ولسوء الحظ أن عقلي قد توقف بدروه عن التفكير، وإلا لما أجبت بسرعة، ودون أن ألحظ أني أكذب من جديد: أجل يا حياتي ... لقد صارحتك بكل شيء. - وما من شيء أخفيته علي؟ - وهل كان يجب أن أخفي عليك شيئا؟
وهنا أجابت، وهي تتحامل قليلا خشية أن تسقط: إذن فقد خاب أملي، ليتني لم أعرفك.
وعبثا حاولت أن أهدئ ثورتها، واقتربت لكي أربت على خدها، ولكنها صاحت في صوت أرهبني: إياك أن تمسني ... أريد أن أقول لك شيئا لآخر مرة ... لقد أتحت لك الفرصة لتصارحني بظروفك ... فتحت لك باب الاعتراف لتتحلل من أكاذيبك، لكنك رفضت ... رفضت كمن يصر على الخداع حتى النهاية ... لو أنك قلت لي إنك ما زلت طالبا، وإنك لا تستطيع الزواج ... لو أنك قلت لي إنك ستنتهي من دراستك، ثم تمهد سبيلك لنعيش معا ... لكنك كذاب ... كما قيل لي عنك ... لم تفكر في الزواج، ولن تفكر ...
هل تفهمني الآن؟ ... هل تفهم لماذا سألتك؟ ... هل صارحتني بكل شيء أولا؟
وبالطبع فهمت ... حدث ما كان يجب أن يحدث ... حينما تسير مع فتاة في الطريق، فلا بد أن تلقى صديقا لك، أو صديقة لها، ولا بد أن ينتقل لقاؤكما من فم عزول المصادفة إلى عشرات الأفواه ... وإني أذكر الآن أننا رأينا بالمصادفة الآنسة «ج» صديقة شقيقتي، وصديقة «ر» أيضا ذات مساء، ونحن خارجان من السينما ... وأستطيع أن أتخيل الآن ما حدث بعد ذلك، إن «ر» كما أعرفها، صريحة وغير ملتوية ... ولا شك أنها قابلت «ج» بعد ذلك، وقالت لها ما تعرفه عني ... وما قلته أنا عن نفسي ... فأفهمتها «ج» أن كل ما قلته كذب ...
وما زلت أذكر مرة، قالت فيها «ر» أثناء الحديث: إني صريحة لا أخفي شيئا، هل تصدق أني خاصمت أختي شهرين؛ لأنها كذبت علي مرة؟
أرجو ألا يكون عقابها لي أقسى من عقابها لأختها.
30 من يونيه سنة 1929
سافرت اليوم إلى الإسكندرية، وأنا أكتب مذكراتي هذه في الغرفة المطلة على البحر، وقد نام شقيقي حامد، إنني لا أستطيع أن أنام من حزني الجاثم على قلبي، فقد أخبرتني شقيقتي، ونحن في القطار بنبأ خطبة «ر» إلى ابن عمها، وقالت لي ما هو أقسى من ذلك، قالت لي إنها قابلت «ر» في الطريق، وإنها هي التي أنبأتها بذلك، وسألتها عن أحوالي، وأبدت أسفها لأنني خدعتها، ولم تنكر أنها كانت تفضل أن تتزوجني.
بهذه الصراحة؟
Неизвестная страница