149

قال أبقراط: كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ وأسنان ما عند أوقات من السنة وبلدان وأصناف من التدبير.

[commentary]

الشرح هاهنا مباحث خمسة.

البحث الأول

في صلة هذا * الفصل (116) بما قبله: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر أن المزاج الواحد يختلف حاله بحسب أوقات متباينة، ذكر لذلك صورة أخرى في هذا * الفصل (117) تولده وهي تباين المرض الواحد بحسب أمور مختلفة على ما سنذكره واختلاف حال السن الواحدة بحسب أوقات السنة والبلدان وأصناف من التدبير. * ثانيهما (118) أن الحكم في هذا الفصل أعم من الحكم في الفصل الأول، ولا شك أن بين العام والخاص * صلة (119) لأن الخاص فيه العام وزيادة فبينهما * صلة (120) . وإنما قلنا إن الحكم هاهنا أعم لمن قيل أنه ذكر في الفصل الأول فصلي الصيف والشتاء فقط وفي هذا * الفصل (121) جملة أوقات السنة * والبلدان (122) وأصناف التدبير، ولا شك أن هذا أعم من الأول.

البحث الثاني

في بيان ما المراد بقوله «كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ»: وإظهار الحق في ذلك قال الفاضل جالينوس: أرى أبقراط قد تعدى قليلا في هذا الفصل في لفظة النظام المستقيم، والأجود أن يقول إن كل واحد من الأمراض والأسنان فحاله عند شيء دون شيء من أوقات السنة والبلدان وأصناف من التدبير أمثل وأردأ. وقد استصوبه في هذا جماعة من شراح هذا الكتاب مثل ابن أبي صادق وعبد اللطيف المعروف بالمطحن وعلاء الدين ابن النفيس. وأما أنا فأرى أن هذا القدر الذي ذكره الفاضل جالينوس لا حاجة إليه البتة. وذلك لأن * قول (123) * الإمام (124) أبقراط «كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء دون شيء أمثل وأردأ» * غير (125) قوله «كل واحد من الأمراض فحاله عند وقت من أوقات السنة أمثل وأردأ». فإن الأول يتضمن قياس بعض الأمراض إلى بعض لأن تقدير قوله «فحاله عند شيء دون شيء منها أمثل وأردأ»، والباقي يتضمن قياس بعض الأمراض إلى * بعض (126) الفصول * ولا (127) شك أن هذا مباين للأول. وعند هذا نقول: لو كان الأمر على ما قاله جالينوس لكان ذلك من الإمام أبقراط تكرارا في المعنى. وذلك لأنه تقدم هذا منه في قوله «إن من الطبائع ما يكون حاله في الصيف أجود وفي الشتاء أردأ * وبالعكس (128) (iii.2)». وقد علمت أن مراده هاهنا بالطبيعة المزاج ثم هذا منه أصلي ومنه مرضي. وإذا كان كذلك فيكون حكمه هاهنا على تقدير ما ذهب إليه جالينوس مندرجا في حكمه في الفصل المتقدم. فلو * كان (129) أعاد ذكره هاهنا PageVW5P132B على ما * زعمه (130) جالينوس لكان ذلك تكرارا منه. ومثل هذا لا يليق * بالأوحد (131) أبقراط إذا عرفت هذا. فنقول الحق في هذا البحث ما ذكرناه وهو اختلاف حال المرض الواحد في أشخاص متعددة، فإنه يكون في بعضهم أشد جودة وفي بعضهم أقل جودة وفي بعضهم أشد رداءة وفي بعضهم أقل رداءة. ويكون تقدير قوله «كل واحد من الأمراض الجيدة فحاله عند شخص دون شخص أجود وأقل جودة وكذلك حال كل واحد من الأمراض الرديئة». والعلة في * ذلك (132) من وجوه ثمانية: أحدها من جهة حدوثه، فإنه متى كان حادثا ابتداء كان أقل خطرا ومتى حصل هو * بعينه (133) لشخص آخر بعد عروض مرض آخر كان أكثر خطرا فإن النكسة على ما عرفت أكثر خطرا من المرض الحادث ابتداء؛ * وثانيها (134) من جهة كثرة الاعتياد وقلته فإن المرض * الكثير (135) الاعتياد أقل خطرا من القليل الاعتياد؛ وثالثها من جهة القوة فإن القوة متى كانت قوية كان المرض * قليل (136) الخطر

ومتى كانت ضعيفة كان * كثير (137) الخطر؛ ورابعها من جهة المناسبة فإنه متى كان مناسبا لمزاج الشخص * الأصلي (138) أو لمزاج العضو العارض فيه كان أقل خطرا مما يكون ضد * ذلك (139) ؛ وخامسها من جهة مقدار المادة الموجبة للمرض * فإنه (140) متى كانت قليلة كان المرض قليل الخطر ومتى كانت * كثيرة (141) كان المرض كثير الخطر؛ وسادسها من جهة حسن تدبير المريض في نفسه ومن جهة معالجته فإنه متى كان حاله * كذلك (142) كان المرض العارض له قليل الخطر ومتى كان بخلاف ذلك كان كثير الخطر؛ وسابعها من جهة ما يرد عليه من الأخبار الواردة * فإنه (143) متى كانت سارة كان المرض قليل الخطر ومتى كانت * غامة (144) أو محزنة كان * المرض (145) كثير الخطر؛ وثامنها ما يتعلق بالبحران * فإنه (146) متى كانت المسام متخلخلة والهواء المحيط معتدلا فإن الحار يخرج المادة قبل وقتها والبارد يكثف المسام ويمنع المادة من الخروج في وقتها ولم يرد من الخارج أمر مغضب ولا محزن فالبحران العرقي يكون جيدا والمرض * سليما (147) ومتى كان بالخلاف فالبحران يكون رديئا والمرض غير سليم. * فبهذه (148) الوجوه المذكورة يختلف المرض الواحد في الجودة والرداءة بحسب عروضه للأشخاص.

البحث الثالث:

قال * الفاضل (149) جالينوس: الأمراض التي حالها عند أوقات ما من السنة * أمثل (150) . أما في تولدها فعند الأوقات المشابهة لما قد علم أن المرض المناسب أقل خطرا من غير المناسب. وأما عند زوالها فعند الأوقات المضادة لأنها تصير في مثل هذا الوقت معينة للمداواة على برء المرض. وقد علمت ضعف هذا التأويل بما * ذكرناه (151) .

Неизвестная страница