وأسكنه تحت أَطْباقِ الثَّرى، فحلَّ مُخَيَّمَ البِلَى، كأنه سِرٌ في صدرِه، ومِن باقٍ على هامةِ الليالي تعْبَق أنفاسُ الرُّواةِ بذكْرِه، ممَّن ركِبتُ لرُؤْياه مطايَا أُمِّ عمري، أو نابتْ عنِّي في مشاهدتِه أهلُ عصْرِي، فاجتلَوتُ مُحيَّاه، أو رأيتُ من رآه، حتى طرِبتُ على الاسْتماع، وعلمتُ أن الذِّكرَى طَيفُ الاجتماع، وإذا كان الحِبُّ مَنُوع، فالصَّبّ قَنُوع، يتعلَّل ببارق ثَنَّية، وتكْفِيه لمْحةُ إشارة لمحة إشارةٍ أو تحيَّة.
فإن تمنُعوا ليلى وحُسنَ حديِثها ... فلن تمنُعوا مِنِّي البُكا والقوافِيِاَ
فهلاَّ منعتُمْ إذ منعتم حديثَها ... خَيالًا يُوافِيِني على النَّأْيِ هاديَا
فجمعتُ منها ما هو لطَرْف الدَّهر حَوَر، ولجِيد الأدب عِقْد يبْسَم منظومُه هُزْؤوا بعِقد الدُّرَر، ولكاس الأدب خِتام، ولعِقْد حُبَابه نِظام، تُذكِّر العهودَ والمودَّة وتطلع في وَجْنة الوفاة ورْدَة، وتندُب من ألْقى للبَلاء قِيادَه، وتُلبِس عليه وجْهَ الطِّرس حِدَادَه، وتسجُد الأقلام في محراب طِرسها الذي هو المحاسن جامِع، ويَودُّ كل عضو إذا تُلِيتْ أحاديثُها لو أنه مسامِع، وهي وإن كانت عِقْدًا منتثرًا دُرُّه، وأُفُقًا تبدَّد بيد الصباح زُهْرُه، ونَوْرًّا نشرتْه كفُّ الشَّمال، فانتظم على ترائِب الماءِ السَّلْسال، فلرُبَّما نُثِر العِقْد المُفصَّل، ليعود أحسنَ في النِّظام وأجْمل.
فهذه ذخائرُ من) خبايا الزَّوايا، فيما في الرِّجال من البَقايا (تنفَّس الدهرُ بها عن
1 / 11