عند ذلك تركني وانصرف!
وأقسم والدي جهد أيمانه إن لم أنزل على إرادته ليحرمن إخوتي من ميراثه، وليحرمن أمي من كل نفقة. وأبلغ خالي ذلك إلى أمي فاضطربت له أشد الاضطراب، وطلبت إلى أخيها أن يسكن روع أبي حتى ترى رأيها في الأمر.
وبعد أيام، أقبلت أمي، وخلت إلي، وأخذت تعظني أن أنزل على رأي أبي، شفقة عليها وعلى إخوتي!
ولأول مرة في حياتي، ثرت بها، واتهمتها والدموع تنهل من عيني، بأنها تريد أن تحطم سعادة حياتي حرصا على ميراث أبي!
وأقبل المساء وقد يئست أمي، كما يئس أخوها من قبل. وإنا لننظر من النافذة، إذ رأيت خالي يقبل متأبطا ذراع زوجي، وهو يتمايل وقد بدا عليه أثر الشراب. ورأيت من ورائهما أبي والمأذون يسير إلى جانبه!
وأسرعت أمي حين رأتهم مقبلين، فهبطت الدرج إلى الطابق الأول، وأيقنت أنا أن في الأمر تدبيرا، وأنهم أبلغوا زوجي أنني لم أعد أريد البقاء على ذمته. فصعد الدم إلى رأسي، وقلت في نفسي: «لأفسدن تدبيرهم!»
وانسبت إلى غرفتي، وأوثقت رتاجها، ووضعت وراء الباب كل أثاثها، واستنفد ذلك مني جهدا شاقا. فلما أتممته، ارتميت في سريري منهكة القوى محطمة الأعصاب، أبكي بكاء الطفل، وأسأل نفسي: كيف يتآمر أبواي علي ... أبي تنفيذا لما يسميه وصية ابنته المتوفاة، وأمي إشفاقا على عيشها أو على ميراث أبنائها؟!
ثم إني رحت في غيبوبة لا أعي شيئا مما حولي!
وعلمت من بعد، أنه لما اكتمل جمع القوم الذين حضروا للقضاء على حياتي وحبي، كرر زوجي أنه يريد أن يسمع مني أنني لا أريد البقاء على ذمته، فوقفت أمي على باب الغرفة التي اجتمعوا فيها ملثمة الوجه، وقالت في صوت متهدج، وكأنني أنا التي أتكلم: «أنا لا أريد البقاء على ذمة زوجي.»
وقال الشاب وهو في نشوة شرابه: «ليس هذا صوتها فإن كانت هي التي قالت فهي طالق!»
Неизвестная страница