فقلت بحماس: أمامك عمر مديد بإذن الله، وإني سعيد برؤيتك. - وأنا كذلك، ولو أنني كنت أتمنى ألا تكون وحيدا. - أنت أيضا وحيدة.
فقالت بمودة: أعني أنه كان يجب أن تكون لك زوجة وأولاد.
فقلت بأسف: القسمة والنصيب.
وأمسكنا، ربما لنسترد أنفاسنا، أفرغت بقية القارورة في جوفي وغرقت في العرق. فارق كبير بين الحقيقة والخيال، تصورت أنني سأوجه الحوار إلى الهدف دون صعوبة، وأنني سأثب إلى جانبها مثقلا بأشواق العمر، وأنه وأنه وأنه، وهذا مناخ الجلسة ينضح بالجدية والأدب، والسيدة مصونة لا تسمح بقدح شرارة عبث، وهذه الصور المطلة علينا تشاركنا الاجتماع وتصد عنه النزق بل وتغرقه في الحزن، ترى فيم تفكر؟! ألم ترد على خاطرها ولو صورة فاتنة واحدة من الماضي الجميل؟ هل تهيمن على خواطرها كما تهيمن على سلوكها؟ .. أود أن تطالعني العينان بلمحة تذكر، أو مداعبة، أو حياء عابر، أو ظل ابتسامة تتعدد التفسيرات لها، لكني لا أرى إلا نظرة رزينة، نظرة قريبة لقريب تلاقيا في شيخوخة العمر. هل انتهت ملك وجفت ينابيعها؟ على أي حال لن أغادر الشقة بجعبة خاوية إلا من الفشل، ولن أسمح للجبن بأن يحملني الندم إلى آخر البقية من العمر. قذفت إلى الماء متسائلا: هل يضايقك أن نخفف من وحدتنا بالزيارة من حين لآخر؟
فقالت بهدوء: أهلا بك.
ثم مع تردد واضح: ولكن ...
أدركت ما تضمر، فقلت: نحن أقارب، ولنا من عمرنا ما يصد عنا الكلام.
فلاذت بالصمت، فقلت يائسا: إذن لا توافقين على الزيارة!
قالت بسرعة: لم أقل هذا. - لعلك توصين بالانضباط؟ - هذا ما يجدر بنا أن نفكر فيه. - أود أن أعرف رأيك بكل صراحة. - لو عندي رأي آخر لصارحتك به.
فقلت بحرارة: أنا في أشد الحاجة إلى الزيارة، وحدتي لا تطاق، وليس لي غيرك كما تعلمين، وطالما فكرت في ذلك ومنذ زمن طويل.
Неизвестная страница