والرياسة، قرّع نفسه وقمعها، ومنعها مما تشوفت إليه وردعها، ثم أقبل على الله بكليته فلزم العبادة والأذكار، وقيام الليل وصيام النّهار، وتأديب النفس وإذلالها للملك الجبار فألجمها بلجام الزهد، وجرّها بعنان القوى، وأجراها في ميدان والورع، وساقها بسوط الصبر، وأدخلها اصطبل الخلوة، وربطها إلى جدار التوكل، وعلفها الجوع، وسقاها الدموع، وألبسها سرابيل الذّل والخضوع، وتوّجها بتاج التبتّل والخشوع، ولم يبق نوع من أنواع الرياضة، ولا طريق من طرق السلوك إلا سلك بها مسلكه، وشرع بها في جناحه، وكلّفها بحمل أعبائه.
ولقد كان يخصف نعله، ويتكسب لأهله، وربما تظاهر بأنواع التصرفات والحرف، كحرف الفدادين والجفاة، ويلبس الصوف الخشن، ويفطر على قرص الشعير بلا إدام، ويقصد بذلك رياضة (١) نفسه وتحقيرها وتصغيرها، وردعها وتعريفها بمنزلتها عنده.
وهذه أبيات له ﵁ إلى السيد الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى، وقد أنفذ إليه بمسائل (٢) في الإمامة وغيرها، وكان يومئذ مقيمًا بـ «ثُلأ» (٣) فلم يجب عليه، فكتب في ذلك إليه.
أعالمنا هل للسؤال جواب ... وهل يروي العطشان (٤) منك عباب
إلى آخرها تركتها اختصارًا.
_________
(١) في نسخة: «إذلال».
(٢) في «تاريخ بني الوزير»: (ق/٣٧ب) «سأله عن خمسة وعشرين سؤالًا».
(٣) بالضم مقصور، من حصون اليمن. انظر «معجم البلدان»: (٢/ ٨٢).
(٤) في «تاريخ بني الوزير»: «الظمآن».
المقدمة / 45