قال أحمد: إن الجزء الحساس فينا هى النفس؛ وظاهر أنه كثيرا ما تألم وتعترضها العوارض؛ وذلك لا يكون إلا بمداخلة؛ و〈أما〉 العقل فإنه لا يشاركه فى ذاته ضد. وقد اعترض الفوثوغوريون على الفيلسوف فى ذلك وقالوا إن الجهل والحمق فى العقل كالألم فى النفس — فكان من جواب الفيلسوف لهم فى ذلك أن الجهل والحمق نفى العقل، وليس الألم نفى النفس، ولا يداخل الإدراك العقلى العمى الجهلى، كما يداخل النفس الألم المؤذى. ولا يجوز على النفس النفى كما يجوز على العقل، لأن نفى النفس الموت وبطلان البنية، وليس فى نفى العقل ذلك. وصحة هذا القول قد اشترك فيه العامة لظهوره ووضوحه فضلا عن الفلاسفة، فقد يقولون للرجل: لا عقل له، ولا يقولون: لا روح له.
قال أفلاطون: واتخذ النفس لتدبره، ولا لحاجة.
قال أحمد: لما أخبر فيما تقدم من قوله إن العقل خلق النفس لتصيره مركبا، ومن رأيه أن العقل مدبر غير محتاج، أراد أن يظهر رأيه فى ذلك ويعلمنا أن العقل لا يحتاج إلى حامل كما تحتاج الطبيعة والأشياء المحسوسة. ولكن أخرج اسم المركب هناك على الاستعارة ونسق الكلام.
قال أفلاطون: وكيف يكون ذلك، والنفس التى هى من أجل العقل غير محسوسة بل معقولة؟!
قال أحمد: قد تعلم أن ما يحتاج إلى الحامل الجوهر المحسوس المركب. فالنفس التى هى فعل العقل غير محسوسة، وهى حاملة لما تحتها، أعنى به الطبيعة. فكيف ترى يكون العقل؟!
قال أفلاطون: والنفس ترى ولا ترى، وهى دائمة الحركة، ومن أجلها الطبيعة.
قال أحمد: قد اختلف العلماء أيضا فى هذه الدرجة، فقال فريق منهم إن الطبيعة هى النفس المتراكمة فى التركيب. وقال فريق — وهم الجمهور وفيهم أفلاطون — إن النفس اقتدت بالعقل فى الفعل. وأرادت أن تحدث أيضا فأحدثت الجوهر البسيط، وهو ينقص فى الفضيلة عن النفس كنقصان النفس عن العقل.
قال أفلاطون: فالبسيط للطفه حساس.
قال أحمد: إن هذا الجوهر لما خلا من التركيب والتفاوت وكان مناسبا للنفس مشاكلا له — وجب أن لا يخلو من الحس.
قال أفلاطون: وأول التركيب فريون.
Страница 202