رشيد
طفل في الخامسة والثلاثين من عمره. ربته «الماما»، وقد تتخيله في الثمانين، يلاعب صبيان الحي بالكلل، ويستنجد «بالماما» إذا خطفوا له كلته الزرقاء. عقل عصفور في جسم عجل. مغصوص الصوت، أهم أعماله اليومية ثلاث «وقعات» هائلة، يأكلها في اليوم الواحد.
بالطبع، يضيف إلى أفأفته محاولة تقليم أظافره بأسنانه. يقال إن شعره يقص مرة بالشهر. ولكنها إشاعة، تنفيها المظاهر.
هدى الحمصي
أم طعان وسارة، هاجرت «وادي الأرز» مع زوجها بعد واقعة «السنديانة» الشهيرة، التي قتل بها أبو وسيم، إذ نضبت الأموال في الضيعة، لكثرة مصاريف المحاكمات، وصارت العيشة جهنما، وهدى خائفة أبدا من أم وسيم، تخنق هدى بغدائرها، فلما وصلت «غرانبلا»، ووجدت أن النساء هناك مقصوصات الشعر، رمت بغدائرها فرحة، كأنما هي رمت بحبال مشنقتها. قوية الجسم نحيلته، ليس فيها من الذكاء شيء. متقلبة الآراء، مدهوسة الثياب، معدومة الأنوثة. الظاهر أنها لم تحسن رباط بعض ألبستها الحميمة، فهي دائما تنهض تنورتها.
بغضها لبيت الحموي عظيم، ولكن الهجرة لطفته، فهو جمرة صغيرة، تكاد تنطفئ تحت كومة رماد. ضعيفة قوى النفس في كل جهاتها، إذن فلا تعجبن من ميعان مقاصدها، وتناقض أفعالها.
المهاجرون: (1-6)
البشر أرقام وأصفار، وماذا تنتظر من مستعمرة لبنانية في المهجر، فيها أرقام ضخمة؛ كالدكتور نجيب ، وفرج الله، وسارة، وراجي، ووسيم، وشمدص؟! أن يبقى فيها إذا استعرضتها إلا الأصفار، يشبه الواحد الآخر، كما تشبه حبة الفول حبة الفول! تراهم في ليلة العيد يتعمدون اللهو، وأين المرح الطلق الصافي من نفوس تتكالب على الرزق سبعة أيام في الأسبوع، وست عشرة ساعة في النهار! ولا تنس أنهم مضاربون، بعضهم لبعض أعداء كار. يتوهمون أن كل ريال يربحه الآخر مختطف من يد مواطنه، يعرفون أنهم أغراب عن موطنهم إذا عادوا إليه، أغراب عن مهجرهم، وهم مقيمون فيه، وليس لهم من وطن صحيح إلا هذه الوحدة في الأذواق، التي تلتقي في أمور سطحية من مأكل ومشرب، ومغنى. ولا تزد على هذا، فقد يتمزق الكيس، وتتذرى حبوب الفول، وتتباعد إلى حيث يستحيل جمعها ثانية.
شمدص جهجاه
يغطس في الماء فلا يبتل. شمدص ليس له في الدنيا عدو، ومن ليس له عدو ففي الغالب ليس له صديق. شمدص صديق الناس أجمعين، ولكن لنفس شمدص حدودا لا يتخطاها بشر، صاحب مروءة إذا كانت المروءة لا تكلف عملة. لا يقرض ولا يستدين. يصل إلى الأمور بدون أن يتخيلها. عدته تجارب اكتسبها في لبنان يوم كان يكاري على بغل شموس اسمه «زهران»، في بلدة ساحلية، يحمله الجرار والأباريق الفارغة من معمل الفخار في «خلدة» إلى «صيدا». وكان يقول: «من عرف أن ينقل الفخار سالما على بغل شموس مثل «زهران»، فقد عرف أن يفعل أي شيء في الحياة.»
Неизвестная страница