الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (٤٥)﴾ [الإسراء: ٤٥]، فوقفت على أبي بكر، ولم تر رسول الله ﷺ، فقالت: يا أبا بكر! إني أخبرت أن صاحبك هجاني، فقال: لا ورب هذا البيت، ما هجاك، فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها (١)، وقال ﷺ: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم؟! " قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: "يشتمون مذممًا، وأنا محمَّد، ويلعنون مذممًا، وأنا محمَّد" (٢).
عباد الله! كفار مكة يؤذون رسول الله ﷺ بألسنتهم فهذا يقول: إنه ساحر، وهذا يقول: إنه كاهن، وهذا يقول: إنه كذّاب، وهذا يقول إنه شاعر، والنبي ﷺ يضيق صدره بما يقولون، ويحزن على ما يسمع منهم، وعلى كفرهم وإعراضهم، ولكن الله ﷿ ربط على قلبه، فكان الوحي ينزل عليه يواسيه ويعزيه ويسدده ويثبته، ويؤكد له أن العاقبة له:
قال تعالى: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣)﴾ [الأنعام: ٣٣].
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)﴾ [الحجر: ٩٧ - ٩٩]، وقال تعالى: ﴿فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٦)﴾، وقال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ