Мусульманские путешественники в средние века
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
Жанры
بل أشار أسامة في كتابه إلى أن بعض الصليبيين تأقلموا في الشام، وعاشروا المسلمين وتطبعوا بطباعهم، وكانت بينهم وبين المسلمين علاقات طيبة قال أسامة: «فمن ذلك أني نفذت صاحبا إلى أنطاكية في شغل. وكان بها الرئيس تادرس بن الصفتي
Theodorus Sophianos
وبيني وبينه صداقة، وهو نافذ الحكم في أنطاكية فقال لصاحبي يوما: «قد دعاني صديق لي من الإفرنج. تجيء معي حتى ترى زيهم؟» قال: «فمضيت معه، فجئنا إلى دار فارس من الفرسان العتق، الذين خرجوا في أول خروج الإفرنج، وقد اعتفي من الديوان والخدمة، وله بأنطاكية ملك يعيش منه، فأحضر مائدة حسنة وطعاما في غاية النظافة والجودة. ورآني متوقفا عن الأكل؟ فقال: «كل طيب النفس، فأنا ما آكل طعام الإفرنج، ولي طباخات مصريات ما آكل إلا من طبيخهن ولا يدخل داري لحم الخنزير، فأكلت وأنا محترز وانصرفنا.»
وقد وصف أسامة في «كتاب الاعتبار» ما شاهده في مصر من الأحداث فيما بين سنتي (539-549ه/1144-1154م)، فتحدث عن وصوله إليها في عصر الخليفة الفاطمي الحافظ لدين الله وعما وقع فيها من الفتن بسبب ثورات الجند، والنزاع القائم بين الخلفاء والوزراء. ولتفاصيل هذه الأخبار شأن تاريخي كبير؛ لأن أسامة ساهم في بعض تلك الأحداث وقام بمهمات سياسية لطائفة من الأمراء. ومن طريف ملاحظاته عن إقليم الطور أنه كان ولاية مصرية بعيدة، وأن الخليفة الحافظ لدين الله كان إذا أراد إبعاد بعض الأمراء ولاه الطور. •••
أما الباب الذي عقده أسامة في ذلك الكتاب الكلام على الصيد والطرد فيشهد بأن هذا اللون من الرياضة كان جد شائع ومستحسن في الشرق الإسلامي حينذاك، وهو جليل الشأن لأن أسامة كان من أسرة أصابت في الصيد مهارة ودربة، وقد أتيح لأسامة نفسه أن يصحب في الصيد الأمراء المسلمين في سورية والجزيرة ومصر. فدون في كتابه شيئا كثيرا في شأن الصيد بالبزاة يرمونها على الطيور، ويدقون الطبول فتتصيد منها ما تصيد. وكتب في صيد الحيوان ولا سيما الذئب والضبع والأرنب والغزال وحمار الوحش والثعلب والخنزير. ووصف أسامة أساليب الصيد عند المسلمين وصفا دقيقا. وذكر بعض النوادر التي تدل على عنايتهم به وعلى أن بعض المولعين بالصيد كانوا يرسلون إلى مختلف الآفاق في طلب البزاة وغيرها من طيور القنص. وكان التعاون صادقا بين المسيحيين والمسلمين في هذا الميدان؛ فكان الروم في القسطنطينية والمسيحيون من الأرمن يرسلون البزاة والكلاب إلى أصدقائهم من هواة الصيد في الشرق الإسلامي.
وكان أسامة يحترم المرأة ويعنى بأحوالها فألف كتابا في «أخبار النساء»، وروى في «كتاب الاعتبار» قصصا كثيرة تشهد بما قام به بعض النساء من أعمال البطولة. ولعل هذا جانب من الفروسية ونزعة الأرستقراطية عنده. والحق أن هذه النزعة الأرستقراطية كانت لا تفارقه حتى في حضرة الملوك والأمراء. فقد روى في «كتاب الاعتبار» أنه شهد يوما الصيد مع الملك العادل نور الدين وسأله هذا أن يصلح الباز، فرفض وأظهر نور الدين عجبه من أسامة يقضي عمره بالصيد ولا يحسن إصلاح الباز، فأجاب أسامة: «يا مولاي، ما كنا نصلحها نحن، كان لنا بازيارية وغلمان يصلحونها ويتصيدون بها قدامنا.» •••
ومما حدث لأسامة في بعض رحلاته أن وقع وهو رفاقه أسرى في يد الصليبيين، وفقدوا ما كانوا يحملونه من المال والمتاع، ولكن أسامة لم يأسف على ذلك كله أسفه على ضياع كتبه التي نهبوها، وعددها أربعة آلاف مجلد من الكتب الفاخرة، وقال في ذلك: إن ذهابها كان حزازة في قلبه ما عاش.
4
ومن طريف ما يستنبط من إحدى القصص التي رواها أسامة في «كتاب الاعتبار» (ص115) أن استئجار الندابات للندب في المآتم كان معروفا في القرن الثاني الميلادي كما هو معروف اليوم.
وكان أسامة، مثل الهروي السائح، مغرما بكتابة اسمه أو تقييد بعض خواطره في الأمكنة التي ينزل بها، على نحو ما يفعل بعض السياح في العهد الحاضر. من ذلك الأبيات الآتية، وقد كتبها على حائط مسجد في حلب، وكان قد زار المسجد قبلا في طريقه إلى الحج:
Неизвестная страница