67

وتم التعارف بالأسماء.

واسترسل الحديث أصداء لا يقصدها القائل ولا يصغي إليها السامع، لحظة يسيرة ثم انقلب الفرح غما ثقيلا بغير منفذ وبغير دلالة، فإن الفتاة لبثت تتكلم ويبدو من عينيها أنها تفكر في غير ما تتكلم، ثم خرجت ساهمة بغير استئذان إلا حين قاربت الباب، فقد انثنت تحيي هماما تحية من يؤدي «واجب اللياقة» لا تحية من يجامل في وداع.

قال همام: ما معنى هذا؟

قالت «ماريانا»: لا عليك منها، إنها ستعود يوما لا محالة.

قال: لست عن هذا أسأل؟ فهل هي غاضبة؟

قالت: مم تغضب؟ أمن القبلة؟ فلم لم أغضب أنا؟!

قال: خيبة الله عليك يا عزيزتي ماريانا ... دعينا من غضبك أنت ورضاك، فإنها هي القبلة الأولى والأخيرة بغير مراء! ولئن رضيت عنها فما أنا براض ... ولكن الذي يعنيني ألا تكون قبلتها هي القبلة الأولى والأخيرة. فما رأيك؟

قالت: ابغ لك مستشارا غيري، إنني أعرف كيف أوفق بين الكسوة وصاحبتها، ولا معرفة لي بالتوفيق بين رجل وامرأة!

فلم يشأ همام أن يطيل الكلام، ولم ينتظر صاحبه الذي لم يعد، ولم يكن يبالي في تلك الساعة أن يعود، وخرج منقبضا متحاملا يلوم نفسه على خروج الفتاة ولا يلوم نفسه على تقبيلها، كأنما كان يستطيع الفصل بين الأمرين! ... وعادت القبلة إلى شفتيه كأنها طيف يرف على مهاده الأول، حتى لقد أوشك أن يضم شفتيه ليلامس ذلك الثغر الذي لاح له أن ينضغط وينضغط من لينه وطراوته إلى غير نهاية، وسرت لذعته الباردة كلذعة النعناع الذي هدأت سورته وبقيت ذكراه، فازداد غما على غم، ولعن ذلك الشيطان الكامن في أعماق كل نفس يثير لواعجها وينكأ جراحها، في حيثما احتاجت إلى التهوين والنسيان.

وذهب إلى المكتب فتلقاه الخادم قائلا: إن سيدة سألت عنك بالتليفون.

Неизвестная страница