Шарх Фусул Абукрат
شرح فصول أبقراط
Жанры
* الجزء الأول من شرح كتاب الفصول للإمام أبقراط لأبي الفرج * المسيحي (1)
قال الشيخ * الفاضل (2) أبو الفرج بن يعقوب المعروف بابن القف المسيحي الملكي المتطبب: الحمد لله خالق الخلق ومبدئه وباسط الرزق ومنميه، ومقدر العمر ومحصيه، وموجد المرض ومشفيه، ورضوانه على انبيائه وأوليائه * أجمعين (3) . وبعد: فقد سألني بعض من * اشتغل بصناعة الطب (4) أن أشرح له كتاب الفصول للإمام * أبقراط (5) ، وأن أذكر له مع ذلك الإيرادات التي للرازي وغيره وأجيب عنها وأرتب له على كل كلمة من كلمات فصوله بحثا خاصا. فأجبته إلى ذلك مستعينا بالله تعالي * ووسمته (6) بكتاب الأصول في شرح الفصول * والله يوفقنا وإياه لمعرفة الصواب بمنه وكرمه (7) .
المقالة الأولى * من كتاب الفصول (8) وهي أربعة وعشرون * فصلا (9) .
1
[aphorism]
قال أبقراط: العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق والتجربة خطر والقضاء عسر.
[commentary]
الشرح ههنا أربعة عشر بحثا.
البحث الأول
في علة تصدير أبقراط هذا الكتاب بهذا الفصل. اعلم أن الفضلاء قد اختلفوا في ذلك. فقال قوم غرضه بهذا الفصل صد الراغبين في هذا العلم عن الاشتغال به. قيل وذلك * لأن (10) عمر المشتغل به قصير وهو في نفسه طويل ووقت الاشتغال به ضيق والطرق الموصلة إلى معرفته بعضها خطر، * وهو التجربة، والبعض عسر شاق، وهو القياس (11) . قيل وإذا كان حال هذا العلم كذلك، فلا حاجة للاشتغال به. وهذا قول فاسد. فإنه كيف يليق بمن يريد تصنيف كتاب في علم ثم يصدره بما يصد الراغبين في ذلك العلم عن الاشتغال به؟ * وقال (12) الرازي: غرضه بذلك تمهيد عذر الطبيب متى وقع منه تقصير في معالجته. وهذا القول فيه نظر. وذلك لأنه إما أن يكون عند من يعرف * إمكان (13) صناعته وإما عند من لا يعرف ذلك. فإن كان الأول، فلا حاجة به إلى ذلك لأن من يشاركه في صناعته يعرف إمكان الصناعة. وإن كان الثاني، فإنه لا يقبله. وذلك لأن العوام لا يقبلون من الطبيب تقصيرا في المداواة فيمن فيه قبول المعالجة البتة لو لا علمهم بحتم الموت * الذي (14) لا بد منه. ولعلهم ينسبون ذلك في أكثر الأحوال إليه. ومنهم من قال غرضه بهذا بيان احتياج الطبيب إلى استعمال الحدس والتخمين في هذا العلم. فإن أكثر قوانينه ومطالبه من ذلك. وذلك لأنه قال: العمر قصير والصناعة PageVW5P002A طويلة والوقت ضيق. والأمور * المتوصل (15) بها إلى معرفة هذا الفن بعضها خطر، وهي ا لتجربة، * والبعض الآخر (16) عسر شاق، وهو القياس. * وحينئذ (17) فلا بد من استعمال الحدس والتخمين في هذا العلم، ويكون * أكثر (18) قوانينه مبنية على ذلك. ومنهم من قال غرضه بهذا * بيان (19) من كم سبب يخطئ الطبيب في غرضه بالمعالجة. قال وذلك لأنه قال: العمر * قصير أي العمر (20) الإنساني الذي فيه تحصيل مطالبه من هذا العلم قصير، والعلم في نفسه طويل ووقت الاشتغال به ضيق. والأمور * التي (21) تستخرج منها جزئياته بعضها يتضمن الخطر وهو التجربة، والبعض عسر شاق وهو القياس. وهذا الوجه قريب مما ذكره الرازي وعليه ما عليه. ومنهم من قال غرضه به بيان عذره في تصنيف هذا الكتاب على طريق الفصول. وذلك لأن الفصول أضبط للمعنى وأجمع له وألخص في * اللفظ (22) . ولا شك أنه إذا كان عمر المشتغل بهذا العلم قصيرا والعلم في نفسه طويل ووقت الاشتغال به ضيق * والأمور (23) المستنبط بها جزئيات هذا العلم يشتمل على ما ذكرنا، كان ترتيب هذا الكتاب وتصنيفه على ما ذكرناه أجود وأحسن. قلنا: وإن كان هذا وجها حسنا غير أنه ضعيف. وذلك لأن هذا الترتيب والتصنيف لم يختص بهذا الكتاب، بل وبكتاب تقدمة المعرفة والأمراض الحادة وغيرها في باقي تصانيفه. ومنهم من قال غرضه بيان عذره في تصنيف الكتاب أي كأنه يقول إنه لما كان عمر الإنسان قصير والعلم في نفسه طويلا ووقت الاشتغال به ضيق والأمور التي يستخرج بها جزئياته على ما عرفت، كان PageVW1P003A الواجب تدوينه في الكتاب خوفا من ضيعانه وفوات المصلحة فيه. فإنه إذا دون الأول للثاني كتابا وقد أودع فيه جميع ما علمه وانتهت معرفته إليه، أضاف الثاني إليه ما علمه وعرفه. * ولا (24) يزال كذلك * إلى أن انتهى (25) ذلك إلى المتأخر. فتكون * الصنعة (26) قد * ضبطت (27) وحفظت بحسب الإمكان والقدرة. وهذا وجه حسن. ومنهم من قال غرضه بهذا اعتذاره عن تقصير ما ألفه عن استيفاء جملة ما يحتاج إلى وضعه في هذا العلم وعن سبب ذلك. فيكون تقدير الكلام أن عمر الإنسان قصير والصناعة في نفسها طويلة ووقت الاشتغال بها ضيق * والطريق (28) المستنبط بها جزئيات هذه الصناعة البعض منها يتضمن بالخطر والبعض عسر شاق، وإذا كان كذلك، فيكون هذا * المقدار (29) المذكور في هذا الكتاب كافيا فيما يحتاج * إلى حفظه وضبطه (30) . وهذا وجه حسن. ومنهم من قال غرضه بهذا حث الراغبين في * هذا (31) الفن على الاشتغال به والاهتمام بأمره. فكأنه يقول أنه لما كان عمر المشتغل به قصيرا * والعلم في نفسه طويلا ووقت الاشتغال به ضيقا (32) * والطريق (33) المستنبط بها جزئيات * على (34) ما عرفت، كان من الواجب على المشتغل بها الاهتمام * به والقيام بتحصيله وتقريره (35) . وهذا وجه حسن * أيضا (36) . ومنهم من قال غرضه بهذا الامتحان همم المتعلمين والمشتغلين. وذلك لأنه قدم مثل * هذه (37) الأمور الهائلة التي لا يقدم عليها ويشتغل بعلم * هذا (38) صدره إلا من كان عالي الهمة قوي * العزيمة (39) . وهذا وجه حسن.
Неизвестная страница
البحث الثاني
في ذكر شبه أوردت على هذا العلم والجواب عنها، وهي ثلاثة. أحدها * أنهم قالوا (40) إرادة الله PageVW5P002B تعالى وعلمه أو قدرته في الأزل أو * في (41) الطالع الفلكي على ما تقوله المنجمون إما أن يقتضي حفظ صحة زيد * وأن (42) لا يمرض إلى وقت مخصوص، وإما أن يقتضي تغير مزاجه واختلاله. فإن كان الأول، * فلم تحتج (43) إلى علم الطب لأن الصحة باقية * في البدن المذكور بدون استعمال قوانينه. وإن كان الثاني، لم يفد استعمال الطب (44) . والجواب عن هذا * نقول (45) كما أن الله تعالى قدر وجود الصحة، جعل استعماله لها على ما ينبغي سببا للصحة. ويقال لقائل هذه * الشبه (46) تلزمك أن تستريح من تكلفات المأكل والمشارب. وذلك لأن الأمور المذكورة إما أن تقتضي شيئا من * الشبع والري (47) أو لا تقتضي شيئا من ذلك. فإن اقتضت، فلا حاجة إلى استعمال ذلك. وإن كان الثاني، فلا حاجة إلى استعمالها أيضا لأنه يكون عبثا. وكل ذلك محال لأنه يلزم منه أن يكون وجود الأغذية * والأشربة (48) عبثا. وهذا قول بالتعطيل وهو خطأ محض. الشبهة الثانية أنهم قالوا لو كان الطب علما نافعا في حفظ الصحة وإزالة المرض، لكان الطبيب الفاضل قادرا على دفع الموت عن نفسه. لكن ذلك محال * فأن (49) أبقراط وغيره من أئمة الطب عجزوا عن ذلك. والجواب عن * هذا (50) أن نقول، كل علم فله غاية، * والطب علم فله غاية (51) . ولكن * ليست (52) غايته دفع الموت. فإن هذا غير ممكن على ما ستعرفه. ولا يلزم من انتفاء هذه الغاية انتفاء مطلق الغاية، إذا لا يلزم من انتفاء الخاص انتفاء العام. فإنه لا يلزم من انتفاء الإنسان انتفاء الحيوان. بل نقول غايته دفع الأسباب المعجلة للتجفيف لا الموجبة له، وهو منع العفونة وحفظ الرطوبة الأصلية من التحليل بقدر الإمكان. وذلك باستعمال الستة الضرورية على ما ينبغي في الكمية والكيفية والوقت والترتيب. وقد أوضحنا هذا القول في كتبنا المبسوطة إيضاحا شافيا الشبهة الثالثة أنهم قالوا: الأطباء مجمعون ومتفقون على أن أكثر قوانين الطب حدسية ظنية. وهذا أمر ظاهر، فإنه متى حضر جمع من الأطباء لمباشرة مريض وأحضر * واحد (53) واحد منهم، فإن * كلا (54) منهم يصف ما لا يصف الآخر ولا يحصل الاتفاق بينهم إلا نادرا. وعلم يكون حاله كذلك * خطأ (55) صاحبه أكثر من إصابته. وما كان كذلك، فلا حاجة إليه البتة لأنه يكون حاله * حال (56) المجرب لشيء في شيء بغير علم ومعرفة. والجواب عن هذه * الشبه (57) أن التقصير المذكور وخفي ما يخفى من أحوال البدن حتى * صار (58) أكثر قوانين العلاج حدسا وتخمينا ليس * هو لتقصير الصناعة (59) في نفسها، بل لعجز الطالب عن إدراك فروعها وقوانينها على ما ينبغي. * وكذلك صار (60) الجمع PageVW1P003B من الأطباء يختلفون فيما يأمرون به المريض من المداواة لأن كلا منهم يقع له من المداواة غير ما وقع للآخر بسبب أن هذا قد أدرك من الأعراض ومعرفة المريض ما لا * أدركه (61) الآخر. وكذلك متى جمع بين الفضلاء المحققين منهم، وقع اتفاقهم على نوع واحد من المعالجة. ومع هذا فاستمرار الأشخاص وبقاؤهم مناف للحكمة. وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها تخليص الأنفس من شقاوة الأبدان. فإن النفس إما أن تكون سعيدة أو شقية. فإن كانت سعيدة، فخلاصها أصلح لاتصالها بسعادتها. وإن كانت شقية، فخلاصها * أيضا (62) أصلح خوفا من زيادة شقاوتها. وثانيها أن أشخاص نوع الإنسان متحدون في الطبيعة الإنسانية PageVW5P003A . وإذا كان كذلك، فليس بقاء بعضهم واستمراره أولى من بقاء البعض الآخر واستمراره. فإنه لو كان كذلك، كان ترجيحا * من (63) غير مرجح ,وذلك محال. وثالثها لو جاز ذلك، لجاز أن ينبغي أن يبقى الظالم المتحكم في الدنيا فيدوم شره وإفساده. وذلك لا محالة * مؤد (64) إلى الفساد والخروج عن مقتضى الحكمة. وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يتصور أن يكون علم الطب دافعا لما تقتضيه الحكمة وتريده حتى يكون غاية ما ذكره المعترض.
البحث الثالث:
في عمر الإنسان. اعلم أن العمر عبارة عن زمان تعلق النفس الناطقة بالبدن وتصرفها فيه. وهو مدة * الحياة (65) بحسب المشهور. ثم هو على نوعين: طبيعي وغير طبيعي. والطبيعي مدته مائة وعشرون سنة. وغير طبيعي هو ما نقص عن ذلك. ومدته في غالب * الأحوال (66) ما بين الستين إلى السبعين. والطبيعي * إذا (67) اعتبر حاله، * كان النقصان (68) فيه ضعف مدة الكمال لأن كمال الإنسان في أربعين سنة. وصار * ذلك (69) لوجهين. أحدهما من جهة المادة، وهو أنها في زمان الشيخوخة يكون * قد (70) استولى عليها اليبس والجفاف. وعند ذلك يشتد حفظها لما * هو (71) حال فيها من الصور وغيرها، * فيشتد (72) حفظها لما بقي فيها من الحرارة. * والثاني (73) من جهة الطبيعة، وهو من شأنها أن * تبادر (74) إلى حفظ الأفضل وتذب عن الأنقص. ولا شك * أن بقاء (75) العمر عندها أفضل من * انتفاؤه (76) , فهو مطلوب لها والحرارة ناقصة وهي تذب عنها. * وقلما (77) * يتجاوز (78) العمر المدة المذكورة. والعمدة في هذا على الاستقراء. وأما ما جاء في التواريخ من طول الأعمار، وصدقته الكتب الاهية، فقد قيل فيه أقوال. أما المنجمون فقالوا الطوالع الفلكية في ذلك الزمان كانت تقتضي تلك الأعمار. وأما الأطباء فقالوا لعل كان حسابهم للسنين والأشهر أقل من حسابنا الآن. وأما أرباب الملل فقالوا فذلك لأن العالم كان في ابتدائه وكان نوع الانسان قليل العدد, فطول الله تعالي الأعمار ليكثروا ويتكامل نوع الانسان. وهذا هو الحق.
البحث الرابع:
العمر الطبيعي قليل الوجود, وذلك لأنه موقوف على عدة شروط متعذرة الاستعمال. ولا شك أن الموقوف على المتعذر الوجود متعذر الوجود. وتلك الشروط سبعة. أحدها أن يكون الشخص * عارفا (79) بقوانين الطب ليعلم النافع فيستعمله والضار فيتجنبه. وثانيها أن يكون * موسرا (80) ، فإن المقل لا يمكن أن * يستعمل ما يجب استعماله (81) في حفظ صحته من الأغذية الشريفة وغيرها. وثالثها أن يكون ذا فراغ لأن المشغول بخدمة غيره، فلا يمكنه استعمال ما يجب في وقته. ورابعها أن يكون سمحا فيما يصرفه في تدبير بدنه. فإن البخيل * لم (82) يسمح نفسه باستعمال الأغذية الشريفة وغيرها. وخامسها أن يكون ضابطا نفسه، فإن الشرة لا يمكنه * ضبط (83) نفسه * عن ما (84) لا يجب استعماله. وسادسها أن لا يكون مشغولا بطريقة الزهد، فإن من كان مشغولا بذلك كان كثير الصيام. وذلك * مما (85) يمنعه من استعمال ما يستعمله في وقته. وسابعها أن يكون * مقامه في مسكن معتدل من أقليم معتدل (86) ، فإن غير المعتدل مناف لحال الشخص * المشار إليه (87) . ولا شك أن هذه الشروط قلما يجتمع في شخص واحد. وإذا كان حالها كذلك، كان المرتب عليها قليل الوقوع. * فالعمر (88) PageVW1P004A الطبيعي قليل الوجود. وبهذا يجاب عن إشكال مقدر، وهو أنه لقائل أن يقول: الطبيعة PageVW5P003B المدبرة للبدن شأنها تحصيل * كمالات (89) * (90) من جلب النافع ودفع الضار. ولا شك أن * العمر (91) المشار إليه من القدر المذكور، * فلم لا يكون حصوله دائما أو أكثريا؟ فالجواب أن نقول العمر المذكور له محصل وله معين (92) ، فالمحصل الطبيعة المذكورة والمعين ما ذكرناه من الشروط. وقد علمت أن تلك الشروط متعذرة * الاجتماع (93) في شخص واحد. * وإذا كان كذلك فالعمر (94) الطبيعي متعذر الوجود لتوقفه عليها.
البحث الخامس
في بيان قصر هذا العمر. اعلم أن الشيء لا يوصف بالقصر إلا إذا كان متناهيا, فنحتاج أن نذكر ما يدل على تناهي عمر الإنسان. وذلك من وجوه أربعة. أحدها أن البدن * مركب (95) من أجزاء مختلفة الصور طالبة الانفكاك والافتراق. وإذا كان حالها كذلك، فاجتماعها والتئامها في البدن قسري وهو غير طبيعي، فليس هو بدائم، فالطبيعي افتراقها وانفكاكها. وثانيها البدن الغالب عليه من الكيفيات الحرارة والرطوبة. أما الرطوبة، فلأن تهيئه لقبول النمو. وأما الحرارة، فلتنضج غذاوه وتصلحه وتشبهه به، وهي مع ذلك مبخرة ومحللة للرطوبة المذكورة. ثم إن ذلك يتزايد على ممر الأيام إلى أن يتلاشاى البدن * ويضمحل (96) ويحصل الموت. وثالثها أن الصحة صورة طبيعية حالة في موضوع، وهو بدن الإنسان. وهو أخذ دائما في التحليل والتلاشى. * والموجب (97) لذلك بعضه وارد عليه من خارج والبعض * الآخر (98) من داخل. والأول علي نوعين: ضروري وغير ضروري. * فالضروري (99) مثل تحليل الهواء لرطوباتنا. فإن الهواء وإن كان في بعض الآفاق باردا، غير أنه لا يبلغ في برده في الآفاق المعمورة إلى أن لا يحلل شيئا. بل هو يحلل دائما بما يستفيده من تسخين الشمس وقوى الأجرام الفلكية ومثل الحركات البدنية والنفسانية التي لا بد للإنسان منها في حال حياته. * والغير الضروري (100) العرضية مثل إيراد * السم (101) على البدن * وقطع السيف والبرد المجمد (102) وغير ذلك من الأسباب العرضية. * والكائن (103) من داخل أيضا على نوعين: ضروري وغير ضروري. فالضروري مثل تحليل الحرارة وفعلها دائما في رطوباتنا. فإنها بطبعها محللة. وغير * الضروري (104) مثل الرطوبة الغريبة المتولدة عن أغذيتنا. فإن مثل هذه الرطوبة تضاد الغريزة من وجهين. أحدهما الخنق والغمر، والآخر بمضادة الكيفية. فهذه الأسباب كلها متعاونة متعاضدة على تحليل رطوباتنا الغريزية. * ويلزم من نقصانها نقصان الحرارة الغريزية (105) لضرورة نقصان المحمول لنقصان الحامل. فإن قيل * فلم (106) لا تورد القوة ا لغاذية بدل ما يتحلل من البدن؟ فنقول: القوة الغاذية ولو أوردت بدل ما يتحلل على السواء، غير أن التحلل يزداد دائما. فلم يكن ما تورده القوة مساويا لما يتحلل. فإن عاد المعترض. وقال: ازدياد التحلل إما لازدياد المتحلل أو لضعف القوة عن * الازدياد (107) . والأول محال. فإن الأسباب المحللة وهي التي ذكرناها وجودها في سن الشباب كوجودها في سن الكهول. وإذا لم تزدد، استحال ازدياد التحلل. والثاني باطل. فإن الغاذية إلا تضعف إلا لنقصان الحرارة والرطوبة. فلو عللنا نقصانها بضعف الغاذية، لزم الدور. قلنا: PageVW5P004A الجواب عن الأول أن الأسباب المحللة, وإن لم تزدد غير أنه متى طال زمان تأثيرها، قوي أثرها، فكان فعلها أقوى وأبلغ. فلذلك صار التحلل يزداد ويكثر. والجواب عن الثاني أنا لم نعلل ضعف الغاذية بما ذكر، بل نقول القوة الغاذية * تضعف (108) لنقصان الحرارة والرطوبة. وهما ينقصان لاستيلاء الأسباب المجففة, وهي التي ذكرها. ويلزم من استيلاء التحلل استيلاء الجفاف ثم الموت. * ورابعها (109) * أن (110) يقال بقاء البدن بدون الغذاء محال على ما دل عليه الاستقراء. ثم الغذاء ليس هو * شبيها (111) بالبدن * ولا (112) بد له من مشبه، والمشبه له هو القوة الغاذية، وهي جسمانية لأنها حالة في الأجسام. وكل قوة جسمانية فإنها متناهية الفعل بحسب العدة والمدة والشدة. وأما بيان تناهي القوة المذكورة في هذه الأمور والفرق بينها, فقد ذكرنا ذلك جميعه في شرحنا لكليات القانون. وأوردنا هناك بحوثا لا يليق ذكرها * في (113) هذا الكتاب.
البحث السادس:
قال الفاضل جالينوس: إنما قال أبقراط العمر * قصير (114) بالإضافة إلى PageVW1P004B طول الصناعة * فإنها طويلة (115) على ما سنوضحه. * أقول إن (116) هذا القول من جالينوس يفضي إلى امتناع تحصيل الصناعة. وذلك أنه كان جملة العمر قصيرا * بالقايس (117) إلى طول الصناعة، فتكون الصناعة أطول من أن يستقصى معرفتها في جملة العمر، مع أن العالم بها يكفيه تحصيل العمل بها في بعض عمره والعمل بها في البعض الآخر. وعلى ما قاله، يلزم أن يكون ما يعلم منها في ذلك البعض قليلا لا يكفي من حصول الغرض المطلوب في تحصيلها مع أن الأمر على خلافه. فإن الطبيب إذا * حصل (118) الأصول، تنبه على الطريقة في استخراج ما يحتاج إليه من الفروع. وما يبقى منها من الأمور التي تحتاج إليها في حفظ الصحة وغير ذلك يمكنه استخراجه مقايسا على ما علمه من الأصول. فالقول إذا * بذلك (119) التعليل * باطل (120) . والحق عندي أن يقال إن العمر في نفسه قصير من غير أن يؤخذ مضافا إلى الصناعة.
Неизвестная страница
البحث السابع
في قوله * والصناعة (121) . الصناعة ملكة نفسانية يقتدر بها الإنسان على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على سبيل الإرادة صادرة عن بصيرة بحسب الإمكان. وعلى هذا يكون جميع العلوم صنائع. وفي الحقيقة * فإن (122) إطلاق لفظ العلم على هذا الفن أولى من * إطلاق لفظ (123) الصناعة لأنه أمر كلي. وقد علم في غير هذا الفن أن العلم عبارة عن إدراك الكليات والمعرفة عبارة عن إدراك الجزئيات، غير أن أبقراط إنما أطلق عليه لفظة الصناعة * تجويزا (124) منه في العبارة. أو أنه كان يطلق عليه هذه اللفظة في قديم الزمان، فاستعملها للشهرة. أو يقول * إن (125) هذا الفن كان ناقصا فيما تقدم من زمانه أو في زمانه عما يحتاج إليه. * وهو (126) محتاج إلى أن يتمم ويزداد، فلم يستحق أن يسمى علما.
البحث الثامن:
اعلم أن الألف واللام في اللغة العربية تستعمل لثلاثة معان. أحدها الاستغراق في الجنس. فيكون موقعها موقع الجنس كما يقال الحيوان. * ويراد به (127) حقيقة ما له حس وحركة إرادية. وليس هذا مراد بقراط بذلك هاهنا * لوجهين (128) . أما * الأول (129) فليس كلامه في الصنائع أجمع، بل في صناعة الطب. وأما * الثاني (130) PageVW5P004B فلأن بعض الصنائع قصيرة جدا، فلا تكون طويلة عسرة المعرفة. وأما الثاني * فلطلب (131) الحقيقة والماهية. وهذا أيضا غير مراد أبقراط. وثالثها المعهود السابق، أي الذي كلامنا فيه، وهو الطب. وهذا هو مراد أبقراط.
البحث التاسع
في بيان طول هذه الصناعة. قال جالينوس: أقول إنما قال ذلك لأن الوقت الذي يفعل فيه كل واحد من * حيل (132) أفعالها الجزئية يسير ضيق. لذلك يعسر الوقت عليه * فيحتاج (133) الذي يريد معرفته إلى رياضة طويلة, ودربة بالغة. والذي نقول نحن في إيضاح هذا أول تبيينه أن كل علم فله موضوع ومبادئ ومسائل. فالموضوع فيه البرهان والبمادئ منها البرهان والمسائل عليها البرهان وهي المطالب. وأحوال الموضوع ههنا الذي هو بدن الإنسان هي المطالب في هذا الفن. ولا شك أنها دائمة أخذه في التبدل * والتغير (134) ، فتكون مطالب هذه الصناعة كثيرة جدا غير متناهية. * ولذلك (135) تفرعت مطالب هذه الصنعة إلى الطبائعية والجراحية والكحالة. وإنما كانت متبدلة متغيرة من قبل أن موضوعها على ما علم بدن الإنسان من جهة عروض الصحة له والمرض، وهو دائم * التغير (136) من داخل * وخارج (137) على ما عرفت. ثم أن الغذاء الوارد عليه ليس هو * شبيها (138) به من جميع الوجوه, فهو لا محالة يغيره ويزعزعه. * وإذا (139) كان * التغير (140) حاصلا له دائما، فأحواله متبدلة متجددة دائما. فكانت مطالبه كثيرة جدا * غير متناهية (141) . وصناعة الطب لا شك أنها ناظرة في تلك الأحوال. فلما كان حالها كذلك، وصفها بالطول. فقال: الصناعة طويلة.
البحث العاشر:
قال جالينوس في بيان طول هذه الصناعة ولأن استخراج جميع ما يستخرج من الصناعات يكون * بسببين (142) . أحدهما التجربة والآخر القياس واستعمال الأول خطر والثاني ليس بسهل، لكنه من أعسر ما يستعمل. * أقول (143) : هذا الوجه لا * يصلح (144) أن يعلل به طول الصناعة، بل صعوبتها وعسر إدراكها. وذلك لأن الأمور * التي (145) تستنبط بها * معارفها (146) * منحصرة (147) في أمرين. أحدهما * التجربة (148) وهي خطرة PageVW1P005A على ما ستعرفه. والآخر القياس، وهو عسر شاق. ولذلك وقع الاختلاف فيه إلى الآن. وستعرف المراد بالقياس هاهنا.
البحث الحادي عشر:
في قوله: والوقت ضيق. ذهب الفاضل جالينوس إلى أن مراده هاهنا بالوقت وقت استعمال التدابير الجزئية. فإنه يسير ضيق من قبل أن الموضوع المستعمل فيه هذه الصناعة دائم التحلل والتغير من ذاته ومن خارج. فلا يقدر على ضبط ما نحن محتاجون إلى ضبطه من الأحوال المتجددة على ما ينبغي. وإذا كان كذلك، فيتعذر على الطبيب أن يستعمل ما يجب * استعماله (149) . وذلك لأن أحوال البدن تتغير بتغير موضوعها في الزيادة والنقصان. فربما تحصل من المعالجة حالة لا يتوقع حدوثها وهو أن الدواء ربما يكون أقوى قوة منه. وذلك إذا كان * التغير (150) إلى أمر أنقص من قوة الدواء، أو يكون الدواء أضعف منه إذا كان * التغير (151) بالعكس. وكذلك الكلام في حفظ الصحة. فالحاصل أنه جعل ضيق الوقت بحسب الحالة التي عليها البدن. أقول هاهنا * ثلاثة بحوث (152) . أحدها * أنه علل (153) طول الصناعة بضيق الوقت لأن أحوال البدن متجددة. وهاهنا قد علل ضيق الوقت بطول الصناعة PageVW5P005A لكثرة ما يحتاج إلى استخراجه منها بحسب الوقت، أي الحالة الحاصلة فيه. * ولا شك أن هذا (154) دور وهو محال. وثانيها الحالة المنتقل إليها البدن إما إن يمكن الطبيب أن يحصل ما يحتاج * إليه (155) بحسب الوقت أو لا يمكنه. فإن أمكنه، فليس الوقت * ضيقا (156) من هذه الجهة. وإن لم يمكنه، تعذر وصول الصناعة إلى غرضها. وذلك باطل بالاستقراء. فإنا نرى الصناعة تبلغ غرضها في أكثر الأوقات في * أمر (157) المعالجة وحفظ الصحة. وثالثها أنك ستعرف أن الأمراض على نوعين: حادة ومزمنة. والحادة على نوعين: مهياجة وغير مهياجة. والمزمنة والحادة الغير مهياجة حركاتها متراخية الأزمنة يمكن حصول الغرض من صواب تدبيرها. وكيف لا يكون ذلك؟ وإلا، كانت الصناعة قاصرة جدا فيما يحتاج إليه. فتبقى الأحوال السريعة التبدل والتنقل التي لا يمنكن الطبيب أن يحصل غرضه منها ولا من معالجة الأمراض المهياجة. فالقدر الذي ذكره الفاضل جالينوس لا يتأتى ويمشي * إلا (158) في هذه الأحوال. وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يعلل ضيق الوقت بتبدل الأحوال وتغيرها مقلطا. وقال ابن أبي صادق: عنى بضيق الوقت وقت التعليم. فيكون مراده بالوقت * الزمان (159) الذي يمكن الإنسان صرفه إلى تحصيل هذه الصناعة * في (160) جملة عمره. فإن بعض العمر ينصرف في النوم والبعض في اللهو والبعض في وقت المرض والبعض في زمان الطفولية والبعض في زمان الشيخوخة والبعض في هم يرد أو غم أو غير ذلك من الأمور الطارئة على الإنسان. ولا شك أن أمثال هذه مما تحيل بينه وبين تحصيل العلم، فيضيق وقت التعليم. فإن * قيل (161) هاهنا بحثان: أحدهما أن يقال الوقت إذا ضاق عن التعليم يضيق, فضيقه إما أن يبلغ فيه الغرض من التعليم أو لا يبلغ فيه. فإن كان الأول، فليس الوقت يضيق. وإن كان الثاني، * فيمتنع (162) معه تحصيل الصناعة وتعليمها، وهو باطل. ثانيها أنه إذا * أنسب (163) ضيق الوقت بالإصفافة إلى تعليم الصناعة ، كان ذلك في ضمن قولنا والعمر قصير بالإضافة إلى طول الصناعة. وفي ذلك جعل الوقت عديل الكل وقسيما له، وهو خطأ. * والجواب (164) عن الأول قوله الوقت إما يبلغ فيه الغرض أو لا يبلغ. قلنا يبلغ فيه بحسب الإمكان والقدرة الإنسانية، غير أن هذا يكون نادرا جدا. * ولذلك (165) صار وجود الطبيب الحاذق الماهر نادرا جدا. وكيف لا يبلغ في هذه الصناعة ذلك * ومثل (166) هذا القدر منها ممكن الحصول * المعرفة (167) ؟ والجواب عن الثاني أنه علل طول الصناعة بكثرة مطالبها التي هي الأحوال المتجددة الحادثة. وعلل ضيق الوقت أي وقت الاشتغال بكثرة الأمور المانعة من ذلك، وهي التي عددها. فلم يلزم ما ذكره المعترض.
Неизвестная страница
البحث الثاني عشر
في معنى التجربة. التجربة هي القضية التي يصدق العقل بها بواسطة الحس وشركة من القياس. فإن الحس إذا تكرر عليه اقتران شيء بشيء مرارا غير محصورة، حصل في الذهن من هذا التكرار شيء، وهو أن هذا القدر ليس باتفاقي. فإن الاتفاقي ليس بدائم ولا أكثري، بل هو أمر طبيعي مثاله السقمونيا. فإنها تسهل الصفراء وهذا القدر لما رأيناه قد تكرر مع شرب السقمونيا، علمنا قطعا أن التكرار هو الموجب لذلك الاعتقاد إذ لا بد لكل حادث من سبب * وليس (168) ذلك السبب أمر إرادي من * السقمونيا (169) ، وليس هو * في (170) الجسمية. وإلا، تساوت الأجسام في ذلك. بل هو لقوة PageVW1P005B حاصلة فيه. فحينئذ يقضي العقل بأن السقمونيا التي في بلادنا PageVW5P005B تسهل الصفراء إذا كان المنفعل مستعدا للإسهال.
البحث الثالث عشر
في بيان خطر التجربة. قال جالينوس: وذلك لشرف الموضوع. فإن الطبيب متى أخطأ فيه، لم يمكنه أن يعيده أو يعمل منه شيء آخر كما يمكن النجار إن يعمل من الخشبة التي أخطأ فيها. ولم يعمل منها مفتاحا إن يعمل منها * شيئا (171) آخر. أقول وصارت التجربة خطرة وذلك من وجوه ثلاثة. أحدها أن أحوال البدن ليست على نوع واحد ولا هي حادثة بمقدار واح، بل هي مختلفة في ذلك. وإذا كان كذلك، فكيف يمكن أن يستعمل الطبيب في البعض ما جربه في البعض الآخر؟ ولو فعل ذلك، لأهلك المريض أو جلب عليه آفة عظيمة. وثانيها الحالة الحاصلة التي جرب فيها الدواء والغذاء وشهدت التجربة بنفعه لها. وربما ما كان مقدار نالها، * عرض (172) لأجل وقع النفع. ثم الحالة الثانية لم يحصل فيها ذلك الغرض أو حصل فيها غرض مقابل الغرض الأول. فمتى استعمل ما * استعمله (173) في الحالة الأولى، جلب على العليل بلية عظيمة. وثالثها أن أشخاص نوع الإنسان * ليست مما هي موجودة (174) بالفعل، بل البعض منها بالقوة والبعض بالفعل. فتكون أشخاص الناس * غير (175) متناهية العدد، فتكون أحوالهم كذلك. ومن * المعلوم أنه (176) مستحيل أن تجرب شخص واحد أو أكثر من واحد في كل واحد * واحد (177) من تلك الأحوال التي هي غير متناهية. فإن * قاس البعض (178) بالبعض، لم يصلح أن يستعمل ما جربه في الأبدان الأخر إلا بعد أن نعرف أن حالاتها هي تلك الأحوال بأعياهنا وبذلك المقدار، غير أن هذا القدر * لا يكون تجربة بل قياسا (179) . وبهذا * يبايان (180) المجرب والقياس. فإن القياس لا يمكنه أن يستعمل شيئا إلا بعد الثقة به، والمجرب لا يثق بالشيء إلا بعد استعماله. وبالجملة معرفة ما لا يتناهي بالتجربة محال. ولما كان حال التجربة كذلك، قال والتجربة خطر. قال ابن أبي صادق: التجربة على نوعين. أحدها امتحان ما اقتضاه القياس وعلم به كما إذا دل الدليل على برد الافيون غير أن هذا القدر * لا (181) يظهر لنا في الوجود الخارجي. فإن أردنا امتحانه وإظهار ذلك منه إلى الفعل، فنجربه, أي * (182) نستعمله في بدن ما. فأحتاج هذا النوع من القياس إلى التجربة لا بمعنى أنها تصححه وتجبر نقصانه، بل بمعنى أنها تظهر فضيلته ويشهد له. وهذا النوع من التجربة ليس في خطر البتة. وثانيها امتحان الشيء من غير قياس كاستعمالهم * للشيء (183) عند ظهور نفعه بالاتفاق أو معرفة ذلك منه في بعض الحيوانات أو من الرؤيا والمنام. ومثل هذا النوع رديء جدا على ما عرفت. ومراد بقراط بالتجربة الخطرة هذا النوع. وهذا تفصيل جيد من ابن أبي صادق.
البحث الرابع عشر:
في معنى القضاء وعسره. قال جالينوس: أصحاب القياس فهموا منه القياس والقياس * عسر (184) شاق. * ولذلك (185) وقع الاختلاف فيه حتى أن الواحد يخالف نفسه. * وأصحاب التجارب فهموا (186) منه الحكم على منفعة أو على مضرة حصلت عقيب أنواع من المعالجة. * مثاله أن (187) محموما فصد ثم استعمل ما يبدل مزاجه ثم اغتذى ثم * أحقن (188) أو استعمل ما يلين طبعه ثم حصل له عقيب هذه الأنواع ضرر أو نفع. فما يعرف إلى أي نوع منها ينسب ذلك. فإن ذلك عسر * شاق (189) .
[aphorism]
قال أبقراط: * وقد ينبغي (190) أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي * دون (191) أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج.
[commentary]
Неизвестная страница
الشارج هاهنا بحثان.
البحث الأول
في هذا القول: هل هو تمام الفصل أو هو فصل قائم بذاته. والحق عندي الثاني. وبيانه أن الأول يتضمن الأخبار PageVW5P006A عما ذكرنا، وهذا يتضمن المشورة. فكأنه يقول مع ما علم، ينبغي للطبيب أن لا يقتصر في معالجته على استخراج ما يستخرجه من القوانين الكلية دون أن يكون المريض مطيعا له فيما يأمره به من استعمال ما يستعمله في وقته وبمقداره. وهو المعنى بقوله «ما يفعله PageVW1P006A المريض»، وأن يكون خدمه مطيعين له في ذلك بمعنى انهم يستعملون ما يأمرهم به الطبيب في وقته وبمقداره * «والمريض (192) » * يعني (193) أن يكون عندهم لطافة وطرافة، وهو المعنى بقوله «ومن يحضره كذلك»، وأن تكون الأخبار الواردة عليه من خارج * أخبارا (194) مفرحة لا * محزنة (195) وأن يجعل مسكنه موافقا له وكذلك حال الهوى، وهو المعنى بقوله «والأشياء التي من خارج». فلما كانت موافق التدبير إذا كانت صوابا، خالصه من هذا * نبه (196) عليها وأشار بمراعاتها. والذي * أراه (197) * أن (198) في هذا الفصل أنه وإن كان جاريا، تجري المشورة والتنبيه على فعل ما يجب فعله. فإن فيه فائدتين * أخريين (199) أحدهما * أنه (200) برهان على صعوبة الصنعة. فكأنه يقول * ومع ما (201) * بيناه (202) من صعوبة هذه * الصنعة (203) من قصر العمر وطولها وأن * التي (204) اكتسابها بالتجربة وهي خطرة، والقياس وهو عسر شاق أن استعمالها في الأمور الجزئية عسر شاق أيضا لأنه موقوف على * مراعاة (205) ما ذكرناه. وثانيهما * أنه (206) تنبيه على وجه الغلظ الذي يقع في مباشرات هذه الصناعة. فإنه ربما أن ظانا يظن عند * وقوع (207) هذا الغلط أن الصناعة في نفسها قاصرة. ولم يعلم أن سبب الغلط ليس هو من جهتها بل من الأمور التي ذكرناها فلذلك نبه عليها.
البحث الثاني:
لقائل أن يقول: «ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من خارج إما أن يكون مما ينبغي * أن (208) يفعل أو لا يكون. فإن كان الأول، فيكون * داخلا (209) فيما يتوخاه. وإن لم يكن فيما لا ينبغي * أن يفعل (210) ، لا حاجة إليه». والجواب عن * هذا (211) : ما ينبغي أن يفعل على نوعين: خاص بالطب ووارد من غيره. فالخاص * به ما يتعلق بما (212) تقتضيه الصناعة من واجب التدبير وحسن استنباط ما يستنبط مع قطع النظر عما عما عداه. والحاصل من غيره * هو (213) ما ذكرنا من مطاوعة المريض والخدم والأخبار الواردة من خارج. ولما كانت هذه الأمور مؤثرة فيما يفعله الطبيب، نبه عليها وقال لا بد من مراعاتها.
2
[aphorism]
قال أبقراط: إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن والقيء اللذين يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، * نفع (214) ذلك وسهل احتماله. وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. وكذلك خلاء العروق فإنها إن خلت من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه، * نفع (215) ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد. * وينبغي أيضا أن تنظر (216) في الوقت الحاضر من أوقات السنة وفي * البلد (217) وفي السن وفي الامراض هل يوجب استفراغ * ما (218) هممت باستفراغه أم لا.
[commentary]
الشرح هاهنا أحد عشر بحثا.
Неизвестная страница
البحث الأول
في الغرض من هذا الفصل. الغرض منه * تقديم (219) مقدمة يبني عليها جميع الأحكام الطبية * هي (220) أن الأفعال الطبية يجب أن يحذو بها حذو * الأفعال (221) الطبية. ولذلك قيل «إن الطبيب خادم * للطبيعة (222) » أي أنه يجب عليه أنه متى وجدها * ناهضة (223) بشفاء مرض، قواها أو تركها على حالها. وإن وجدها مقصرة، قواها وقابل مقاومها بما يضاده أو عادمه PageVW5P006B آلة أو * ملسلكا هيأ لها. ذلك (224) مثل رد خلع أو تسوية كسر أو فتح عرق، كل ذلك بحسب الإمكان. وضرب لنا * المثال (225) في ذلك بالاستفراغ لوجوه أربعة. أحدها لظهوره. وثانيها أن أكثر العلاجات والأشفية كائنة بالاستفراغ. فإن الطبيعة تفعل هذا في حال الصحة. وثالثها أن غرضه في أكثر هذه المقالة الكلام في قوانين * التغذية (226) ، والغذاء إنما يكون بعد نقص الفضول من المعاء وغيرها. فوجب * ذكر (227) الاستفراغ. ورابعها أن الغذاء هو * خليف (228) لبدل ما يتحلل، والتحلل استفراغ. فوجب تقديم الكلام في الاستفراغ * لأنه (229) مقدم على التغذية. فلذلك ضرب * المثال (230) بالاستفراغ.
البحث الثاني:
ما لمراد بالنوع الخارج؟ قال جالينوس * مراده (231) بالنوع الذي ينبغي أن يستفرغ الخلط الفاسد في كيفيته لا الخارج في كميته. * واستدل على ذلك بأمرين. أحدهما تكرار اسم «النوع» مرتين (232) والثاني لفظة النقاء. قال «هما لا يستعملان في اللغة اليونانية إلا فيما يؤدي البدن بالكيفية». قال: «ولو أراد الكمية، * لقال (233) إن * استفرغ (234) البدن بالمقدار الذي ينبغي، أو كان استعمل لفظا أعم من النقاء، وهو أن يقول: إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن يستفرغ منه». أقول: إن هذا التأويل الذي تأوله الفاضل جالينوس إنما * يصح (235) لو كان المستفرغ لزيادة الكمية طوعا غير نافع. وليس في كلام الإمام أبقراط ما يدل PageVW1P006B عليه. أما إذا كان ينتفع به وفي كلامه احتمال، فلا وجه للتأويل بما يخرجه عن كلامه وينسب لأجله إلى التقصير. وأيضا * فإن (236) كان الخارج في الكمية * خارجا (237) عن النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن، فيكون * أمرا غير طبيعي (238) مؤذ للبدن، لكن خروجه عن النسبة الطبيعية التي له في البدن ليس طبيعيا وعلاج كل خروج بضده والخروج بالزيادة يعالجج بنقصان موجبها. وأيضا فإنه ذكر في هذا الفصل * خلو (239) العروق وخلوها لا يستعمل فيما يؤذي البدن بالكيفية بل بالكمية أو بهما جميعا. * وقوانين الطب أكثرية فظهر ما ذكرنا دخول زيادة الكمية في نوع ما ينبغي أن ينقى منه البدن (240) . وأما جالينوس فيعارض بما جاء في اللغة اليونانية ووقع الاصطلاح عليه وهو أن فيها ألفاظا يقال على سبيل الحقيقة وألفاظا على سبيل المجاز. ويكون أبقراط قد استعمل لقطي النوع والنقاء في هذه الصورة على سبيل المجاز لا على سبيل * الحقيقة (241) . ومراده بالطوع هو الذي لا تستعين الطبيعة في إخراجه بدواء مسهل ولا بغيره وبالنوع المادة الموجبة للمرض. ومثل هذا الإسهال متى حصل، كان نافعا سهل الاحنمال. أما نفعه، فلأن فيه إخراج المؤذي. وأما احتماله، فلأن الطبيعة لا تظن به لأنه مؤذ لها * فسهل (242) عليها مفارقته، إلا أنه ربما حصل معه في حاضر الوقت ضرر لا من كونه كذلك، بل من جهة إعياء يعقبه في الأوعية أو سحج في * المعاء (243) لحرارة المادة. فلا يحس بنفعه في الحال إلى أن يزول العارض.
البحث الثالث:
اعلم أن * هذا (244) الاستفراغ قد يكون بالعرق وقد يكون بالرعاف وقد يكون بالقيء وبغير ذلك من الاستفراغات المذكورة. وإذا كان كذلك، فلقائل أن يقول: فلم ذكر في * هذا (245) المثال استطلاق البطن والقيء؟ فنقول: * لأن (246) الاستفراغ * فيهما (247) محسوس. وذكر من ذلك ما هو من جهة الأعالي وما هو من جهة الأسافل، ولأنهما أكثر وقوعا من غيرهما. * ولأنهما للإرادة فيهما تصرف، فيكونان أقرب إلى الطول غيرهما (248) .
البحث الرابع
في قوله «وإن لم PageVW5P007A يكن كذلك كان، الأمر على الضد»: ومعناه أن الاستفراغ الطوعي متى وقع ولم يكن من النوعي فإنه يكون مضرا. قال جالينوس: «وهو الاستفراغ من غير الشيء المؤذي». * ونحن نقول: إن استفراغ ما لا ينفع من غير الشيء المؤذي (249) * لا (250) يلزم أن يكون مضرا فإن استفراغ الخلط الأصفر الزائد في بدن المحموم حمى دموية غير ضار بل قد يكون نافعا بوجه ما. بل الذي يضر استفراغه إذا لم يكن من النوع هو الشيء المقاوم للشيء المؤذي، أعني الضد. وذلك كاستفراغ البلغم من البدن في الحمى الصفراوية والصفراء في الحمى البلغمية. وإلى هذا أشار * الأوحد (251) أبقراط فإنه * قال (252) «إن كان ما يستفرغ من البدن طوعا من النوع الذي ينبغي أن * ينفي (253) منه البدن، نفع ذلك وسهل احتماله». ثم أتى بما يقابل ذلك فقال «وإن لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد». ومقابل ما ينبغي ما لا ينبغي وما * لا (254) ينبغي أن يستفرغ في * الحال (255) التي البدن عليها بالحقيقة هو الضد لا المخالف. * فهذا (256) هو الحق في هذا البحث.
البحث الخامس
في تحقيق مراده * بخلو (257) العروق. * قال (258) جالينوس: «أبقراط يسمي كل استفراغ * خلو (259) العروق من قبل ما يعرض منه من * خلو (260) العروق». * وهذا (261) الكلام فيه نظر. فإن الاستفراغ قد يكون من العروق وقد لا يكون من العروق. وذلك من مواضع، منها الاستفراغ لتنقية المعدة * وحوالاها (262) . ومنها الإسهال بالحقن وإخراج ما في المعاء من الثقل. ومنها التحليل لما تحت الجلد بالدلك اللطيف. ومنها استفراغ * ما (263) في الصدر والرئة بالنفث. ومنها استفراغ مادة الزكام من الأنف. ومنها إخراج مائية الاستسقاء بالبزل الرقيق. ومنها تحليل مواد الأورام المجتمعة في عضو عضو. ومنها تحليل المواد * الغليظة (264) المجتمعة في المفاصل. وكل هذه الاستفراغات لا يعرض معها * خلو (265) العروق. فعلى * هذه الحال فحينئذ (266) لا يصح قوله «كل استفراغ يعرض منه * خلو (267) العروق». ولو كان استفراغ يعرض منه * خلو (268) العروق، لكان ذكر أبقراط الاستفراغ الأول لا حاجة إليه لدخوله في عموم الثاني وصلاحية حمل الثاني عليه على ما قاله من تسمية أبقراط لكل استفراغ * خلو (269) العروق. والذي نقوله نحن في هذا الموضع: إن الفائدة من قوله هذا * في الموضع (270) من وجهين. أحدهما أن أبقراط لما خصص ما يستفرغ من البدن النوعي الطوعي * بالإسهال والقيء (271) وحكم عليه بالنفع، نقل هذا الحكم إلى ما هو أعم من ذلك. فكأنه * يقول (272) «ولست أقول إن هذا القدر حاصل في هذا الخاص فقط، بل فيما * هو (273) أعم منه، * ومنه (274) * خلو (275) العروق. فإن * خلوها (276) قد يكون بالقيء وقد PageVW1P007A يكون بالإسهال وقد يكون بالرعاف وقد يكون بالفصد وقد يكون بالبول. * فهذا (277) مراده بالعموم لا ما ذكره الفاضل جالينوس. * والفائدة الثانية (278) أنه لما تقدم كلامه بذكر استفراغ الأخلاط الثالثة وغالبا هو إما بالقيء * أو (279) بالإسهال وبقي الدم، ذكر استفراغه بمكانه. فيكون قد استوفى الكلام في استفراغ ما يحتاج * إليه في استفراغه من جملة (280) الأخلاط من سائر جهاتها وحينئذ يكون قد أعطى الصناعة حقها.
Неизвестная страница
البحث السادس:
* قال (281) جالينوس: «إن أبقراط يعني * بخلو (282) العروق الاستفراغ الصناعي لأنه أكثر ما يكون بالفصد». وهذا القول يخرج عن الفصل فائدة أخرى داخلة فيه وهي * خلو (283) العروق طوعا أي من جهة الطبيعة * كفتحها (284) أفواه العروق في بجارين الحميات الدموية وغيرها من الحميات الدائمة. وإذا كان كذلك، فلا حاجة إلى تخصيص جالينوس بالصناعي، بل الواجب إبقاؤه على إطلاقه * المحتمل (285) لكلى القسمين * الصناعي والطبيعي (286) PageVW5P007B وليس المراد * بالخلو (287) أن تخلو بالكلية.، فإن هذا محال. بل المراد به التنقيص.
البحث السابع
في بيان نفع ما يخلو * منه (288) العروق. وضرره. قد تقدم لنا كلام مناسب لهذا وهو أنه متى كان الخلو من النوع الذي ينبغي أن يخلو منه وكان طوعيا أو صناعيا، فإنه يعقبه خفة وراحة. ومتى لم يكن كذلك، أعقبه ضررا، وهو أن يكون النوع الموجب للمرض مادة بلغمية. ثم كان الخلاء من الدم إما من جهة الطبيعة وإما من جهة الصناعة، فإنه حينئذ يكون مضرا.
البحث الثامن
(289) في احتياجه إلى ذكر الوقت الحاضر وغيره مما ذكره: وذلك لأنه قد ثبت أن النفع وسهولة الاحتمال لازمان مساويان لكون المستفرغ من النوع الذي يجب أن ينقى منه البدن * لأنهما (290) لو * كانا (291) أعم منه لجاز حصوله عند كون المستفرغ * من الضد (292) ، وحينئذ لم يصدق قوله «وإذا لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد». وإذا صح * أنهما (293) * لازمان مساويان (294) ، فيستدل بكل واحد * منهما (295) على الآخر، لكن * استدلال النفع (296) وسهولة الاحتمال إنما يكون بعد الاستفراغ. فلما كان أمرهما على هذه الصورة، احتاج إلى ذكر أمور تدل على النوع المستفرغ قبل الاستفراغ.
البحث التاسع
في أنه قال «ينبغي أن ينظر إلى الوقت الحاضر» وغيره، ولم يقل «ويجب أن ينظر» مع أن النظر في هذه نافع جدا في الاستفراغ. * وذلك لأن هذه إذا كانت مانعة من الاستفراغ (297) لا يترك مع الحاجة إليه. فإن الحاجة ربما دعت إليه وشهادة هذه مضاد لما دعت * إليه الحاجة (298) . وذلك كحدوث الحمى الصفراوية للشيخ في زمان الشتاء وفي البلد البارد * واحتياجها (299) إلى استفراغ الصفراء، وإن كان حدوثها قليلا، لكن القلة لا يلزم منها الامتناع. وليس في قول أبقراط ما يمنع من ذلك. وقوله «أم لا» لا ينبغي أن يفهم منه المنع إن لم يكن موجبه له فإنه لم * ينه (300) عن الاستفراغ مع كونها غير موجبه. فإن الاستفراغ الضروري * له (301) موجبان. أحدهما زيادة المادة أو رداءتها. والآخر احتمال القوة. فمتى تهيأ ذلك * بلا (302) مانع منه، وجب الاستفراغ * سواء (303) إن وافقت * تلك (304) أو خالفت. * فلذلك (305) قال «وينبغي أن ينظر» في هذه ولم يقل «وجب أن ينظر» في هذه لأنه يحتمل أن يكون كلامه في الاستفراغ الاختياري. ولما كان كذلك، عبر عباره تشمل الاستفراغين جميعا الضروري والاختياري * لأنه (306) لو قال * «وجب (307) » خرج عن ذلك الاستفراغ الضروري. فهذه الفائدة في قوله وينبغي.
البحث العاشر
في معرفة النوع المراد استفراغه. قال بعضهم: * هذا يعرف (308) * من وجوه ستة. أحدها (309) من لون البدن. وهو أنه إن كان أصفر، فالمستولي عليه * من المواد (310) الصفراء. وإن كان أحمر، فالمستولي عليه الدم. وكذلك الحال في السوداء والبلغم. وهذا وجه ضعيف لاحتمال أن يكون حيز الأذي في باطن البدن، مثل أن يكون هناك ورم فتتجه الطبيعة إلى جهته طلبا لمقاومته. وحينئذ يتجه باتجاهها * إليه (311) الدم والروح والحرارة الغريزية. أما الدم والروح فلأنهما مركبان لها. وأمأ الحرارة الغريزية فلأنها آلة لها في جميع أفعالها وحينئذ يستولي على مكانها ضدها وهو البرد والمواد البلغمية. وذلك يلزمه اللون الأبيض، * أو يكون في ظاهر البدن وجع شديد، فتميل الطبيعة إلى جهته للمقاومة ويميل معها ما ذكرنا PageVW5P008A بحمر اللون، وإن كان الوجع حادثا عن مادة باردة (312) بلغمية. * وإذ (313) قد ثبت ضعف هذا فنقول: معرفة ذلك النوع من الدلائل * الخاصية (314) بكل واحد من المواد. وقد ذكرناها في كتابنا * المعروف (315) بالشافي وفي شرحنا لكليات القانون. * وثانيها من التدبير المتقدم. فإنه إذا كان سخن مرطب، فالمادة دموية سخنا مجففا. فالمادة صفراوية. وكذلك الحال في البلغم والسوداء. وثالثها من السن فإنك قد عرفت أن لكل سن مادة مخصوصة. ورابعها من الفضل فإنك أيضا قد عرفت أن لكل فضل مادة مخصوصة. وخامسها من الصناعة، فإنه إن كان يحتاج فيها إلى مباشرة النار، فالمادة حارة، أو إلى مباشرة الماء، فالمادة باردة . وسادسها من الأعراض (316) الخاصية بكل واحد من المواد فإن حلاوة الفم ودروس العرق وكثرة النوم وانتفاخ السخنة واحتكاك مخارج الدم المعتادة واحتباس دم معتاد الخروج كأفواه العروق والبواسير والحيض والرعاف وروية الألوان الحمر في النوم. فالمادة دموية وكثرة النوم وبياض اللون وبلادة الذهن واسترخاء الأعضاء وفتور الحركات وكثرة البزاق والغشيان ودلاعة الفم وترك استفراغ بلغم معتاد ورؤية البخار والثلوج في النوم، فالمادة بلغمية. والعطش المبرح والتلهب ومرارة الفم والصداع والقيء الصفراوي وترك استفراغ الصفراء المعتاد ورؤية النيران والصواعق والبروق، فالمادة صفراوية. وحموضة الجشاء وسواد البدن وقحله وهم وغم بلا سبب وخفقان الفؤاد وجفاف الطبع وكثرة السهر وترك استفراغ سوداء معتادة ورؤية المقابر والموتى والألوان السود، فالمادة * سوداوية (317) .
Неизвестная страница
البحث الحادي عشر
في ذكر أمور واردة على * هذا (318) الفصل والجواب عنها. أحدها اشتراط النوع والطوع في استفراغ ما يستفرغ وسهولة الاحتمال. يلزم من عدم كل واحد منهما عدم النفع وسهولة الاحتمال PageVW1P007B لكن الاستفراغ قد يكون بالصناعة وقد يكون من النوع الذي ينبغي استفراغه وينفع ويسهل احتماله. وثانيها أن المستفرغ يكون في بعض الصور * نوعيا طوعيا (319) وفي بعضها * نوعيا وصناعيا (320) ولا يحصل منه خفة ولا احتمال. وذلك عند إفراط خروج ما يخرج من الخراجات عند انفتاحها من جهة الطبيعة أو من جهة الصناعة. فإن المدة الحاصلة فيها متى كان خروجها دفعة، أعقبها غشي. ولا شك أنه بالنظر إلى المادة من النوع الواجب خروجه وفتحها من جهة الطبعة يجب أن لا يعقبها شيء من ذلك. وثالثها قوله * هاهنا (321) «إن كان المستفرغ نوعيا طوعيا نفع وسهل احتماله» يناقض قوله «فيما بعد الخلط الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه كان مع حمى أو مع غير حمى، فهو من أردأ العلامات». ولا شك أن هذا المستفرغ نوعي وطوعي. ورابعها أن هذه الأمور الأربعة التي هي الوقت الحاضر والبلد والسن والأمراض إنما ينتفع بمراعاتها في الاستفراغ الصناعي * الاختياري (322) . * ولذلك (323) قال: هل * موجب (324) استفغراغ ما هممت باستفراغه أم لا؟ وأما الكائن من * جهة (325) دفع الطبيعة والصناعي الضروري، فلا حاجة * فيهما إلى النظر في هذه الأمور (326) . أما الضروري فاستعماله واجب متى دعت الحاجة إليه. وأما الكائن من جهة الطبيعة فليس لنا فيه تصرف فضلا عن * أن يراعيها (327) . والجواب عن الأول * أن (328) عدم النفع * وسهولة الاحتمال (329) * لا (330) يحصل من حصول مقابلها أي النوع والطوع. ولذلك قال أبقراط «ومتى لم يكن كذلك، كان الأمر على الضد» أي متى لم يكن الاستفراغ لا نوعيا ولا طوعيا PageVW5P008B كان الأمر على الضد أي ضد الخفة وسهولة الاحتمال. أما إذا عدم أحدهما، لم يعدم النفع، بل ينقص في الفضيلة لكن * لا (331) مطلقا بل بشرط أن يعدم الطوعي وكان عوضه الصناعي. أما إذا عدم النوعي، * فلم (332) يلزم منه عدم النفع سواء كان ذلك طوعيا أو صناعيا. * وإنا (333) قلنا إن النوعي الطوعي أفضل منه عند كونه صناعيا. وذلك لأن في استعمال الأدوية المسهلة مضرة بالطبيعة المدبرة للبدن وبالأعضاء المارة بها بما فيها من القوى السمية. والجواب عن الثاني أن الاستفراغ متى أسرف، كان مضرا بل ربما أعقبه غشي إما من المواد الصالحة، فذلك ظاهر فيها بالاحتياج إلى الأعضاء إليها والقوى أيضا، وأما متى كان من المواد الفاسدة كمادة الخراجات ومائية * المستسقين (334) . فإن هذه، وإن كانت مادة فاسدة، فإن في استفراغها استفراغ الأرواح والحرارة الغريزية. وذلك لأن القوة * المدبرة للبدن متصرفة فيه (335) وحاله في جميع رطوباته لكن تصر فها وحلولها فيها على نوعين. تارة تكون بمعنى أنها مادتها، وتارة تكون بمعنى أنها مصلحة لها ودافعة لنكايتها بالأعضاء المجاورة لها فحلولها في المادة الفاسدة بالمعنى الثاني. وحينئذ يلزم من استفراغها استفراغها. * ولذلك (336) أمر حداق الأطباء بالرفق في استفراغ مادة الخراجات عند بطنها؟ ومادة الاستسقاء الزقي عند نزلها. والجواب عن الثالث مراده هاهنا بالخلط الأسود المرة السوداء. ولا شك أن هذا الخلط رديء في خروجه وفي احتباسه لأنه في خروجه يدل على أنه قد تولد في البدن وتولده فيه يدل على قوة السبب واستيلاء المؤذي. وأما احتباسه فهو بالأولى أن يكون أردأ. والجواب عن الرابع أنك قد عرفت أن المفهوم من * خلو (337) العروق محتمل لمفهومي الطبيعي والصناعي. وإذا كان كذلك، فبتقدير أن * يكون (338) صناعيا يحتمل أن يكون اختياريا. وعند ذلك يجب مراعاة ما ذكره. فذكر هذه الأمور لاحتمال أن يكون الاستفراغ على ما ذكرنا * ولذلك (339) قال «ينبغي أن تنظر» ولم يقل «يجب أن تنظر».
3
[aphorism]
قال أبقراط: خصب البدن المفرط لإصحاب الرياضة خطر إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى. وذلك أنه لا يمنكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا استقروا. ولما كانوا لا * يستقرون (340) ولم يمكن أن يزدادوا صلاحا، فبقي أن يميلوا إلى * حال (341) هي أردأ. فلذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بلا تأخير PageVW1P008A كما يعود البدن فيبتدئ في قبول الغذاء ولا يبلغ من استفراغه الغاية * القصوى (342) ، لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن * الذي (343) يقصد استفراغه. وكذلك كل استفراغ يبلغ منه الغاية القصوى فهو خطر. وكل تغذية أيضا تبلغ فيها الغاية القصوى فهي خطرة.
[commentary]
قال الشارح: إن شرح هذا الفصل فثه خمسة عشر بحثا.
* الشرح هاهنا (344) خمسة عشر بحثا.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله * وهي (345) من وجوه أربعة:
Неизвестная страница
أحدها أنك قد عرفت أن الامتلاء على نوعين: بحسب الكمية وبحسب الكيفية فالفصل الأول يتضمن الكلام في النوع الأول، والثاني في النوع الثاني. وهذا الوجه إنما يمشي على مذهب جالينوس في تأويله * للفصل (346) الأول. وقدم الامتلاء الكيفي على الامتلاء الكمي لأن الأول ضرره بالقوة والثاني ضرره بالأوعية. PageVW5P009A ولا شك أن مراعاة القوة أهم من مراعاة الأوعية فلذلك قدمه عليه.
وثانيها أن الأول يتضمن الكلام في الاستفراغ النافع السهل الاحتمال. وهذا يحتمل أن يكون في حال الصحة ويحتمل أن يكون في حال المرض * فالكائن (347) في حال الصحة * هو جزء (348) منه ولا شك أنه أشرف من القسم الآخر. وهذا الفصل يتضمن الكلام في التنقيص لحفظ الصحة فيكون بعض ما احتمله الأول فهو متصل به وجعل له فصلا قائما بذاته لشرفه. وإنما * قدم (349) الأول على هذا لأنه يتضمن حكما عاما وهذا يتضمن حكما خاصا والعام * مقدم (350) على الخاص لأنه أعرف منه. وبهذا إيجاب عن إشكال مقدر وهو أن يقال الاستفراغ لحفظ * الصحة (351) * أشرف (352) من غيره من الاستفراغات فيجد تقديم هذا الفصل على * الفصل (353) الأول.
وثالثها أنك قد عرفت في الفصل المتقدم أن الأفعال الطبية يجب أن * يحذى بها (354) حذو الأفعال الطبيعية لكن لا مطلقا بل في الأفعال الذاتية لا الغريبة وهو * إذا وقع (355) مثلا استفراغ طوعي ولم يكن من النوع فمثل هذا ينبغي للطبيب أن لا * يحذو حذوه (356) بل يبادر * ويقابله (357) بما يضاده. ثم ذكر ذلك في جانب الاستفراغ فاحتاج إلى ذكره في جانب الامتلاء كالخصب. فإن الخصب ليس هو عن فعل الطبيعة بالذات بل بالعرض. وذلك لأن فعلها الذاتي * هو (358) هضم الغذاء وتوزيعه على جملة البدن غير أنه إن كان كثير المقدار بحيث أن يكون أكثر * من المتحلل (359) حصل منه الزيادة في * اللحم والشحم (360) وهو الخصب. وفي مثل هذا * يجب على الطبيب (361) * أن (362) يخالفها في فعلها، * ولذلك (363) أمر بالتنقيص.
ورابعها * أنه (364) * كما (365) يراعي * في الاستفراغ (366) نوع المادة، * كذلك (367) يراعي فيه مقدارها واحتمال القوة بل مراعاة * احتمال القوة (368) * أهم (369) * من (370) غيره. فذكر * الشرط الأول (371) في الفصل الأول. * وذكر الثاني والثالث في هذا الفصل. فهذه وجوه الصلة (372) .
البحث الثاني
في معنى الخصب: الخصب * مقابل (373) الهزال والنمو * مقابل (374) الذبول. * فالخصب (375) هو زيادة البدن في لحمه * أو شحمه (376) أو فيهما جميعا من غير مداخلة مادتهما * لجواهر (377) الأعضاء. وإنما احتجنا إلى القيد الأخير * لتمييز (378) الخصب عن النمو. وذلك لأن النمو الزيادة حاصلة فيه * في الأعضاء (379) في * أقطارها (380) الثلاثة على التناسب الطبيعي. وأما في السمن فليس هي كذلك بل ملتصقة بسطوحها، وفي النمو المادة مداخلة * لجواهر (381) الأعضاء. وأما في السمن فغير مداخلة. * ولذلك (382) صار يحدث السمن * حيث (383) لا نمو كما في * سن (384) الشيخوخة وهو ينقسم إلى نوعين جبلي وغير * جبلي (385) . * فالجبلي حادث من أول الخلقة وغير الجبلي حادث فيما بعد (386) . وكل واحد منهما ينقسم إلى شحمي ولحمي. ويفرق بينهم بوجوه أربعة:
Неизвестная страница
أحدها أن اللحمي سواء كان جبليا أو حادثا فإن العروق تكون معه واسعة لأن فاعله الحرارة ومادته متين الدم وهما موجبان لسعة المجاري والمنافذ. وأما الشحمي * فإن (387) بالضد لأن فاعله البرودة ومادته دسم الدم والبرد موجب لضيق المجاري.
وثانيها * أن (388) اللحمي قوام الأعضاء فيه يميل إلى الصلابة والشحمي إلى اللين والترهل.
وثالثها أن صاحب اللحمي أصبر على الجوع والحركات من صاحب الشحمي.
ورابعها أن اللحمي يكون * اللحم فيه (389) أحمر وفي الشحمي أبيض، وذلك * للون (390) مادتهما.
البحث الثالث:
* المراد (391) بالخصب هاهنا: * المراد به (392) اللحمي لا الشحمي، وذلك لوجهين: PageVW5P009B أحدهما أن الرياضة محللة ومادة الشحمي * لطيفة هوائية (393) * يتعذر (394) بقاؤها مع ذلك. وثانيهما أن الرياضة مثيرة للحرارة مقوية لها، وذلك مذيب للشحم. وأما أنه هل المراد به الكسبي أو الجبلي فكلامه * مجمل محتمل (395) الوجهين جميعا غير أن * ظاهر كلام أبقراط PageVW1P007B يشعر بأن مراده الكسبي لأنه أسنده إلى الرياضة أي أنه حاصل منها.
Неизвестная страница
البحث الرابع
في معنى المفرط: المفرط هو الذي لا يبقى معه في الأعضاء قبول * للتمديد (396) والانحناء التأمين. والمفرط تارة يفهم منه أنه صفة للبدن أي في العظم، ولا شك أن هذا العظم رديء لأصحاب الرياضة من * قبل (397) أن القوة لم تقله في النقلة والحركة؛ وتارة يفهم منه أنه صفة للخصب أي * الإفراط (398) في السمن، ولا شك أن هذا * رديء (399) لأصحاب الرياضة * أيضا (400) على ما ستعرفه. وهذا أولى من الأول لأن عظم البدن وكبر الجثة ليس فيهما * من الخطر (401) بأصحاب الرياضة * كالسمن والخصب (402) المفرطين على ما يدل عليه الاستقراء * والدليل (403) . وأيضا فإنه متى فهم من المفرط * أنه صفة لعظم البدن (404) لم يكن الكلام مستقيما على ما ستعرفه.
البحث الخامس
في حقيقة الرياضة: الرياضة حركة إرادية معتدلة في الكمية والكيفية * تلزمها (405) نفس متواتر. ثم هذه تختلف باختلاف الأشخاص في السحنات والأسنان، فرب شخص ذي سحنة أو * سمن (406) تكون هذه الحركة معتدلة بالنسبة إليه غير معتدلة بالنسبة إلى شخص آخر. وأما ما عدا هذا النوع من أنواع الحركة * فإنه لا (407) يسمى رياضة بل حركة.
البحث السادس
في المراد بالرياضة هاهنا: قال جالينوس: المراد بها * هاهنا التي جعلت (408) * ما كان مهنة أو حرفة (409) كالصراع. فإن صاحبه يتناهى في تعظيم بدنه وتخصيبه. وأيضا فإنه قلما يتفق * خصب (410) البدن مع ما عدا هذه الرياضة وأشباهها من أصناف الحركات لاستمرارها واستيلاء * المتحلل (411) فيها. وأيضا فإن القوة في المصارعين أقوى وأوفر مما هي * فيمن (412) عداهم من المتحركين، وستعرف الغرض * في (413) هذا الأمر.
البحث السابع
في كيفية اقتضاء هذه الرياضة للخصب: قد علم في غير هذا الكتاب أن الحرارة الغريزية آلة للقوى في جميع أفعالها، والآلة متى قويت تمكن الفاعل من فعله، ولا شك أن الرياضة تنمي الحرارة وتقويها، وحينئذ متى قوي الفاعل ولد ما ينبغي توليده من الخلط الجيد الموافق للاغتذاء. والغرض أن الحرارة قوية والقوة متوفرة فيجود الاغتذاء ويعظم البدن ثم يخصب بزيادة الحرارة ونموها ووفورها وكثرة الغذاء وجودة الاغتذاء غير أن هذا القدر من الرياضة لا ينبغي أن يفهم مطلقا. فإنه يجوز أن * تكون (414) * مقتضية للخصب، ويجوز أن لا تكون (415) مقتضية له. فإن من الأبدان ما * هي يابسة قحلة (416) ومثل هذه الرياضة تعين * في (417) تحليل * رطوباتها (418) * وتزيدها (419) قحلا وحرارة * هذا ولو (420) نمت بالرياضة فإنها تعين على ذلك، وذلك يؤدي إلى نقصانها * في نفسه. ومن الأبدان ما * هي رطبة (421) ومثل * هذه (422) متى * ارتاضت (423) نمت * حرارتها (424) وجاد * هضمها (425) وتولد * فيها (426) من المواد ما * يخصبها ويسمنها (427) . فإن * قيل (428) هاهنا بحثان. أحدهما: إذا كانت زيادة الحرارة الغريزية معينة في تخصيب البدن وزيادته فلم * اختصت (429) الزيادة بالخصب في اللحم والشحم دون غيرهما من الأعضاء والحرارة في جملتها * سارية (430) ؛ وثانيها الرياضة من حيث هي رياضة مقتضية بذاتها للتحليل وذلك موجب للنقص وايجابها الخصب بالعرض، وإذا كان ذلك كذلك فلأن * يعد (431) من أسباب التهزيل * أولى (432) من أن يعد من أسباب PageVW5P010A الخصب. والجواب عن الأول أنا * لا (433) نمنع زيادة جملة الأعضاء بالرياضة لكن في سن النمو بشرط أن يحصل لها من الزيادة بقدر ما تستحقه. * وكذلك (434) صار من كان من الصبيان أكثر رياضة زيادة بدنه ونموه أكثر ممن هو تاركها منهم. وأما علة اختصاص زيادتها في اللحم والشحم فلا عانتها على توليد مادتها التي هي الدم. فإنك قد عرفت * كيفية (435) إعانتها على ذلك. والجواب عن الثاني: فرق بين * المنمي (436) والمحلل فالحركة متى كانت معتدلة وهي المسماة بالرياضة أنمت الحرارة وفعلت ما ذكرناه، ومتى كانت غير معتدلة حللت وفعلت ما ذكره المعترض.
البحث الثامن
في فائدة ذكر هذا المثال: اعلم أن كل * كثرة فهي عدوة للطبيعة (437) سواء * كانت (438) من PageVW1P048A جانب الامتلاء أو من جانب الاستفراغ. ولما كان كذلك ذكر الخصب المفرط * هاهنا (439) على سبيل المثال. فإنه من عادته أن يقيم * الجزئي (440) مقام الكلي تسهيلا على الناظر، وضرب المثال بالكثرة الامتلائية لأنها أظهر وأعرف ولأن الكلام في الاستفراغ قد تقدم، وضرب المثال بأصحاب الرياضة أي المصارعين * لأن هؤلاء (441) أوفر الناس قوة وأصحهم أبدانا * وكأنه (442) يقول * إذا أفرط (443) الامتلاء بهؤلاء خطر * فحكم (444) بالأحرى والأولى بغيرهم الذين هم دون هولاء فيما ذكرنا.
Неизвестная страница
البحث التاسع
في بيان علة خطر إفراط الخصب بالأبدان المرتاضة: قال جالينوس «لأن العروق إذا امتلأت بأكثر مما ينبغي لم يؤمن عليها أن تتصدع أو تختنق الحرارة الغريزية * فتنطفى (445) . فقد عرض من هذا * لقوم (446) كثير من أصحاب الصراع عندما صارت أبدانهم * إلى (447) غاية الامتلاء * أن (448) ماتوا فجأة». وهذا تعليل جيد لخطر الخصب المفرط غير أنه لم يبين كيفية انصداع العروق وخنق الحرارة الغريزية. قال ابن أبي صادق في بيان ذلك: «وذلك لأن الطبيعة ترسل الدم * في (449) كل يوم إلى العروق لأنها لا تمسك عن فعلها من توليد الدم وتوزيعه على الأعضاء فيحدث أحد أمرين: إما انشقاق عرق كبير لا يمكن معه أن يلتحم فيستفرغ منه الدم الذي في البدن كله، وذلك إذا كان جرم * العروق (450) أرخى وأسخف؛ وإما أن * يحدث ضربا (451) من ضيق النفس * قاتلا (452) سريعا، وذلك إذا كان جوهر العروق أصلب وأشد تلززا. وربما انصب شيء من الامتلاء في مثل هذه الصورة إلى تجويف القلب فيقتل قتلا وحيا لأنه ليس في البدن تجويف * تفضي إليه (453) العروق التي يسبح فيها الدم * إلا (454) تجويف القلب». أقول: وهاهنا وجه آخر وهو أن الرياضة مسخنة للمواد والسخونة موجبة * للتخلخل (455) ، وذلك يلزمه زيادة الحجم، والأعضاء ليس فيها قبول للتمديد لازدحامها بما حولها، فيحدث من ذلك ضرب من ضيق النفس أو تنصب المواد إلى تجويف القلب أو يحدث ما ذكره من الانشقاق.
البحث العاشر
في قوله «وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقروا»: هذا الشخص المفروض لا يمكن أن يبقى على ما هو عليه من الخصب بل يزداد دائما رداءة، وذلك * لوجوه ثلاثة: أحدها ما قاله (456) ابن أبي صادق وهو أن الطبيعة المدبرة للبدن تنضج الغذاء دائما PageVW5P010B وتوزعه وتنفذه إلى مواضعه. قال الأطباء وهي مع ذلك عديمة الشعور بفعلها فيزداد الخصب ويعظم البدن، * فلذلك (457) قال لم يمكن أن * يزدادوا (458) صلاحا بل يميلوا إلى * حالة (459) هي أرد، ففهم الفاضل جالينوس من الحال الأردأ زيادة الخصب وعظم * البدن (460) . وثانيها ما ذكرناه وهو * التخلخل (461) وزيادة * الحجم (462) الحاصلان من الحرارة التي أوجبتها الحركة. وثالثها ما نقوله نحن أيضا وهو أن الأبدان الخصبة يجب أن يكون الوارد عليها أزيد من المتحلل * منها (463) حتى يفنى برد * البدل (464) وبالزيادة في السمن، * فإذا (465) انتهت الزيادة * إلى (466) * غايتها (467) بقي ما كان * ينصرف (468) في إمدادها في البدن * فىيحدث ما ذكرنا من الضرر. وذلك أنه (469) * إما (470) أن يخرج عن البدن أو لا يخرج. فإن * خرج أضعف (471) القوة * وأجحف (472) بها * وربما (473) * استصحب (474) شيئا مما يحتاج إليه * البدن (475) * من (476) البدل * فيهزل (477) البدن ويميل إلى * حالة (478) هي أردأ ويدخل في هذا القسم الانصداع. وإن لم يخرج * أثقل (479) القوة * وأضعفها (480) . فإن كان ذلك كثيرا خنقها وغمرها وكان من ذلك الموت فجأة. وإن لم يكن كثيرا فلا بدو أن يفسد لعجز * القوة (481) والحرارة الغريزية عن تدبيره. وإذا فسد عسر علاجه وولد عللا صعبة * كالحميات (482) المتطاولة والاستسقاء وبالجملة أحوالا رديئة، وهذا أكثر وقوعا. وإلى * ذلك (483) أشار * الأوحد (484) أبقراط بقوله «فبقي أن يميلوا إلى * حالة (485) هي * أردأ (486) » من الخصب المفرط لا إلى الموت فجأة. فإن الموت هلاك وعدم لا حال أردأ. ولعله لو قال رديئة لساغ حمل ذلك عليه بوجه. وكذلك انصداع * العروق المستفرغة (487) لدم جملة البدن. * فلذلك (488) قال «فينبغي أن يميلوا إلى حال هي أردأ».
البحث الحادي عشر
في معنى قوله * «فلذلك (489) ينبغي أن ينقص خصب PageVW1P048B البدن بلا تأخير»: قد علمت أن كل كثرة فهي عدوة * للطبيب (490) مفسدة للبدن سواء كانت من جانب الامتلاء * أو من جانب الاستفراغ . ولما كان الخصب كثرة من جانب الامتلاء (491) وكان مفسدا للبدن * مؤذيا (492) للطبيعة، أمر بتنقيصه ليعود البدن إلى * حالة (493) الاعتدال. فلذلك قال * «ينبغي (494) أن ينقص خصب البدن من غير تأخير» كيلا تزداد الكثرة * وتعظم (495) البلية. فيحصل لنا بالتنقيص فائدتان: * إحداهما (496) الأمن من هذا الخطر، والثانية عود اغتذاء البدن إلى الحالة الجيدة. وقوله * «فيبتدئ (497) في قبول الغذاء» لا شك أن هذا له كالابتداء في قبول الغذاء. وذلك لأن الطبيعة لما استراحت من غمر المادة لها * وأثقالها (498) لها والأوعية من تمديدها كأنها رجعت إلى الحالة الأولى وهي عند عدم هذه فيكون ما * يحصل (499) له بعد الاستفراغ كحاله في الابتداء. فلذلك قال «فيبتدئ في قبول الغذاء». ومما ذكرنا يعلم أن الإفراط المذكور صفة للخصب لا * لعظم (500) البدن لأن أبقراط أمرنا * بتنقيصه (501) وتخفيفه. والإفراط الزائل * بالتنقيص (502) هو السمن لأكبر الجثة.
البحث الثاني عشر
في قوله «ولا * يبلغ (503) من استفراغه الغاية القصوى»: لما أمر بتنقيص الامتلاء لما يترتب عليه من المصالح، ذكر له شرطا وهو أن لا * يبالغ (504) في التنقيص لأن المبالغة * فيه (505) مما يحجف بالقوة ويسقطها لأنها كثيرة بل يجعل ذلك بحسب احتمال الطبيعة، فإن هذا هو القانون PageVW5P011A المرجوع إليه في الاستفراغ. * لكن (506) لما كان ذلك الاحتمال غير محدود * ولا مضبوط (507) لأنه يختلف باختلاف الأشخاص * في (508) التراكيب * والسحن (509) * والسن (510) والتدبير المتقدم، * أمر أن يكون الاستفراغ بحسب (511) طبيعة ذلك الشخص المقصود تنقيص الماده من * بدنه (512) . وإنما احتجنا إلى ذلك لأن الاستفراغ لا بدو أن يراعي فيه مقدار المادة واحتمال القوة لأن عليها العمدة في المداواة. وذكر القوة ولم يذكر مقدار المادة لأن اعتبار القوة أهم، * فإنه متى (513) دعت الحاجة إلى الاستفراغ بحسب الكمية ولم * تحتمل (514) القوة رجح جانب القوة. وذكر الاستفراغ هاهنا لأن عادته أن يضرب الأمثلة بالأمور الجزيئة ليقرب الشيء إلى ذهن المبتدئ، فكأنه يقول إذا عالجت هؤلاء بالاستفراغ فلا تبلغ فيه الغاية القصوى، فإن ذلك يتبعه ما ذكرنا.
البحث الثالث عشر
في فائدة قوله «ينبغي أن ينقص»: اعلم أن * تهزيل (515) البدن الخصب تارة يكون بالاستفراغ ويدخل فيه الإسهال والفصد والتعريق والتحليل الخفي وتقليل الغذاء وإدرار البول، وتارة يكون باستعمال ما يجفف ظاهره وباطنه كالاندفان في الرمل والتمرغ فيه واستعمال الأغذية المجففة كالباردة اليابسة * والقلايا والمطجن (516) والمشوي * والمملوح (517) ومثل هذه تنقص البدن بغير استفراغ. وإن كان يتبعها استفراغ * ما (518) فالنوع الأول يبتعه النقصان لعدم المقتضي للخصب، والثاني يتبعه النقصان بتجفيفه وتنقيص جوهره * فلا يصح إطلاق الاستفراغ على ذلك (519) . ثم لما كانت الأبدان مختلفة في قبول المهزلات وكانت في أنفسها متعددة وكان المريد لتهزيل بدنه قادرا على استعمال البعض دون البعض أطلق عليها ما يعمها. فقال «ينبغي أن ينقص» ولم يقل «ينبغي أن يستفرغ».
Неизвестная страница
البحث الرابع عشر
في قوله «وكذلك كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى * فهو خطر (520) . وكل تغذية * تبلغ (521) الغاية القصوى فهي خطرة»: قد علمت أن من عادته أن يعطي الحكم في الأمر الجزئي ثم ينقله إلى الأمر الكلي تقريبا إلى * إفهام (522) المشتغلين. فذكر * خطر (523) الاستفراغ المفرط في قضية مخصوصة ثم نقل ذلك إلى أمر أعم وذكره كليا للمبالغة في * أمر (524) التعليم. فقال «وكل استفراغ»، فإن هذا قانون يعم الاستفراغين جميعا أي استفراغ المداواة وحفظ الصحة. ثم لما شارك * هذا (525) الحكم الكلي في الإضرار بالقوة الزيادة في الغذاء * المقابلة (526) لإفراط الاستفراغ، قال «وكل تغذية * تبلغ (527) الغاية القصوى فهي خطرة». وأيضا فإنه * لما (528) تقدم خطر إفراط التغذية في قصية مخصوصة وهي الخصب المفرط ، * نقل (529) ذلك الحكم من هذه الصورة المخصوصة إلى ما هو أعم فيها، فقال «وكل تغذية تبلغ في كثرتها فهي خطرة سواء * كانت تغذية الأصحاء أو المرضى».
البحث الخامس عشر:
لقائل أن يقول «خطر الإفراط في الخصب بأبدان أصحاب الدعة أعظم منه بالأبدان المرتاضة، وذلك لأن التحليل من هذه الأبدان أكثر من تلك بل لا نسبة بينهما، ولا شك أن ذلك يخفف الامتلاء ويريح القوة PageVW5P011B ويزيل العائق لها عن فعلها، PageVW1P049A وإذا كان كذلك فليس لتخصيصه بالأبدان المرتاضة وجه»، قلنا الجواب عن هذا من وجهين: أحدهما أنه ليس غرضه تخصيص الخطر بأحد البدنين دون الآخر بل غرضه أن يبين أن كل كثير فهو عدو للطبيعة، ثم ضرب المثال في ذلك بالخصب وجعله في الأبدان المرتاضة خطرا لما ذكرناه. الثاني أن ذكر الأبدان المرتاض أولى من ذكر مقابلها. وذلك لأن تلك حرارتها ناهضة والتحلل فيها متوفر، وكل * منهما (530) موجب لنقصان الوارد عن المتحلل، وذلك موجب لتعذر السمن بل لعدمه. وإذا كان كذلك فحدوثه في أبدانهم دليل على قوة السبب، وذلك رديء بخلاف أصحاب الدعة. فإن حالهم بضد ذلك وهو موجب لكثرة الوارد الموجب لكثرة * السمن (531) .
4
[aphorism]
قال أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة عسر مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض * فهو (532) عسر مذموم.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث ثمانية.
البحث الأول
Неизвестная страница
في صلة هذا الفصل بما قبله، وهي أنه لما تكلم في الفصل المتقدم في شيء من أحكام الغذاء، ذكر في هذا الفصل مراتب الغذاء بحسب مراتب الأمراض.
البجث الثاني
في معنى التدبير. التدبير في اللغة هو التصرف يقال «فلان حسن التدبير» أي حسن التصرف. وأمأ في العرف الطبي فهو التصرف في الستة الضرورية. وأبقراط يريد به هاهنا التصرف في الغذاء، وليس ذلك مطلقا * بل (533) من جهة ما هو غليظ أو لطيف بعد أن يعلم أن الغذاء المستعمل في حال المرض ليس هو غذاء محضا، بل فيه قوة دوائية.
البحث الثالث
في معنى الغليظ واللطيف. الغذاء الغليظ هو الذي يتولد عنه دم غليظ، وهذا يحتاج في هضمه وإحالته، ويشبه بالعضو إلى قوة متوفرة * ليفي (534) له بذلك. ولذلك صرنا لا نستعمله إلا عندما تكون القوة قوية وليس لها شاغل يشغلها. والغذاء اللطيف هو الذي يتولد عنه دم رقيق، وهذا لا يحتاج في هضمه وإحالته ويشبهه بالعضو إلى ما يحناج إليه مقابله. * ولذلك (535) صرنا نستعمله عند ما تكون القوة مشغولة بما يقاومها أو عند كونها ضعيفة. وينبغي أن يعلم أن الغذاء اللطيف غير الملطف. فإن اللطيف على ما ذكرنا هو الذي يتولد عنه دم رقيق، والملطف هو الذي يجعل قوام الشيء أرق ومما هو عليه. وهذا قد يكون جوهره * غليظا (536) كالحال في الفجل وكل لطيف ملطف ولا ينعكس.
البحث الرابع
في تحقيق القول في المرض الحاد والمزمن. المرض الحاد هو القصير المدة الشديد الخطر. وبهذا تخرج حمى يوم عن كونها مرضا حادا والمزمن هو الطويل المدة القليل الخطر. فإن أراد مريد إدخال حمى يوم في ذلك، فليسقط الشرط الأخير وهو الخطر. ويعرف أحدهما من الآخر من أمور سبعة. أحدها من التدبير المتقدم. فإنه متى كان قليلا أو لطيفا، فهو حاد؛ وإلا، فهو مزمن. وثانيها من السخنة. فإنها متى كانت متخلخلة، فهو حاد. ومتى كانت متلززة، فهو مزمن. وثالثها من الوقت الحاضر. فإنه متى كان حارا، فهو حاد في الأكثر، ومتى كان باردا PageVW5P012A فهو مزمن في الأكثر. ورابعها من المهنة. فإنها متى كانت من الصنائع التي يحتاج في عملها إلى مباشرة النار كصناعة الحدادة والصياغة، فهو حاد في الأكثر. ومتى كانت من الصنائع * التي (537) يحتاج في عملها إلى مباشرة المياه كالقصارة والملاحة فهوو مزمن في الأكثر. وخامسها من السن. فإنها متى كانت سن الشباب أو سن الصبى، فهو حاد في الأكثر، * ومتى كان سن الكهولة أو الشيخوخة، فهو مزمن في الأكثر (538) . وسادسها من نوع المادة. فإنها متى كانت صفراء أو دما، فهو حاد، ومتى كانت بلغما أو سوداء، فهو مزمن. وسابعها من جهة القوة المدبرة للبدن. فإنها متى كانت قوية وافية بالمرض مستقلة به، فهو حاد، ومتى كانت بعكس ذلك، فهو مزمن. فبهذه الوجوه يعرف هل المرض حاد أو مزمن.
البحث الخامس
في تحقيق القول في الغذاء المستعمل في المرض. اعلم أن الغذاء صديق للطبيعة لأنه يقويها وغذوها لأنه يقوي ضدها الذي هو المرض. * ولذلك (539) كان من الواجب أن يكون فيه قوة دوائية عند استعماله في المرض ليحصل به الغرض من الجهتين جميعا. وحينئذ يجب أن يراعي في ذلك الأهم، وهو القوة إن كانت ضعيفة أو المرض إن كان عظيما. والغذاء يستعمل في حال الصحة إما لإخلاف عوض المتحلل أو للإخلاف. والزيادة في النمو إن كان موجودا وفي المرض لحفظ القوة أو لتقويتها إن طرأ * عليها (540) أمر مضعف وتارة يستعمل لتخفيف المادة وهو عند ما تكون كثيرة المقدار * وليكن (541) في هذا الوقت قليل التغذية كالبقول. ويمنع الغذاء في المرض لئلا تشتغل الطبيعة به عن التصرف في مادة المرض. فإن كان غرضنا مع ذلك حفظ القوة، قللنا من كميته أو من تغذيته أو منهما جميعا. وذلك بحسب الحاجة، فإنه من جهة تقليله يراعى جانب المادة لئلا يزيد في مادة المرض، * ومن (542) تكثيره يراعى جانب القوة لئلا تخور. ويجب أن يراعى الأهم في ذلك. ومعرفة الأهم تكون من وجهين، أحدهما من جهة المرض، وثانيهما من جهو القوة. أما المأخوذ من جهة المرض فإنه يختلف باختلاف مرتبته. فإن عنايتنا بالقوة في الأمراض المزمنة أكثر من عنايتنا بها في الأمراض الحادة، لأنا نعلم أن منتهاها بعيد وتحتاج القوة فيها إلى مجاهدات كثيرة بسبب غلظ المادة. فلذلك يكون استعمالنا * الغذاء (543) فيها أكثر من استعماله في مقابلها، ويكون في ابندائها أكثر، ثم ينقص منه قليلا قليلا. وذلك بحسب القرب من المنتهى. فإذا جاء المنتهى، لطفناه أو قللناه إلى الغاية ثقة منا بما سلف * وتخفيف (544) على القوة وقت جهادها. وأما الأمراض الحادة فإن منتهاها قريب، فلا تحتاج الطبيعة فيها إلى ما يحتاج إليه في الأمراض المزمنة. فلم نحتج إلى التغذية فيها كحاجتنا إليها في المزمن. فإن خففنا، خور أن القوة لأمر طارئ استعملناه. فإن استعماله أجود من تركه على ما ستعرفه.
البحث السادس
Неизвестная страница
في مراتب التدبير اللطيف والمرض الحاد. التدبير اللطيف يترتب ثلاثة مراتب. أحدها التدبير اللطيف في الغاية القصوى، وهو ترك الغذاء. ويقابل به المرض الحاد في الغاية القصوى، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه الرابع. بل ينفصل حكمه فيه إما إلى السلامة وإما إلى العطب. هذا متى كان في القوة احتمال. وإلا، فغذوناه. وثانيها التدبير اللطيف لا في الغاية القصوى كماء الشعير PageVW5P012B أو الجلاب أو ماء العسل. ويقابل به المرض الحاد لا في الغاية القصوى، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه السابع. بل ينفصل حكمه فيه إما إلى السلامة وإما إلى العطب. وثالثها التدبير اللطيف مطلقا كالأحساء. ويقابل به المرض الحاد مطلقا، وهو الذي لا يتجاوز بحرانه الرابع عشر أو السابع عشر. بل ينفصل حكمه فيه إما إلى السلامة وإما إلى العطب. وما بعد هذه المدة إلى الأربعين فإنه يسمى المنتقل. وما بعد ذلك فإنه يسمى المزمن، اشتقاقا من الزمان. ومثل هذه الأمراض لا يجوز أن يستعمل فيها التدبير اللطيف لأنه يفي بحفظ القوة لطول الزمان ولما قلناه.
البحث السابع
في تحقيق ما يمنع فيه من استعمال التدبير البالغ في اللطافة. أما أبقراط فإنه قال يمنع في جميع الأمراض المزمنة لما ذكرنا وفي بعض الأمراض الحادة، وهي التي لم يكن للقوة * فيها (545) احتمال للمقاومة. فإن مثل هذه الواجب أن يغلظ فيها الغذاء. * ولذلك (546) قال «التدبير البالغ في اللطافة» أي منع الغذاء عسر مذموم. وقوله «لا محالة» يريد به بت الحكم ودوامه مطلقا بلا شرط. وقوله «والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المريض عسر مذموم» ذكره بشرط، وهو أن تكون القوة ضعيفة لا مظلقا. * ولذلك (547) لم يبت الحكم هاهنا كفعله في الأمراض المزمنة لأنه احتاج * فيه (548) إلى شرط.
البحث الثامن:
لقائل أن يقول هاهنا ثلاثة شكوك. أحدها منعه من استعمال التدبير اللطيف في * جميع (549) الأمراض المزمنة. قال الرازي الواجب أن يحمل هذا على مزمن الحميات لا على المزمن مطلقا. فإن لنا من المزمنات ما ينتفع بالتدبير اللطيف كالنقرس والصرع، فإنهما مزمنان لأنهما طويلا المدة وينتفع فيهما بالتدبير اللطيف لأنه يخفف مادتهما ويقلل الألم فيهما بخلاف التدبير الغليظ. والتجارب الطبية تشهد بصحته هذا. وثانيها حكمه ينفع التدبير اللطيف في الأمراض الحادة إذا كان في القوة احتمال للمقاومة. قال. وهذا لا يجب أن يحمل كليا أيضا بل يحمل على حاد الحميات. فإن لنا من الأمراض الحادة ما ينتفع بتغليظ التدبير كالتشنج والكزاز اليابسين، فإنهما مرضان حادان لأنهما قصير المدة. ومع ذلك فالتدبير الغليظ أنفع فيهما من التدبير اللطيف لاحتياجهما إليه. وذلك مثل الترطيب ومنع التحليل وبالجملة استعمال ما يرطب الأعصاب والعضلات ويزيل جفافها. ولا شك أن هذا من قبيل التغليظ. وثالثها كلام الإمام أبقراط هاهنا في نفع الغذاء اللطيف في الأمراض الحادة والغليظ في الأمراض المزمنة، وحينئذ فالعبارة الصحيحة الموافقة لذلك أن يقول «الغذاء اللطيف» إلى إخره مع أنه لم يقل كذلك بل قال التدبير اللطيف، والعبارة الأولى أنسب وأجود. والجواب عن الأول من وجهين. أحدهما أن التدبير النافع في المزمنين المذكورين اللطيف مطلقا لا البالغ في اللطافة الذي هو عبارة عن ترك الغذاء. وأبقراط لم يمنع من استعمال التدبير المذكور في الأمراض المتطاولة التي هي المزمنة. بل منع من استعمال البالغ في اللطافة الذي هو ترك الغذاء. ولا شك أن مثل PageVW5P013A هذا التدبير لو استعمل في الأمراض المذكورة، انخدلت القوة وضعفت عن مقاومة المرض إلى وقت المنتهى. وثانيها أن المرضين المذكورين لا يرد بهما النقض. وذلك لأنهما ليسا مزمنين من جميع الوجوه. فإن الصرع مثلا له اعتبار أن أحدهما بحسب مدته والثاني بحسب نوبته. فبالنظر إلى الأول يقتضي تغليظ التدبير. وبالنظر إلى الثاني يقتضي تلطيف التدبير، لأن نوائبه يصح إطلاق الحدة عليها لقصر مدتها وشدة أعراضها. والجواب عن الثاني أن قول أبقراط إذا لم يحتمله قوة المريض، يندفع هذه الإيراد. وذلك لأن معنى «الاحتمال» هاهنا الاحتياج. فكأنه يقول «التدبير اللطيف نافع في الأمراض الحادة إذا احتيج إليه وكان في القوة احتمال لاستعماله». وأما متى لم يكن كذلك، كان استعماله ضار. ولا شك أن المرضين المذكورين أي التشنج والكزاز اليابسين يحتاج فيهما إلى تغليظ التدبير، وهو الترطيب ومنع التحليل. والجواب عن الثالث يقول إنما قال «التدبير اللطيف» ولم يقل «الغذاء اللطيف» ليدخل فيه ترك الغذاء على ما عرفت. وترك الغذاء ليس بغذاء فلذلك كان إطلاق التدبير اللطيف على ما ذكره أولى من إطلاق الغذاء اللطيف. والله أعلم.
5
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم. وذلك أن جميع ما يكون منه من الخطأ أعظم ضررا مما يكون من الغذاء الذي له غلظ يسير. ومن قبيل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا لأن احتمالهم لما يعرض من خطائهم أقل. ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا.
[commentary]
الشرح: هاهنا مباحث عشرة.
Неизвестная страница
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. وهي أنه لما ذم من جهة الصناعة في الفصل المتقدم استعمال التدبير البالغ في اللطافة في جميع الأمراض المزمنة وأمر بأن يجتنب ويحذر من استعماله، أراد أن ينبه في هذا الفصل على أن الخطأ قد يقع في استعماله من جهة المريض نفسه دون الطبيب ليتقدم بالتحذير منه. فإن كثيرا من المرضى يعتقدون أنهم إذا لطفوا التدبير لأنفسهم في أي مرض كان، أنفذهم من مرضهم. ويأخذون ذلك إما بالقياس إلى أمراض وقعت لهم ودبرت بالتدبير المذكور وكانت محتملة له ومحتاجه إليه فخلصوا من تلك الأمراض به، أو بالقياس على أمراض مثل هذه وقعت بغيرهم واحتملت التدبير المذكور وانتفعت به أو اعتقادهم بأن ذلك من جملة الحمية المعتبرة في شروط * المدواة (550) ، ولما كان الحال كذلك، نبه على الضرر الحاصل منه متى كان استعماله من جهة المريض لا من جهة الطبيب.
البحث الثاني
في تحقيق من يخطئ على نفسه من المرضى باستعماله التدبير اللطيف. هؤلاء هم أصحاب الأمراض المزمنة أو الذين قواهم ضعيفة إما بمقتضى طبائعهم التي خلقوا عليها أو بمقتضى حدة المرض وشدته فتضعف القوة لذلك، أو أنهم كانوا في حال الصحة معتادين لكثرة الغذاء أو تغليظه. ففي مثل هذه الصور متى استعمل التدبير اللطيف كما ذكرنا، حصل منه ضرر عظيم على المريض يتعذر تداركه وهو ضعيف القوة وخور أنها بخلاف ما إذا كان التدبير له غلظ يسير فإنه تتبعه زيادة يسيرة في مادة المرض. وذلك أسهل من انحلال القوة.
البحث الثالث
PageVW5P013B في أنه لم قال في التدبير اللطيف «قد يخطئ المرضى» ولم يقل في كل التدبير اللطيف؟ وذلك لأن بعض ذلك اللطيف لطيف بقول مطلق كإحراق الفراريج وإطرافها. ومثل هذه الأغذية متى استعملت، أنعشت القوة وقوتها بخلاف المرتبة الأولى PageVW1P051B والثانية، فإنها متى استعملا، أوجبا خوران القوة وسقوطها. فلذلك جعل القول في التدبير اللطيف همهل ولم * يقيده (551) بحرف السور.
البحث الرابع
في قوله «يعظم ضرره عليهم». اعلم أن التدبير الغليظ كما أشرنا إليه تتبعه زيادة المادة وفي ذلك زيادة المرض وبعد المنتهى، غير أن القوى تقوى به أكثر من قوتها بالغذاء اللطيف. وذلك * لمثانة (552) الدم المتولد منه. وأما التدبير اللطيف فتتبعه قلة المادة وفي ذلك نقصان المرض وقرب * منتهاه (553) ، غير أن القوة تضعف معه لرقة دمه وقوة القوة مع بعد المنتهى أجود من ضعفها مع قربه. لكن هذا القدر الحاصل من الغذاء الغليظ ليس هو من الغليظ مطلقا. فإن الغليظ في الغاية مثقل للقوة؛ بل الذي يفعل هذا هو الغذاء المعتدل. ولذلك قيد قوله باليسير أي الذي له غلظ يسير. فإن مثل هذا الغذاء متى استعمل أنعش القوة وقواها.
البحث الخامس
في قوله «ومن قبل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا»: التدبير البالغ في اللطافة ضار * ببعض المرضى وبالأصحاء أيضا. أما الأول فقد ذكرناه، وأما الثاني فإن التدبير البالغ ضار (554) بهم من وجهين أحدهما من جهة مخالفتهم * العادة (555) وسنعلم أن ذلك مضر، والثاني أنه لا يخلف على أبدانهم عوض ما تحلل منها ولما كان * حال (556) الغذاء البالغ في اللطافة في حال الصحة كذلك، لم يجعل ضرره بهم في البعض منهم كما حكم به في الأمراض الحادة. وغرضه بذكر * ضرر (557) التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء ليجعله مثالا دليلا على الضرر الحاصل منه في الحالة المرضية. * فكأنه (558) يقول «تأمل خطر التدبير المذكور في الأصحاء كيف نضعف معه قواهم * وتنحل (559) أرواحهم. ومثل ذلك يحصل في المرضى، غير أنه خفي لاسنارته بتأثير المرض. فجعل الأمر الظاهر دليلا على الخفي.
Неизвестная страница
البحث السادس:
* النسخ التي وقفنا عليها عند شرحنا لهذا الفصل على صورتين. أحدهما قال فيها «إلا أن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل» فأتى فيها بلفظ الاستثناء. والأخرى قال فيها «لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل» فأتى فيها بلغظ التعليل فقط. والحق عندي هو الأول. وذلك لأن ضرر الخطأ في الميل إلى تلطيف الغذاء في الحالتين (560) حاصل * على (561) ما * ذكرت (562) إلا أنه في الحالة الصحية دون ما هو الحالةة المرضية. ولذلك وصف ما يحصل منه في الحالة المرضية بالعظم. ولما كان الحال كذلك، كان ذكر الاستثناء واجب * فكانت (563) النسخ التي وجد فيها لفظ الاستثناء أصح من النسخ التي وجد فيها لفظ التعليل. وإنما قلنا إن ضرر ذلك في * الحال الصحية (564) دون ما هو في * الحالة (565) المرضية لأن الحاجة إلى قوة القوة في حال المرض أشد منها إلى ذلك في * حال (566) الصحة. وذلك لأنها في حال المرض مشغولة بأمرين. أحدهما تدبير البدن في إيراد بدل ما يتحلل منه والزيادة فيه بالنمو إن كان هناك نمو. وثانيهما دفع غائلة المرض ومقاومة مادته. وفي حال الصحة مشغولة بأمر واحد، وهو تدبير البدن فقط. ومراده بالاحتمال الحمل. فإن قيل «كان يجب على أبقراط * أن يقدم (567) في الذكر ضرر الحالة الصحية بذلك على ضرر الحالة المرضية به لأن الصحة أشرف من المرض». فنقول إنما فعل ذلك لثلاثة أوجه. أحدها أن معظم كلامه في هذه المقالة في تغذية المرضى. فكان تقديم * ذكر (568) * ضرره (569) بالحالة المرضية أولى من تقديم ذكر ذلك PageVW5P014A بالحالة الصحية. وثانيها أنه لما كان الضرر الحاصل منه في الحالة المرضية أعظم، استحق التقديم لعظمه. وثالثها أنه ذكر الحالة الصحية في ذلك على سبيل المثال على ما عرفته. والمثال فرع على الممثل عليه، فيكون الممثل عليه أصلا والأصل مقدم على الفرع. فيكون ضرره بالحالة المرضية أولى بالتقديم.
البحث السابع:
الذي لاح لنا من هذا الفصل ترجيح أحد التدبيرين على الآخر إذا تعارض الموجبان. وتحقيق ذلك * إذا (570) تعارض موجبا التلطيف والتغليظ في مرض أي إذا تساوت الحاجة في حالة ما إلى استعمال التدبير اللطيف من قبل المرض وإلى استعمال الغليظ من قبل القوة، فبأيهما يعمل؟ الذي وقع إشارة أبقراط به الميل إلى التغليظ. وهو الحق لأن التدبير اللطيف لا يزيد في المرض وتضعف القوة على ما علمت. والغليظ يقوى به أثر المرض وتقوى به القوة ما لم يثقلها بإفراط غلظه أو كقهرته، فإذن قد اشتركا في الخطر إما اللطيف فبما يضعف القوة، وإما الغليظ فبما يقوى به أثر المرض. إلا أن أقلهما خطرا ما تثبت به PageVW1P052A القوة. وهذا وإن اشتد معه تأثير المرض إلا أن القوة إذا أقويت، أمكن بعد فراغها من الغذاء وقوتها به أن تعود قوية على دفعه وقهرها إياه. وليس ذلك في إمكانها إذا ضعفت. هذا جميعه مع تساوي الحاجة إلى التدبيرين. أما إذا لم يحصل التساوي، فيحتمل أن يرجح أحدهما على الآخر. واعلم أن القدر الحاصل من غلظ التدبير ليس هو حاصل منه * كيف اتفق بل هو حاصل منه (571) بحسب نهوض القوة في الحالة المرضية وهو ما له فلظ يسير على ما اشترط أبقراط وذكرنا شرحه.
البحث الثامن
في قوله «ولهذا صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا» هذا هو نتيجة ما تقدم من حكمه. وإنما قال «في أكثر الحالات» * احترازا (572) عن المرتبة الأولى من مراتب الأمراض الحادة على ما تقرر وعن من فيه من الأصحاء عضو ضعيف يحتاج بسبيه أن يلطف التدبير. وفيد قوله في الغليظ * لما (573) له غلظ يسير لما علمت. فإن ما له غلظ كثير غامر للقوة وللحرارة الغريزية.
البحث التاسع:
قال الرازي «قول * الإمام (574) أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة ضار في حال الصحة لا يصح مطلقا. فإنا إذا فرضنا أن شخصا قد اعتاد التدبير اللطيف ثم استعمل الغليظ، فإنه يضره من وجهين. أحدهما من جهة مخالفته للعادة. والثاني أن قواه لا تقدر على هضمه وإحالته». قلنا: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه. أحدها أن هذا الشخص المعتاد لاستعمال مثل هذا التدبير ليس هو بصحيح البدن مطلقا. وإلا، كيف صلح له التدبير المذكور؟ فإن موافقته له تدل على ضعف بعض أعضائه المتولية لتدبير غذائه. ومثل هذا * لا (575) يقال له صحيح البدن> وثانيها أن مثل هذا الشخص يخرج عن كلام أبقراط بقوله «في أكثر الحالات». وكذلك المرتبة الأولى من مراتب الأمراض الحادة على ما عرفت. * وثالثه (576) ا أن الاستقراء الطبي شاهد بأن هذا الشخص إذا أعطى من الأغذية ما له غلظ يسير، فإن قوته تنتعش وتظهر لا الغليظ مطلقا على ما فرضه الرازي. وأبقراط لم يقل «الغليظ» مطلقا، بل قال الذي له غلظ يسير.
البحث العاشر:
لقائل أن يقول حكم الإمام أبقراط بأن احتمال الأصحاء للخطأ الواقع من تلطيف التدبير أقل فيه نظر. فإنه إن كان أقل من احتمال المرضى فهو خطأ لأن المرضى PageVW5P014B تضعف قواهم معه أكثر. وذلك لأنه يتعاون عليها مقاومة المرض ونقص مدد الأرواح الحاملة لها بلطافة التدبير. وإذا كان كذلك، فيكون احتمال المرضى للخطأ الحاصل من لطافة التدبير أقل من احتمال الأصحاء. والجواب عن هذا أن حكمه المذكور في حق الأصحاء ليس هو بالنسبة إلى المرضى، بل النسبة إلى حال الأصحاء عند استعمالهم التدبير البالغ في اللطافة. ويكون تقدير الكلام: إلا أن احتمال بعض الأصحاء للضرر الواقع من التدبير البالغ في اللطافة أقل من احتمال البعض الآخر منهم. والله أعلم.
Неизвестная страница
6
[aphorism]
قال أبقراط: أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى التدبير الذي في الغاية القصوى .
[commentary]
الشرح هاهنا * مباحث (577) خمسة.
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. * وهي (578) أنه لما تقدم قوله فيما يمنع قيه التدبير اللطيف والبالغ في اللطافة من الأمراض والوجه الذي يقع منه الخطأ في استعماله في الأصحاء أيضا، أتبع ذلك بذكر ما يستعمل فيه من الأمراض يستوفي القول فيه بحسب ما يستعمل منه فيها وما * تجنب (579) منه فيها أيضا.
البحث الثاني
في معنى قوله «أجود»، أي أجود ما يستعمل بحسب الأفضل لا بحسب الضرورة. فإنه لو استعمل في الأمراض المذكورة الغذاء الذي له غلظ يسير، لم يكن ذلك خطأ لأنه يقوي القوى وينتعشها. ولكن الأفضل أن يستعمل في الأمراض المذكورة التدبير المذكور لأنه أنجح فيها وأقرب إلى البرؤ. وذلك لقصر مدد الأمراض المذكورة.
البحث الثالث
Неизвестная страница
في بيان الأمراض التي في الغاية القصوى المحتملة للتدبير الذي في الغاية القصوى. قال جالينوس: * «هذه هي (580) الأمراض * التي (581) في غاية العظم وليس وراءها غاية». أقول إن هذا الحكم منه فيه تفصيل لا بد من تحقيقه. وهو قوله «الأمراض التي في الغاية القصوى» يحتمل أن يراد بها في قصر لا في العظم والحدة والخطر. ويحتمل أن يراد بها * الأمران (582) جميعا، وحمل كلام أبقراط على الأول أولى وأجود من حمله على الثاني. وذلك لأن المبالغة في تلطيف التدبير إنما يكون مع حصول الأمر على القوة من الاحتلال والىعة؟ ىىعىاها؟ إلى وقت المنتهى، وذلك إن/ا يتحقق في الأول أولى وأجود من حمله على الثاني. وذلك لأن المبالغة في تلطيف التدبير إنما تكون مع حصول الأمن على القوة من الانحلال والثقة ببقائها إلى وقت المنتهى. وذلك إنما يتحقق في الأول دون الثاني فإن المرض إذا كان في غاية العظم لا يؤمن معه على القوة أن ينحل بغاية عظمه وإن قصرت مدته. وفي مثل هذا، الواجب أن يغلظ التدبير تغليظا يسيرا. وعند هذا التفصيل PageVW1P052B يكون ما قلناه مخالف لما ذهب إليه الفاضل جالينوس. فإن قيل «حمى يوم * ينقضي (583) في الأكثر في يوم واحد. ومع هذا فالغذاء لا يجب تلطيفه فيها لاسيما في الجوعية». قلنا: الجواب عن هذا من وجهين. أحدهما أن حمى يوم لا يصح إطلاق الحدة عليها بحسب المشهور. فلا يكون داخله في الحكم المذكور، وثانيها أن كلامنا في تقدير الغذاء بحسب حدة المرض وأزمانه إنما هو بالنظر إلى أمر القوة واشتغالها بنضج المادة وإن لا يعيقها عن ذلك هضم الغذاء، وحمى يوم ليست من الأمراض المادية.
البحث الرابع
فيما يستعمل في هؤلاء من التدبير. قال أببقراط: «التدبير الذي في الغاية القصوى» قال جالينوس: «وهو التدبير الذي ليس وراءه غائة في الاستقصاء». وقد علمت أن المراد بذلك ترك الطعام لا ترك ما يستعمل. فإن هذا * يستحيل (584) * فأن (585) به لا بد من إعانة PageVW5P015A القوة * ولو بما (586) يعدل المزاج ويكسر سورة المرض ويضاده.
البحث الخامس:
لقائل أن يقول: هذا الفصل مناقض لقوله أولا «والتدبير الذي يبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم تحتمله قوة المرض عسر مذموم». فإنه في * ذلك (587) الفصل ذكر هذا الشرط وهو أن التدبير المذكور نافع في الأمراض المذكورة بشرط الاحتمال، أي عند الاحتياج إليه. * وفي (588) الفصل المذكور هاهنا لم يذكر هذا الشرط بل حكم به حكما جزئيا وقال أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى التدبير * الذي (589) في الغاية القصوى من غير أن يذكر الشرط المذكور هاهنا وهو غير واجب الترك، فإنه لا بد من ذكره. وذلك * لأنه (590) من المحتمل أن تكون القوة في المرض المذكور واهية أو البدن نحيفا أو أن المريض قد تقدم له استفراغ * مفرط (591) أو لم يكن المريض له عادة بتقليل الغذاء أو تلطيفه. ففي مثل هذه الصورة التدبير المذكور ضار فيها. وإذا كان ضارا، * فذكر الشرط المذكور واجب (592) ليحصل الاحتراز به عن الصور المذكورة. والجواب عن هذا أن الأمراض المذكورة في هذا الفصل بالنظر إليها من غير تخصيص بشيء مما ذكرنا. * فتدبيرها (593) واجب بما ذكره لقصر مدتها. فقوله «أجود التدبير» أي مع عدم * المعاوق (594) والمعارض. وأما بالنظر إلى تخصيصها بالأحوال أخرى وهي ما ذكرنل، فإنها * تفتقر (595) من التدبير إلى ما هو أغلظ من ذلك. وكلام أبقراط فيه إشعار بذلك في قوله «أجود التدبير» يريد أن في تدبير هذه الأمراض ما * هو (596) أجود في الغاية وجيد في الغاية. فقوله التدبير * البالغ (597) * الذي (598) في الغاية القصوى لهذه الأمراض أجود لا يمنع أن يكون غيره جيدا أيضا، غير أن قوله أجود بالنظر إلى طبيعتها غير مقيد بشيء. والاحتمال الجيد بالنظر إليها * مقيد (599) بشرط وهو ما * ذكرنا (600) .
7
[aphorism]
قال * أبقراط (601) : وإذا كان المرض حادا جدا، فإن الأوجاع التي في الغاية القصوى تأتي فيه بديا. فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير * الذي (602) في الغاية القصوى من اللطافة. * فإن (603) لم يكن كذلك * لكن (604) كان يحتمل من تدبير ما هو أغلظ من ذلك، فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية القصوى. فإذا بلغ المرض منتهاه * فعند ذلك يجب (605) ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث * تسعة (606) .
Неизвестная страница
البحث الأول
في صلة هذا الفصل بما قبله. * وهو أنه (607) لما تكلم في الفصول المتقدمة في التغذية بحسب الأمراض الحادة والمزمنة، أراد أن يعرفنا الأمر الذي يعرف ذلك منه. وذلك مأخوذ من شيئين، أحدهما مدة المرض والآخر قوة المريض. أما الأمر الأول فهو الآن يتكلم فيه. وأما الثاني ففي الفضل الذي يلي هذا.
البحث الثاني:
قال ابن أبي صادق: «مراده بالحاد جدا الذي هو في الغاية القصوى من الحدة لأنه أمر أن * يقابل (608) بالتدبير * الذي (609) في الغاية القصوى من اللطافة». والحق عندي أن معنى هذا الكلام على غير هذه الصورة وهو أن تدبير الحاد جدا * إنما (610) هو أغلظ من ذلك وأن مراده بالوقت الذي يستعمل فيه التدبير * الذي (611) في الغاية القصوى وقت ظهور الأوجاع التي في الغاية القصوى وهو وقت المنتهى. ولا شك * أن (612) مثل هذا الوقت يستعمل فيه هذا التدبير لوجهين. أحدهما خوفا من اشتغال القوة عن مقاومة المرض. وثانيهما أنه إذا كان استعمال ذلك في المرض الحاد من حيث هو حاد واجبا، فبالأولى أن يكون استعمال ذلك التدبير في منتهاه * واجبا (613) قصدا للتخفيف عن القوة عند نهاية PageVW5P015B اشتداد الأعراض. وهذه الأمراض لما كان منتهاها يأتي في الأيام، الأول منها كان استعمال التدبير المذكور في ابتدائها * واجبا. (614)
البحث الثالث:
مراده بالأوجاع الأعراض على ما ذكره جالينوس. لكن يجب أن تعلم أن الأعراض على نوعين. منها ما هي مقومة للمرض، أي لوجوده بمعنى أنه يستحيل وجوده بدونها كالأعراض الخمسة في ذات الجنب التي هي النبض المنشاري والحمى اللازمة والوجع الناخس وضيق النفس والسعال؛ والتي هي غير مقومة منها ما له وقت معلوم. ومنها ما ليس له ذلك. والأول مثل إعلام البحران. والثاني على قسمين. منها ما هي مناسبة للمرض بمعنى أن طبيعة المرض يوجبها مثل الصداع والعطش في الحمى الصفراوية. والغير مناسبة مثل الغشي واختلاط الذهن في الحمى المذكورة. فإن طبيعة المرض من حيث هي غير موجبة لها. فالحاصل أن مراده هاهنا بالأعراض المقومة للمرض لأن مثل هذه تشتد في المنتهى (615) .
البحث الرابع
(616) : قوله «التي في الغاية القصوى يأتي فيه بديا». مراده بالوقت * الذي (617) تكون الأوجاع فيه في الغاية القصوى المنتهى. ولا شك أن منتهى الأمراض المذكورة يأتي فيها بديا. قال جالينوس: «بديا أي أنها تكون في الأيام الأول من المرض من قبل أن فيها منتهاه». وهذه العبارة فيها * إيهام (618) * بشيء (619) فاسد وهو أن المنتهى يأتي في الأيام الأول من المرض وهو لا يأتي إلا في الأيام الأخيرة منه. وذلك لأنه يكون بعد وقتين من أوقاته وهما الابتداء والتزيد وبعده الانحطاط والمرض. وإن قصرت مدته، فلا بد * له (620) من الأوقات الأربعة إذا كان سليما وينفضي في الرابع * منها (621) . وذلك لأن الرابع إذا وقع فيه البحران، كان * نهاية (622) المنتهى * فيه (623) ولا * شك أن ذلك (624) في اليوم الأخير من أيام المرض لا من أيامه الأول. وإذا كان كذلك، فلا ينبغي أن يقال لذلك المنتهى إنه يأتي في الأيام الأول. بل الذي يقال إن منتهى المرض يكون فيه شدة الأعراض. وذلك يأتي في مثل هذه الأمراض في أقصر مدة من مدد الأمراض المادية أعني في اليوم الرابع وما قبله لا في الأيام الأول من أيامه. وإنما استعمل أبقراك هذه العبارة أي بديا بمعنى أن المنتهى * فيها يأتي (625) مزاجها للابتداء وقريبا منه لا معه. وذلك لقصر زمان التزيد في مثل هذه الأمراض الحادة جدا وضيق وقته. فلا يبعد فيه المنتهى عن * الابتداء (626) لهجومها دفعة. ولذلك كان أطول أوقات هذه وقت المنتهى وبعده الابتداء وأقصرها التزيد وبعده الانحطاط.
البحث الخامس
(627) بدؤ المرض تارة يراد به الزمان الذي * ظهر (628) فيه المرض ولم يظهر بعد * اشتداده (629) ، وتارة يراد به أول ساعة حصول * فيها (630) المرض وهو وقت * ظهور (631) ضرر الفعل؛ وتارة يراد به الأيام الثلاثة الأول. * وهذا (632) هو المعنى بقوله بديا لاستحالة عروض أعراض المنتهى في الابتداء بالتفسيرين الأولين.
Неизвестная страница