا يقدر عليه الله؛ لأنه ممتنع عندهم، وقالوا: الظلم هو تصرف المالك في غير ملكه أو مخالفة الآمر للمأمور. والله تعالى كل شيء ملكه فهو يتصرف في ملكه، فلو عذب أهل السماوات وأهل الأرضين لكان غير ظالم، فالظلم كما عرفوه هو أن يتصرف المالك في غير ملكه، وهل هناك شيء يخرج عن ملك الله؟ فلو فعل أي شيء لا يكون ظلمًا. وقالت الجبرية: يجوز لله أن يقلب التشريعات والجزاءات، فيجعل العفة محرمة والزنا واجبًا والعياذ بالله، ويجوز على الله أن يحمل الأبرار والأنبياء أوزار الفجار والكفار ويعذبهم ولا يكون ظالمًا لهم؛ لأنه تصرف في ملكه، وهذا من أبطل الباطل، فالله تعالى حرم الظلم على نفسه وهو قادر على الظلم، ولو كان غير قادر على الظلم فما الفائدة من التحريم؟ قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ولو عذب الله أهل السماوات وأهل الأرضين برهم وفاجرهم، عذبهم غير ظالم لهم، لا يجوز أن يقال لله ﵎. إنه ظالم، وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له، والله جل ثناؤه له الخلق والأمر، والخلق خلقه، والدار داره، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولا يقال: لم؟ وكيف؟ لا يدخل أحد بين الله وخلقه]. قوله: (وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له) هذا الكلام يتماشى مع مذهب الجبرية، القائلين بأن الظلم تصرف المالك في غير ملكه، والصواب الذي عليه أهل السنة أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأن الله تعالى لا يظلم لكمال عدله لا لعجزه وقد حرم على نفسه. وقوله: (لايسأل عما يفعل) لكمال عدله ولكونه حكيمًا عادلًا، والجبرية يقولون: لا يسأل عما يفعل لكونه يتصرف في القدرة والمشيئة وينكرون الحكمة، وكان ينبغي على المؤلف أن يقرر مذهب أهل السنة والجماعة ويقول: وإنما يظلم من يضع الشيء في غير موضعه كأن يحمل أحدًا وزر غيره أو يمنعه من حقه، أما قوله: (وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له) فهو يتماشى مع مذهب الجبرية. (والله جل ثناؤه له الخلق والأمر، والخلق خلقه، والدار داره) فإذا تصرف فيهن بما يشاء فلا يكون ظلمًا. قوله: (ولا يقال: لم؟ وكيف؟) لا يقال لم في أفعال الله، ولا يعترض أحد على الله، فلا يقال: لم فعل كذا، ولا يقال: كيف في الصفات، ولا يسأل: لم؟ لأنه حكيم يضع الأشياء في مواضعها، لا لأنه يفعل بالقدرة والمشيئة فقط، فلابد لطالب العلم أن يفرق بين مذهب أهل السنة في الظلم وبين مذهب الجبرية.

8 / 13