فقلت إيه ما الخبر؟ وأين النجوم والقمر؟ وما فعل الشموس المشرقة الأنوار، ومتى يحصل اللقاء ويدنو المزار، وما هذا الوجوم الذي اعتراك، والهم الذي أراك به على ما إدراك، فقال: خرجت من عندك جازما بالتوفيق، متحققا أني أراهن في الطريق، فوصلت المكان ولا خبر، ولا عيان فنشدتهن والباغي يحب الوجدان فلم اطلع لهن على حقيقة أمر، ولا أخبرت عنهن بحلو ولا مر، فوقفت وقوف الشحيح أضاع خاتمه، وألفيت محلهم قفرا، فكنت حاتمه، فبينا إنا مفكر في الأمر الفادح والخطب الذي هو لنار الأسى قادح، إذ اجتاز علي صبي حين بقل عذاره، وكاد يصوح ورده وجلناره، فقال مالي أراك بادي الأسف، مشيفا على التلف فقلت أني أضللت هنا شيئا وجئت انشده، وتركت معهودا فحال عما كنت أعهده، فتبسم الغلام تبسم ذي عجب، وقال قد عرفت الحال فدع الطلب، فأنا جهينة الخبر، عجب، ولن يخبرك عمن غاب إلا من حضر، فحين سمعت قوله لزمته ملازمة الغريم، وقلت: اهدني هديت إلى الصراط المستقيم، فقال إني حين رأيت تلك الشموس المضيئة والأقمار الأرضية، تبعتهن متفرجا على جمالهن الباهر، وحسنهن الزاهي الزاهر، فلما جلسن في هذا الموضع، وقفت بمرأى منهن ومسمع، فتفاوضن فيما أرسلنك فيه. وأطمعنك في الأمر الذي نبتغيه، ودعونك فسمعت وحدثنك فرجعت فقلت من هذا السعيد الذي يقصدنه، وطوبى لمريض يعدنه، فلما غبت قمن مسرعات إلى العبور، وقلن لا بأس بالسفن مع تعذر الجسور، ودعون ملاحا، فركبن معه لجة الغمار، واقدمن بعد تأخرهن على تقتحم الأخطار، وقلن يا فتى إذا عاد هنا شخص من صفته كيت وكيت، فانشده عنا هذين البيتين برب البيت: من الرمل
أيها القانص ما أحسنت صيد الظبيات
فاتك السرب وما زودت غير الحسرات
وقل له إن تعرفونا، وتوهمتم أن تخدعونا، فكايلناكم صاعا بصاع وجزيناكم عن خداع بخداع، والبادي اظلم، كما يقال، وان كنا نساء، فما نحب أن يقهرنا الرجال، ومثلنا لا يسمح كذا عاجلا بالوصال: من السريع
لابد قبل الوصل من جفوة ... تذكى غليل الشوق والوجد
من لم يذق طعم الجفا لم يكد ... يفرق بين الوصل والصد
وليس يدري لذة القرب من ... لم يشك يوما ألم البعد
معادنا ميعادنا، وعلى الله اعتمادنا، ثم امرن الملاح بالجدف، وصرن في الجانب الشرقي أسرع من رجع الطرف، وقد عرفنك انك مخدوع، والأمر إليك في الرجوع، فلما وقفت على الجملة والتفصيل، وتحققت أنها سوفت بالأباطيل، عدت إليك بقلب كئيب، وصبر سليب، فحين فهمت مقالة عدمت الجلد والاصطبار، واستنجدت الدموع الغزار، وعدت قلقا إلى الدار، وطل علي الليل فهو سنة، وما ألم بعيني نوم ولا سنة: من الطويل
وطال علي الليل حتى كأنه ... من الطول موصول به الهر اجمع
وشرعت في مسامرة القمر، وقلت هل من عون على السهر، وأنشدت عند تراكم الهموم والفكر: من الخفيف
أيها النائمون حولي أعينو ... ني على الليل حسبة وائتجارا
حدثوني عن النهار حديثا ... وصفوه فقد نسيت النهارا
وخاطبت الليل الطويل، وقلت وقد لازمت العويل: من الرجز
يا ليل طل أو لا تطل ... لابد لي أن أسهرك
لو بات عندي قمري ... ما بت أرعى قمرك
ولهم في طول الليل وقصره، وبعد ما بين عشائه وسحره، معان رائعة، وأوصاف ناصعة، وأولهم صفا، وأغربهم وصفا، امرؤ القيس حيث يقول: من الطويل
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف إعجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
فيالك من ليل كان نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل
فإنه أتى بالمعنى المبدع، وكان مخترعا فاحسن فيما اخترع، وقال النابغة: - من الطويل
كليني لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطئ الكواكب
وقال سويد بن أبي كاهل: - من الرمل
كلما قلت ظلام قد مضى ... عطف الأول منه ورجع
وقال بشار بن برد: من الطويل
خليلي ما بال الدجى لا يزحزح ... وما بال ضوء الصبح لا يتوضح
أضل النهار المستنير طريقه ... أم الدهر ليل كله ليس يبرح
وقال جحظة: من الوافر
1 / 10