أخبرني أنه ولد آخر سنة ثلاث وستمائة، وهو من أشهر بيت بالموصل وأقدمه. وكان يقول الشعر منذ كان حدثًا، وطاوعه طبعه في نظمه، ورزق منه حظًا لم يرزقه أحد من أبناء جنسه وأقرانه.
ورحل عن الموصل سنة إحدى وعشرين وستمائة إلى بلاد الشام، وسكن دمشق واتصل بالملك الناصر صلاح الدين أبي المكارم داود بن عيسى بن أبي بكر بن أيوب سلطانها، وصار من جملة شعرائه، وأخص جلسائه ومدحه بعدة قصائد واكتسب منه رزقًا صالحًا، وسار في صحبته إلى الديار المصرية.
ثم فارق خدمته سنة إحدى وثلاثين وستمائة، ينتقَّل في البلاد ويمدح الملوك، وكبراء الأنام، وحظُّه فوق شعره.
شاهدته بالموصل سنة اثنتين وثلاثين وستمائة شابًا جميلًا، وأنشدني لنفسه يمدح المالك الملك الرحيم بدر الدنيا والدين عضد الإسلام والمسلمين أبا الفضائل حسام أمير المؤمنين – أعّز الله أنصاره وشيّد فخاره – من /١٩٥ أ/ قصيدة مطلعها:
[من الطويل]
إلى م السُّرى هل مطلع الشَّمس قصدنا ... فقلت لها بل قصدنا مطلع البدر
إلى ملك لولا مواهب كفِّه ... لظلَّ بنو الآمال عن منهج البرِّ
مليك إذا ما المزن ضنَّ بدرِّه ... يجود علينا مزن كفَّيه بالدُّرِّ
قريب النَّدى في السِّلم من كلِّ وافد ... بعيد المدى في الحرب من كلٍّ ذي غمر
فما حجبت أبوابه دون سائل ... ويحجب في يوم الوغى بالظُّبا البتر
جزيل الجدى مردي العدا موضح الهدى ... بعيد المدى داني النَّدى وافر الوفر