le petit reste
أهل الكهف مثلا، عاهدوا الله على ميثاق التقوى والحب والفضيلة والفضل، ومن خلال هذه الفئة يستمر الوحي في التاريخ، ويبقى الإيمان في الشعب، وهي النتيجة النهائية التي يتم الحصول عليها من تطور الوحي في التاريخ، والحصيلة الإيجابية له، بعد أن يفشل في نشر الإيمان في الشعور الجماعي عند الجمهور. ولقد دعا أنبياء الأمم الأخرى إلى الميثاق نفسه، ميثاق الفضيلة، وهو الميثاق الأبدي، ميثاق معرفة الله وحبه، ميثاق شامل لا يفرق بين العبرانيين والأمم الأخرى، ولكن العبرانيين وضعوا هذا الميثاق، ميثاق الفضيلة الحقة ، في كلمات يتمتعون بها، وقرابين يقدمونها، وشعائر يقيمونها، وبنوا المعبد والمدينة، أي إنهم كعادتهم لم يستطيعوا إدراك الأشياء الروحية إلا بمظاهر حسية، أهمها بناء الدولة. واليوم لم يعد للعبرانيين هذا الحق بعد انهيار دولتهم وبعد خرقهم ميثاق الفضيلة والطاعة. وحق عليهم أن يكونوا مشتتين في أنحاء الأرض، ومنبوذين من جميع الأمم، حتى جلبوا على أنفسهم حقد الجميع بإقامتهم الشعائر المعارضة لشعائر الأمم، ولإصرارهم على طقس الختان، وعدم الاختلاط بالشعوب، والتميز عنهم، والتجمع في بلدان خاصة، أو في أحياء (الجيتو). والأمثلة التاريخية كثيرة تشهد على ذلك، فبالرغم من تخلي يهود إسبانيا عن دينهم وتحولهم غلى الكاثوليكية، وتمتعهم بالحقوق نفسها التي للإسبان، إلا أنهم حافظوا على طقس الختان، رمزا للرباط الأبدي، وما زالوا يتوقون لإعادة بناء الدولة.
61
ثامنا: القانون الإلهي والقانون الإنساني
لم ينزل الوحي فكرا فقط، بل نزل أيضا نظاما للكون، أو كما يقول المسلمون: الدين عقيدة وشريعة، وقد كان الدين اليهودي عند موسى شريعة أكثر منه عقيدة، وكان الدين المسيحي عقيدة أكثر منه شريعة. والشريعة هي القانون الإلهي الذي تمت صياغته في قانون إنساني.
والقانون على الإطلاق هو اندراج جميع الأفراد في مجموعة معينة تحت قاعدة واحدة. ويعتمد القانون إما على الضرورة الطبيعية أو على القرار الإنساني، ويعتمد القانون على الضرورة الطبيعية عندما يصدر عن الطبيعة نفسها، أو عن تعريف الموضوع، ويعتمد على القرار الإنساني، ويسمى في هذه الحالة قاعدة، عندما يجعل الحياة أكثر ملاءمة وأمنا، أو عندما يصدره الناس لأنفسهم أو للآخرين لأسباب أخرى. فإذا اصطدمت أجسام كبيرة بأجسام صغيرة، فإنها تفقد من حركتها بقدر ما تعطي، هذا قانون شامل يصدر عن ضرورة في الطبيعة، وعندما يتذكر إنسان شيئا ما ويتذكر شيئا آخر مشابها، هذا قانون شامل يصدر عن ضرورة في الطبيعة الإنسانية. أما إذا تنازل الناس عن حقوقهم طوعا أو اختيارا، فإن ذلك ينتج عن قرار إنساني. ومع أن مثل هذا القانون يعتمد على القرار الإنساني، إلا أن كل شيء محدد طبقا لقوانين الطبيعة الشاملة؛ لأن الإنسان جزء من الطبيعة وقدرتها.
أما القانون بمعناه الخاص فهو الأمر الذي ينفذه الإنسان، والذي يحدد قدرته أو الذي يأمره بما يستطيع، ويكون الأمر هنا قاعدة للحياة يفرضها الإنسان على نفسه أو على الآخرين لغاية معينة. وقد قام المشرعون بوضع القوانين حتى تسير الحياة وفقا للعقل، ويصحب القانون الجزاء والعقاب، خاصة للعامة؛ وذلك لأن الخاصة يعلمون الغاية من القوانين، حتى قبل وضعها، فالعامة تخضع للقوانين التي يسنها الآخرون لها خوفا من العقاب، أما الخاصة الذين يسلكون سلوكا فاضلا، فإنهم يتبعون قراراتهم الخاصة لا ما يضعه الآخرون لهم، ويكون العدل حينئذ في اتباع القرار الخاص. ومن هنا، جاءت التفرقة بين القانون الإلهي والقانون الإنساني، فالقانون الإلهي يبغي الخير الأقصى أي معرفة الله وحبه، في حين أن القانون الإنساني يبغي أمن الحياة وسلامة الدولة.
وتكون معرفتنا يقينية إذا اعتمدت كلية على معرفتنا بالله وحدها؛ لأنه لا يمكن إدراك شيء أو تصوره بدون الله. وتظل معرفتنا الإنسانية موضوعا للشك ما دامت فكرتنا عن الله غير واضحة ومتميزة، بل إن خيرنا الأقصى وكمالنا يعتمدان على معرفة الله. ولما كان لا يمكن إدراك شيء أو تصوره بدون الله، فلا شك أن كل الموجودات الطبيعية تتضمن تصور الله، وتعبر عنه بقدر درجتها في الجوهر والكمال، فكلما ازدادت معرفتنا بالأشياء الطبيعية كملت معرفتنا بالله. إن معرفتنا بالخير الأقصى لا تعتمد على معرفة الله وحدها، بل هي على وجه التحديد هذه المعرفة نفسها؛ وذلك لأن الإنسان أكمل الموجودات الطبيعية، وأقرب إلى الكمال، عن طريق المعرفة العقلية لله، أي الموجود الأعظم الكامل، أي إن خيرنا الأعظم وسعادتنا القصوى في معرفة الله وحبه، الأمر الإلهي إذن هو فكرة الله في أنفسنا، والقانون الإلهي هو حضور الله في أنفسنا، وهذا هو موضوع علم الأخلاق الشامل
L’Ethique Universelle .
62
Неизвестная страница