يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر؛ فكيف إذا كان التأويل بخلاف تأويلهم ويناقضه؛ وبطلان هذا التأويل أظهر من أن يطنب في رده؛ وإنما ننبه عليه بعض التنبيه.
ومما يدل على بطلان تأويله قطعا: أنه لا يشك مسلم أن من دعي إلى رسول الله ﷺ في حياته؛ وقد ظلم نفسه ليستغفر له فأعرض عن المجيء وأباه مع قدرته عليه؛ كان مذموما غاية الذم مغموصا بالنفاق؛ ولا كان كذلك من دعي إلى قبره ليستغفر له؛ ومن سوى بين الأمرين وبين المدعوين وبين الدعوبين؛ فقد جاهر بالباطل وقال على الله وكلامه ورسوله وأمناء دينه غير الحق.
وأما دلالة الآية على خلاف تأويلها؛ فهو أنه سبحانه صدرها بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ﴾ [النساء: آية ٦٤] وهذا يدل على أن مجيئهم إليه ليستغفر لهم إذا ظلموا أنفسهم طاعة له؛ ولهذا ذم من تخلف عن هذا الطاعة؛ ولم يقل مسلم إن على من ظلم نفسه بعد موته أن يذهب إلى قبره ويسأله أن يستغفر له؛ ولوكان هذا طاعة له لكان خير القرون عصوا هذه الطاعة وعطلوها؛ ووفق لها هؤلاء الغلاة العصاة؛ وهذا بخلاف قوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾
1 / 78