الملائكة مخلوقون من نوره وعلى هذا فلا معنى لقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾ [الحجرات: آية ١٣] وقوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ [النساء: آية ١] وأن هذه الأحاديث لا دلالة فيها؛ سبحانك هذا بهتان عظيم.
إذا عرفت هذا فهذه الأحاديث لا تدل على سبق الأرواح الأجساد سبقا مستقرا ثابتا؛ غايتها أنها تدل بعد صحتها وثبوتها على أن بارئها وفاطرها سبحانه صور النسم وقدر خلقها وآجالها وأعمالها؛ واستخرج تلك الصور من مادتها؛ ثم أعادها إليها؛ وقدر خروج كل فرد من أفرادها في وقته المقدر له؛ وهذا هو المطلوب ولا تدل على أنها خلقت خلقا مستقرا؛ ثم استقرت بوجوده حية عالمة ناطقة كلها في موضع واحد؛ ثم يرسل منها إلى الأبدان جملة بعد جملة كما يقول محمد بن حزم. نعم الرب سبحانه يخلق منها جملة على الوجه الذي سبق به التقدير أولا؛ فيجيء الخلق الخارجي مطابقا للتقدير السابق كشأنه تعالى في جميع مخلوقاته؛ فإنه قدر لها أقدارا وآجالا وصفاتا وهيئة ثم أبرزها إلى الوجود مطابقة لذلك التقدير الذي قدره الله لها لا يزيد عليه ولا ينقص منه؛ فالآثار المذكورة في هذا الباب إنما تدل على إثبات القدر السابق؛ وبعضها يدل على أنه سبحانه استخرج أمثالهم وصورهم وميز أهل السعادة
1 / 25