Путешествие в мысли Заки Наджиба Махмуда
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
Жанры
فهو بناء مليء بالثقوب المتمثلة في الظلم، والقهر، والاستبداد، والتسلط، والتنافر، والكراهية؛ مما أدى في نهاية الأمر إلى فقدان الفرد لكرامته، وحريته، واستقلاله. ولما كان العبقري، كما يقول هيجل بحق، هو الذي يدرك «هذه النواقص والثقوب»، ويعمل على إصلاحها عندما يلبي حاجة مجتمعه، فقد أخذ مفكرنا على عاتقه تشريح الحياة الاجتماعية تشريحا عقليا، بحيث يكشف عما انطوت عليه هذه الحياة من «قيم» فاسدة، وأوضاع «لا معقولة»، علينا أن نعمل على إزالتها بكل ما نملك من قوة النقد البناء، فكتب سلسلة من المقالات بعث بها من لندن لتنشر في «مجلة الثقافة» في مصر، وهي مقالات من نوع فريد: فيها الكثير من الرمز والسخرية اللاذعة، صاغها في ثوب أدبي لم يألفه كثيرون من كتابنا فضلا عن القراء، وهي المقالات التي جمعها بعد ذلك وأصدرها عام 1947م في كتاب بعنوان «جنة العبيط»، وهذا العنوان هو المقالة الأولى في الكتاب، وهو يسخر فيها من سذاجة المواطن الذي يعتقد، أحيانا، أنه يعيش في «جنة»؛ مع أن حياته في حقيقتها لا تكون جنة إلا في رأي «العبيط»، لا سيما إذا ما قورنت بالحياة التي رآها في إنجلترا ... «ولم أكن أريد بتلك المقارنة درجات الفقر والغنى، أو حتى درجات المعرفة والجهل، بقدر ما أردت القيم الخلقية، وحقوق الإنسان في التعامل مع سائر مواطنيه ...»
8
ومن بين هذه المقالات أيضا «تجويع النمر» يصور فيها كلا منا وكأن في جوفه نمرا رابضا ينتظر فرصة الظهور.
9
فإذا ما صعد إلى مقاعد الرئاسة لم يلبث ذلك النمر أن يظهر بكل أنيابه ومخالبه، وما طعامه الذي يتغذى به إلا ذلة الآخرين! كما كتب أيضا عن «الكبش الجريح» يصور فيه الإنسان الذليل بطبعه، الذي يستمتع بإذلال الآخرين له؛ فهو «الكبش» تحز في رقبته سكين الجزار، فترتسم على شفتيه ما يشبه ابتسامة الرضا والقبول!
ومن أمتع المقالات الأدبية التي كتبها أستاذنا الكبير، في هذه الفترة، مقالة بعنوان «بيضة الفيل»، يسخر فيها من المناقشات ««البيزنطية» التي تحتد بين بعض الناس في موضوعات في غاية التفاهة من ناحية، ثم هي تخلق مشكلات «هوائية» تخلقها من عدم من ناحية أخرى، يبدأ المقال على النحو التالي: «قال الشيخ: الفيلة تلد ولا تبيض، والمشكلة المراد حلها هي هذه: لو كانت الفيلة تبيض، فماذا يكون لون بيضها؟»
10
لاحظ أن أول سطر في المقال يقرر حقيقة علمية بسيطة هي «أن الفيلة تلد ولا تبيض»، لكنا اعتدنا أن نخلق مشكلات من عدم: فافرض أنها تبيض فماذا يكون لون بيضتها؟» في الجواب عن هذا السؤال اختلف العلماء: يقول عمارة بن الحارث بن عمارة تكون بيضاء، واستدل على صحة قوله بدليل من القياس ودليل من اللغة ...»
11
وتصدى معسرة بن المنذر لتفنيد ما قاله عمارة بن الحارث في بيضة الفيل، ... لكن نهض تلميذ نجيب من تلامذة ابن الحارث وتصدى للرد على نقد معسرة! ... وهكذا تدور المناقشات وتبذل الجهود في حل مشكلات لا أساس لها! فكيف يمكن، في حكم العقل، أن ينهض مجتمع ويتقدم تضيع جهوده هباء على هذا النحو؟!
Неизвестная страница