أما طبيعة الله، فيختلف الأنبياء عليها، ويمكن للفيلسوف دراستها بالنور الفطري، وبعد ذلك يمكن الانتقال إلى موضوعات أقل شمولا، مثل السلوك في الحياة، وهو ما يمكن استنباطه من المبادئ العامة الأولى، ونوضح كل ما تشابه منه باللجوء إلى هذه المبادئ العامة. فإذا حدث تعارض، فإنه يمكن حله عن طريق معرفة المناسبة والزمان والمكان الذي كتبت فيه هذه النصوص، أي عن طريق الرجوع إلى الموقف التاريخي الذي نشأ فيه النص.
48
ففي كثير من الأحيان يتحدث المسيح كداع للخير، لا كمشرع، ويريد تطهير النفس، لا تصحيح الأفعال. فالدعوة إلى التسامح تكون في عصر الاضطهاد، والدعوة إلى العدل تكون في دولة لا يكون للمواطنين فيها الحقوق نفسها، وهذا ما يقتضيه النور الفطري أيضا.
ومن الصعب دراسة الأمور النظرية المحضة؛ إذ لم يتفق الأنبياء عليها فيما بينهم، بعد أن تكيفت رواياتهم حسب آرائهم السابقة في عصرهم.
49
فلا يجوز استنتاج أقوال نبي من نصوص واضحة لنبي آخر إلا بعد إثبات تطابق وجهتي نظرهم.
ودراسة الأشياء من العام إلى الخاص دراسة نظرية محضة للوحي،
50
إذ نبدأ بدراسة بتعريف النبي والوحي والمعجزة. وفي دراسة النبوة لا يجوز الخلط بين فكر النبي وفكر الراوي، كما لا يجوز الخلط في الوحي بين ما سمعه الأنبياء بالفعل وبين ما أرادوا التعبير عنه بالصور الذهنية.
والذي يعطينا مقدار الصحة التاريخية للنص هو منهج التفسير (ويعني به سبينوزا منهج النقد التاريخي). أما السنة النبوية (التراث الديني اليهودي كما هو موجود لدى الفرق مثل الفريسيين)، أو العصمة البابوية كما هو الحال عند الكاثوليك الروم، فلا يعطيان أي يقين. فقد رفض اليهود الأوائل هذا التراث الديني (الميدراش مثلا) لأن الأحبار لم ينقلوها عن موسى كما يدعي الفريسيون. لقد أقيمت السلطة الدينية عند اليهود لتطبيق الشريعة، وهي قانون الدولة ، لا لتفسير الكتاب المقدس أو تقنينه؛ لأن لكل فرد الحق في تفسيره بالنور الفطري، ولكل باحث الحق في تطبيق قواعد المنهج التاريخي لإثبات مقدار صحة النصوص.
Неизвестная страница