تلمسان، وبها نشأ، وقرأ كتب التعاليم، وحذق فيها؛ وأظله الحصار الكبير بتلمسان أمام المائة السابعة، فخرج منها، وحج، ولقي أعلام المشرق يومئذ، فلم يأخذ عنهم؛ لأنه كان مختلطًا بعارض عرض في عقله. ثم رجع من المشرق، وأفاق، وقرأ المنطق والأصلين، على الشيخ أبي موسى عيسى ابن الإمام؛ وكان قرأ بتونس، مع أخيه أبي زيد عبد الرحمن، على تلاميذ ابن زيتون الشهير الذكر؛ وجاء إلى تلمسان بعلم كثير من المعقول والمنقول، فقرأ الآبلي على أبي موسى منهما كما قلناه. ثم خرج من تلمسان هاربًا إلى المغرب، لأن سلطانها يومئذ، أبو حمو من ولد يَغْمِرَاسِنْ بن زيان، كان يكرهه على التصرف في أعماله، وضبط الجباية بحسبانه، ففر إلى المغرب، ولحق بمرَّاكش، ولزم العالم الشهير أبا العباس بن البَنَّاء الشهير الذكر، فحصَّل عنه سائر العلوم العقلية، وورث مقامه فيها وأرفع، ثم صعد إلى جبال الهساكرة، بعد وفاة الشيخ، باستدعاء علي بن محمد بن تروميت، ليقرأ عليه، فأفاده، وبعد أعوام استنزله ملك المغرب، السلطان أبو سعيد، وأسكنه بالبلد الجديد، والآبلي معه.
ثم اختصه السلطان أبو الحسن، ونظمه في جملة العلماء بمجلسه، وهو في خلال ذلك يُعلِّم العلوم العقلية، ويبثها بين أهل المغرب، حتى حذق فيها الكثير منهم من سائر أمصارها، وألحق الأصاغر بالأكابر في تعليمه.
ولما قدم على تونس في جملة السلطان أي الحسن، لزمته، وأخذت عنه الأصلين، والمنطق، وسائر الفنون الحكمية، والتعليمية؛ وكان ﵀، يشهد لي بالتبريز في ذلك.
وممن قدم في جملة السلطان أبي الحسن: صاحبنا أبو القاسم عبد الله بن يوسف
1 / 41