Утешение глаз в избранных Ливана
قرة العين في خريدة لبنان
Жанры
ولما وصل حنا إلى تلك البلاد كان عدد البيض دون القليل، فلذا قبلته الشركة مع الشكر ودفعت له راتبا مهما، وعلاوة على ذلك كانت تعطيه خمس الألماس المهرب الذي يكتشف عليه، ولما كان قنوعا في معيشته، صادقا في خدمته، مجتهدا في أعماله لم يلبث أن جمع كمية من المال وافرة، وقد كان حاصلا على ثقة واعتبار مخدوميه وحب العبيد المشتغلين تحت إمرته، وليس من طبعهم حب البيض.
ولما ثار العبيد كان هو من النزر القليل الذين سلموا، وبقي بيته سالما محفوظا على حين أن منازل مديري الأشغال والمستخدمين أحرقها الثائرون، ولما هدأت الخواطر وكان عنده رأس مال مهم عزم على الشغل لحسابه، فاشترى قرب المدينة أراضي مهجورة وبعد الكد ومعاناة الأتعاب أسعده الحظ بالاكتشاف على معادن ذهبية.
ولم تمض سنوات قليلة حتى أصبح من أرباب الملايين، وكانت نفسه لا تزال تحن إلى بلاده، فترك أشغاله وجمع ما عنده من المال وقفل راجعا إلى سورية، وقد مضى عليه شهر كامل في ضيعتنا هذه مسقط رأسه، وفيها جمعته الأيام بخطيبته أنيسة الضريرة التي صبرت على الفراق أكثر من عشرين سنة، أما باقي القصة فستعلمانه اليوم ...»
12
كان الدكاني يسرد على الشابين تلك الأخبار مع التفاصيل وهو يلهث تعبا، وما أتى على آخرها حتى أعياه الجهد، لكن رفيقيه لم يقنعا بما ذكر، بل طمحت أبصارهما إلى غير ذلك من ملحقات الحديث، فسأله أحدهما قائلا: على أنك يا عم نسيت أن تخبرنا عن العلاقة بين قصتك وصورة نبوليون المتعلقة على جدار دكانك.
فأجاب قائلا: الحق معك، فاعلما أن حنا الطويل دفع لي ثمنها كمية من الدنانير، ولا يزال كما أخبرتكما يدفع لي ثلاثين ليرة في السنة على شرط أني أبقيها كما كانت - فيما مضى - قبل سفره، وكما رأيتماها في محلها، فإنه تقر عينه بمرآها، وتطيب نفسه بذكر الأيام السالفة.
ولا يخطرن ببالكما أنه اكتفى بما أحسن إلي، بل عم فضله الجميع، وليس حنا الطويل أول مسافر عاد إلى بلاده، فإن كثيرين بعد أن جمعوا المال رجعوا إلى ضيعتهم، ولكن لم يهتموا بغير نفسهم فاشتروا الأراضي وبنوا البيوت الفاخرة، أما حنا فإنه فعل ما لا ننساه على طول الزمان، لا شك أنكما رأيتما أساس بناء عند مدخل الضيعة فهذا مستشفى يبنيه للمرضى، ومأوى للشيوخ العجزة، وهو عازم على تشييد مدرسة للصبيان وأخرى للبنات.
ومع ما هو عليه من الغنى الوافر لا تراه يتعجرف أو يزدري بأحد، بل يتكلم مع الصغير والفقير بكل لطف، ويسلم على الجميع بكل رقة، وخلافا لكل الذين يرجعون من البلاد لم يأخذ عن الأوروبيين إلا العوائد الحسنة، وهو يقوم خير قيام بواجباته الدينية ويحضر الذبيحة الإلهية كل أحد وعيد ويصلي بحرارة، كأنه لم يخرج من ضيعتنا.
وبعد أن اهتم بكل الناس افتكر في نفسه فاشترى بيت مصيف كان بناه أحد تجار بيروت وسينتقل إليه مع أنيسة وعائلة الحائك سركيس التي تبنى كل أبنائها، ولم يغفل عن الحفار فارس، بل أعطاه مالا كثيرا.
واليوم يعقد له الإكليل على أنيسة، وهذا عيد عظيم لأهل الضيعة، والبرهان على ذلك أنهم سيذبحون عشرة خراف، وفي هذا الصباح سيحضر حنا قداسا احتفاليا ليشكر الله على نعمه الجزيلة نحوه ...
Неизвестная страница