ولما رآها يوما الدكتور فون ... على هذه الحال - وهو طبيب شيخ من أساتذة مكتب فينة الطبي - قال لها زاجرا متوعدا: «احذري لنفسك أيتها الأخت، وإلا شكوت الأمر لحضرة رئيستك؛ لأنك بخدمتك وعنائك تسيرين على حافة الهاوية وتتلفين صحتك.»
أما هي فأجابته وكانت لهجتها تشير إلى التوسل والاستعطاف والاسترحام: «أسألك يا سيدي ألا تفعل هذا! اصبر علي بضعة أيام؛ لأن لي تمام الثقة أن البارون سيشفى ... أجل، من الواجب أن يشفى.»
وكانت هذه الكلمات التي لفظتها الراهبة بتأكيد ووثوق لم يكونا معهودين بها قد حركت المسيو «ب» تحريكا عظيما ... على أنه لم تمض بضعة أيام حتى مرضت الراهبة المسكينة مرضا عضالا كما سبق، فرقدت على السرير تتقلب على قتاد الأوجاع، وكان ذاك مرضها الأخير؛ إذ إنها رقدت ولم تقم.
وعندما أخبرتها الرئيسة المرة الأولى بالخطر المحدق بها وإشفائها على الموت استمعت الراهبة «أغنس» هذا الخبر بفرح وتهلل، وعانقت الرئيسة هاتفة: «الشكر لك يا رباه! إني أضرع إليك أن تستدعيني من هذه الحياة؛ لأن بموتي خلاص البارون.»
وبينما كانت «أغنس» تتململ على فراش المنون ازداد مرض «شرل» كأن تلك العلة قصدت أن تكذب رأي تلك الفتاة القديسة تكذيبا موقتا.
فتكاثرت النوب عليه، وأصبحت تتعاقب المرة إثر المرة سريعا، وخشي عليه من الموت العاجل؛ إذ إنه غاب عن الرشد تماما حتى إنه لم يكن ليعرف أحدا، وأصبح حضور «سوسنة» لديه من أبغض ما يكون عليه؛ ولهذا فإن تلك الفتاة المسكينة - أي «سوسنة» - كانت تقضي نهارها باكية منتحبة ناسبة إلى نفسها موت شقيقتها والبارون معا.
وبأثناء ذلك أخبروا المدام «ب» بوفاة الراهبة «أغنس» وسلموها بالوقت ذاته دستجة تتضمن تذكارا من الفقيدة، فاقتبلتها تلك الوالدة المسكينة كذخيرة مقدسة، ولكن ما فتحتها حتى صرخت صرخة عظيمة، ووقعت مغشيا عليها بين ذراعي «سوسنة».
أما الدستجة فكان ضمنها جملة صور فوتغرافية وصليب صغير من ذهب وسواران رسم عليهما حرفان مشتبكان وهما «و» و«ل» «وردة دي لينس» وهما السواران اللذان أهداهما البارون إلى خطيبته واللذان لبستهما وردة في سهرة الخطبة، وكان مع الدستجة مكتوب هذه صورته:
أي والدتي الحبيبة
لا تبلغ هذه السطور إلى يديك حتى تكون المنية أنشبت أظفارها في ابنتك «وردة».
Неизвестная страница