174

أذاع حضرة «صاحب العزة أحمد صديق بك» مدير مصلحة السياحة في مؤخرات الشهر الماضي حديثا قيما، رمى فيه إلى حض المصريين على اتخاذ المصايف المصرية، وإيثار بلادهم بالأموال الجليلة التي ينفقونها في البلاد الأجنبية في كل عام، وقد قدر هذه الأموال بأربعة ملايين من الجنيهات!

وقد عرض في حديثه لمنشأ هذه البدعة بدعة خروج المصريين إلى البلاد الأجنبية لسلخ ما يتهيأ لكل منهم سلخه من أيام الصيف، وعلى وجه الخصوص في أوروبا، ورد هذه البدعة التي استحالت عادة إلى أن مصر لما كانت داخلة في ملك الدولة العثمانية، كان من المتعين على الحكام وأصحاب الأخطار في البلاد أن ينتجعوا الفينة بعد الفينة مثوى الخلافة للأغراض المختلفة، وإذا كان جو القسطنطينية لا يوائمهم في الشتاء، فكان من المعقول أن يحرروا فصل الصيف لهذه الهجرة، فجو الآستانة فيه جميل وهواؤها عليل، وجرى من دون هؤلاء على سنة هؤلاء بحكم المحاكاة والتقليد، ثم تحولت دفة المهاجرين شيئا فشيئا إلى بلاد الغرب، حتى بلغت عدتهم عشرات الألوف في كل عام، وأصبح ما ينفقونه يعد بالملايين، وما أحوج بلادنا إلى هذه الأموال، وخاصة في هذه السنين!

ولقد حمل الأستاذ صديق بك حملة صادقة على أولئك الذين يهجرون بلادهم في مطلع كل صيف، شادين الرحال إلى أوروبا في غير حاجة تدعوهم إلى ذلك من طلب علم أو استقصاء بحث، أو تحريك تجارة، أو إنماء صناعة، أو غير ذلك مما يخرج الناس من ديارهم، ويضرب بهم في غيرها من بلاد الله.

وإنني أؤيد حضرته بكل ما أملك من يقين، وأؤكد أننا إذا استثنينا طلاب العلوم والفنون وبعض الأساتذة والأطباء، لا نصيب أكثر من واحد في كل مائة من هؤلاء الذين يطلبون أوروبا في كل عام، وهذا على أسخى تقدير.

أقول: لا نصيب أكثر من واحد في المائة يضطره أي أمر من أمور الدنيا أو الآخرة إلى تلك البدعة التي تستهلك هذه الأموال في كل عام.

أربعون ألف مصري يطلب أكثرهم أوروبا في صيف كل عام، إذن فتعالوا نتحاسب ولنكن في حسابنا حق صرحاء وحق صادقين.

كم مصريا في العام يمضون إلى أوروبا ليستقصوا بحثا يفتح في العلم أو الفن فتحا، وينقض بعض القواعد المسلمة فيهما نقضا، ويطيرهم العلماء في شرق الأرض وغربها كل مطير! العفو!

ثم كم مصريا من هؤلاء الأربعين ألفا يطلبون أوروبا ليفتحوا بين يدي التجارة المصرية أسواق الغرب، فلا تلبث حتى تغزوها غزوا، وتدفع ما سواها من التجارات دفعا؟ العفو؟

ثم كم مصريا بين هؤلاء الأربعين ألفا من يشخص إلى الغرب لينقل عنه إلى بلاده أدق الصناعات وأفخمها، بحيث لا تستغني بصنع أيديها عما يرد إليها من الغرب والشرق فحسب، بل لتغمر بهذه الصناعة الأسواق في غيرها من البلدان؟ العفو أيضا؟

ثم كم مصريا في أولئك الأربعين ألفا من تعاصت علته على جمهرة الأطباء في مصر وطنيين وأجانب، حتى حلفت الطبيعة بكل مؤثمة من الأيمان، أن هذه العلة لا برد لها إلا في فيشي أو إكس ليبان؟

Неизвестная страница