الفتن الطائفية بين الشيعة والسُّنة سنة (٤٨٢ هـ)، مما أدّى إلى إزهاق الكثير من الأرواح. وتتكرر أمثال هذه الحوادث بعد كل فترة دون انقطاع (١).
ومن أغرب تلك الفتن ما كان يستعر بين أهل السنة أنفسهم، وبالأخص بين الحنابلة والأشاعرة كما حدث سنة (٤٤٧ هـ) حيث "وقعت بينهما فتنة عظيمة، حتى تأخر الأشاعرة عن الجمعات خوفًا من الحنابلة" (٢). كما ظهرت جماعة الباطنية، وهي جماعة إرهابية واسعة النشاط، فأخافوا البلاد والعباد، وقتلوا ونهبوا وعاثوا في الأرض فسادًا (٣).
وبلغ بهم التمرد إلى قتل الخلفاء والوزراء، إلى أن كفى الله تعالى الناس شرهم على يد السلطان محمد بن ملكشاه (م ٥١١ هـ) فقضى عليهم (٤).
وكذلك سرى الفساد في النظام المالي والقضائي، وانقسم ولاء الجيش لجهات متعددة، وفسدت أخلاق سكان المدن، خاصة مع ظهور كثرة العبيد والجواري.
وأمام هذه الحياة المضطربة لم يقف المصلحون مكتوفي الأيدي، بل بذلوا جهودهم في سبيل دعوة الناس، وإرشادهم ونصحهم إلى التمسك بدينهم، ومكافحة الشكوك التي يثيرها أصحاب الملل والنحل، ونظرة عابرة إلى كتب التراجم، والحالة العلمية، لهذا العصر تبيّن عظم جهودهم.
وأما التجارة فكانت لها أطوار مختلفة، حسب الوضع الاجتماعي، وحسب الأمن والاستقرار، واختلف نشاطها وركودها من جهة إلى أخرى. ولكنها كانت متدهورة بصورة عامة في منطقة العراق وما حولها، بسبب الفتن الداخلية، وظهور قطّاع الطرق.
_________
(١) ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ٩/ ٤٧، ٤٩، ١٠/ ١٩٨، ٢٨٥.
(٢) المصدر نفسه، ٨/ ١٦٣، ١٠/ ٢٨٦.
(٣) المصدر نفسه، ٩/ ١٥٠، ١٠/ ٩٥.
(٤) المنتظم، ٩/ ١٥٠، ١٠/ ٩٥.
1 / 17