ونعم قال العارف الشيرازي قدس سره:
مدعى خواست كه آيد به تماشاكه راز دست غيب آمد وبر سنهء نامحرم زد عقل ميخواست كزآن شعله جراغ افروزد برق غيرت بدرخشيد وجهان بر هم زد
وهذا العلم مختص بأصحاب القلوب من المشايخ المستفيدين من مشكوة النبوة ومصباح الولاية بالرياضات والمجاهدات. هيهات نحن وأمثالنا لا نعرف من العلم إلا مفهومه، ولا من مرموزات الأنبياء والأولياء ورواياتهم إلا سوادها وقشرها لتعلقنا بظلمة عالم الطبيعة وقصر نظرنا إليها وتشبثنا بمنسوجات عناكب المادة ووقف همنا عليها، مع أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، وليس لنا بهذه العيون العمياء والناطق الخرساء مشاهدة أنوار علومه وتجليات ذاته وصفاته وأسمائه والتكلم فيها فإن من لم يجعل الله له نورا فما له من نور ولا يدرك النور إلا النور ولا العالم إلا العالم.
فإن خرجنا عن هذه القرية المظلمة الظالم أهلها، وفارقنا هذه الدور الموحشة الداثرة مهاجرا إلى الله ورسوله، وشملتنا العناية الأزلية بدرك الموت والفناء في ذاته وصفاته وأسمائه فقد وقع أجرنا على الله وشهدنا جماله وبهائه وسنائه ثم أحيانا بالحياة الثانية وأبقانا ببقائه، ويحصل لنا العلم الشهودي والكشف الحقيقي بأن علمه بذاته هو العلم بكمالات ذاته ولوازم أسمائه وصفاته لا بعلم متأخر أو علم آخر بل بالعلم المتعلق بالذات في الحضرة الذات. ولولا هذا العلم البسيط في الحضرة الذات لم يتحقق الحضرة الواحدية الأسمائية والصفاتية ولا الأعيان الثابتة المتحققة في الحضرة العلمية بالمحبة الذاتية ولا الأعيان الموجودة.
قال صدر الحكماء المتألهين وشيخ العرفاء الشامخين رضوان الله عليه في "الأسفار" في تقرير منهج الصوفية بهذه العبارة. لما كان علمه تعالى بذاته هو نفس وجوده وكانت تلك الأعيان موجودة بوجود ذاته فكانت هي أيضا معقولة بعقل واحد هو عقل الذات، فهي مع كثرتها معقولة بعقل واحد، كما أنها مع كثرتها موجودة بوجود واحد أو العقل والوجود هناك واحد. فإذا قد ثبت علمه تعالى بالأشياء كلها في مرتبة ذاته قبل وجودها" انتهى ما أردنا من كلامه.
تنبيه بلسان أهل الذوق
واعلم يا حبيبي أن العوالم الكلية الخمسة ظل الحضرات الخمس الإلهية، فتجلى الله تعالى باسمه الجامع للحضرات، فظهر في مرآت الإنسان، فإن الله خلق آدم على صورته.
Страница 142