بالإضافة إلى ذلك، تواجهنا صعوبة لغوية أخرى، وهو أننا لا نملك أسفار الكتاب بلغته الأصلية التي كتبت بها أول مرة خاصة العهد الجديد، فقد كتب إنجيل متى ورسالة بولس إلى العبرانيين باللغة العبرية، وضاع النص الأصلي، كما لا نعلم بأية لغة كتب سفر أيوب؛ إذ يؤكد ابن عزرا أنه كتب بلغة أخرى، ثم ترجم إلى العبرية.
45 (2)
جمع النصوص وفهرستها في موضوعات رئيسة، حتى يمكن استعمال النصوص التي تتعلق بالموضوع نفسه مرة واحدة. يجب إذن تحويل الكتب المقدسة إلى معاجم مفهرسة، حتى يسهل استعمالها حسب الموضوع، كما يمكن تبويب الآيات حسب الوضوح والغموض، فتوضع الآيات الواضحة معا والمتشابهة معا. ويعني الوضوح هنا فهم النص حسب السياق، وليس حسب العقل؛ لأن مهمة التفسير فهم النص، لا معرفة الحقيقة، كما لا ينبغي الخلط بين فهم النص وإدراك الأشياء الطبيعية، حتى لا نخلط بين معنى الآية وحقيقة الأشياء، علينا فقط الاعتماد على اللغة، أو على الاستدلالات، ابتداء من الكتاب. فمثلا «الله نار» آية واضحة مع أنه معناها معارض للعقل وللنور الطبيعي؛ لذلك يجب وضعها في قسم الاستعارة. وإذا كانت هناك بعض الآيات متفقة مع العقل، ولم نستخلص معناها من الكتاب، يجب التوقف عندها؛ إذ إنه لا ينبغي الابتعاد عن المعنى الحرفي للآية والاستعمال اللغوي، بصرف النظر عن اتفاقها أو اختلافها مع العقل.
لا توجد طريقة إذن لتحديد معنى النصوص إلا طريقة جمع النصوص وهي طريقة لا توضح النصوص الغامضة إلا مصادفة، وهي طريقة مجدية للتعرف على فكر الأنبياء، فيما يتعلق بالأمور غير الحسية، والتي لا تدرك إلا بالخيال، أما ما يمكن إدراكه بالذهن، أي الأمور النظرية، والتي نستطيع تصورها بسهولة مثل التعاليم الخلقية، فهي عامة بسيطة سهلة، لا تحتاج إلا إلى النور الفطري.
ولا يجوز في جمع النصوص وضع الآيات الواضحة مع الآيات الغامضة، حتى يمكن تفسير الثانية بالأولى، وإلا قام التفسير حسب الهوى. فإذا كان النص صريحا على أن الشمس تدور حول الأرض، فلا يجوز التعسف في التفسير، وإخفاء معناه، أو تحويله إلى معنى آخر حتى يتفق مع الحقيقة العلمية، فلم يكن يشوع، وهو الذي تحدث في هذا النص، عالما في الفلك، لا يجوز إذن إخراج الكلم عن مواضعه، وتأويل النص، والتعسف معه، وتحميله أكثر مما يحتمل.
46 (3)
معرفة الظروف والملابسات التي كتبت فيها الرواية، أي معرفة حياة مؤلف السفر، وتقاليده، وأخلاقه، والغاية من السفر، ومناسبته، وعصره، ولغته، ثم مصير السفر نفسه؛ جمعه، ونقله، ونسخه، والاختلافات بين النسخ، وتقنينها، وتحليلها؛ حتى يمكن التفرقة بين آيات التشريع وآيات الأخلاق، وحتى نستطيع التعرف على موهبة المؤلف الأدبية، وحتى لا نخلط بين التعاليم الوقتية والتعاليم الإلهية الأميرية، وكل ذلك حتى يمكننا أخيرا تحديد درجة سلطته، والوثوق بالسفر، فلربما غيرته يد آثمة عن عمد، أو دخله التحريف والتغيير والتبديل.
ولكن أمام هذه الخطوة صعوبات جمة؛ وذلك لأننا نجهل الظروف الخاصة لكل الأسفار المقدسة، كما نجهل مؤلفي كثير من الأسفار، كما نجهل كاتبيها، وموضوعاتها، ومناسباتها، ورواتها، ومن وقعت في أيديهم، وعدد نسخها، والاختلافات بينها، ومصادرها، خاصة إذا كانت تروي أشياء غامضة، لا يمكن إدراكها أو تصديقها، ما دمنا نجهل قصد مؤلفها. فإذا عرفنا كل ذلك، يمكننا أن نتخلص من أحكامنا السابقة، نفهم النص كما أراده مؤلفه، ولا نحكم عليه سلفا بأنها أسطورية أو سياسية أو دينية.
وبعد القيام بهذه الخطوات الثلاث من البحث التاريخي، نبدأ في دراسة فكر الأنبياء والروح القدس. وكما نفعل في الطبيعة عندما نبدأ بدراسة أكثر الأشياء عمومية، مثل الحركة والسكون، كذلك نفعل في الكتاب بدراسة أكثر الأشياء عمومية، وهو ما أوحى به جميع الأنبياء كعقيدة أبدية نافعة للبشر جميعا؛ أي وجود الله القادر الذي تجب عبادته وحده، والذي يرعى كل شيء، ويحب من يحبون الجار كحبهم لأنفسهم،
47
Неизвестная страница