الطائفتين ذكورًا وإناثًا. وقد تجد مثل هذا الفرق بين المعابد أيضًا، حيث
إن للمسيحيّين ما ربّما يزيد عن الأربعين كنيسة، بينما مساجد المسلمين لا تربو على خمسة وعشرين مسجدًا.
ذكرنا قبل هذا أنّ العدد الأكثر من سكّان بيروت إنّما هو من الطوائف المسيحيّة، حيث المسلمون هناك لا يزيد عددهم عن أربعين ألف نسمة، على حين أنّ المسيحيّين يبلغ عددهم نحو مائة ألف أو هم يزيدون. ولكنّا رأينا مع ذلك أنّ الطائفة الإسلامية أظهر كلمة وأقوى جانبًا. وربّما كانت هي صاحبة السيادة والأبّهة في البلد، وإن كان يلاحظ مع هذا أنّ مسافة الفرق بين ثراء الأمّتين عظيمة جدًّا. وقد يدرك الإنسان ذلك ممّا يراه من الفرق المحسوس بين مدارس المسيحيّين ومدارس المسلمين، فإنّ الأولى مع كثرتها وكفايتها حسنة العمارة نضرة البقعة وافية بكلّ أغراض الطلبة ومنها الكليات الّتي لا تقلّ في نظاماتها عن الكليات المعروفة في البلاد الراقية، وأمّا الثانية فإنّها مع قلّة عددها كما عرفت وعدم كفايتها بالطبع لأبناء هذه الطائفة لا تزال تحتاج إلى الشيء الكثير من مال الأغنياء وآراء المفكّرين. وعلى الجملة، فإنّ التعليم في مدينة بيروت ممّا يسرّ أنصار وعشّاق المعارف ومحبّي التقدّم والرقي. ولهذا كنت أرى معظم الأهالي يجيدون القراءة والكتابة، وقلّما وجدت مدينة أهلها كذلك في كلّ بلاد الشام.
وأمّا مطابعها فإنّها ليست أقلّ أهميّة من مدارسها، وأقدمها مطبعة الأمريكان ثمّ اليسوعيّين، ثمّ مطبعة حديقة الأخبار، إلى غير ذلك من المطابع الكثيرة. وقد سمعت أنّ ما يطبع في تلك المطابع من الكتب العلميّة والفنيّة شيء فوق الحصر، كما أنّه يطبع فيها عدّة جرائد يوميّة وأسبوعيّة وشهريّة سياسيّة وتجاريّة وطبيّة. وممّا امتازت به هذه المدينة عن سائر مدن الشام أنّها تصدّر كثيرًا من مطبوعاتها إلى البلاد الشاميّة وغيرها من البلاد الأجنبية، وأمّا لغة التخاطب العامّة بين
المسيحيّين والأجانب فهي اللغة الفرنسية. ويقال إنّه في الزمن السابق كان التخاطب جاريًا بينهما باللغة الطليانية بدلًا من اللغة المذكورة. وعلى كلّ حال، فإنّ لغة البلاد الأصلية والّتي يتخاطبون بها فيما بينهم هي اللغة العربية.
وأمّا تجارتها فتدور في الغالب على مزروعاتها ومصنوعاتها الّتي أكثرها من الحرير وزيت الزيتون والصابون. وفي المدينة عدّة معامل لحلّ الحرير الإفرنكي وللصابون
1 / 53