إلى المخرج
ليس أدعى إلى التفاهم من الصراحة، فأخبرك فيما يقرب الوقاحة أنني أمقتك. إن بيني وبينك من البغضاء الغريزية ما بين الأم وصهرها. تحدث الأم نفسها فتقول: هو ذا النفس التي انبثقت من نفسي، والتي ربيتها بدموعي وتنهداتي، وغمرتها بحنوي؛ يقصيها عني غريب. ويقول الصهر: هذه حبيبتي التي اخترتها من بين فتيات الدنيا، تحاول امرأة أنانية خرقاء أن تحتفظ بها دوني. هكذا أنا ألد هذه الدرامة، وأنت تتمتع بإخراجها، وهي طوع يديك، وليس لي بعد طبعها أمر ولا نهي.
أفهمت لماذا أبغضك؟
ولكن هذه القرابة بيننا قد فرضتها الطبيعة علينا، فلنحاول إذن أن نكون صديقين.
لك أن تتمدد باسمك على برنامج الحفلة قرب اسمي، وليكن بطوله وعرضه. فأنت شريكي في هذا الجهد الأدبي، لك قسمة النجاح، وعلى رأسك نصف عاقبة الفشل. لا أحسدك على مكانك؛ إذ إنك في مأزق أصعب من مأزقي. أنت تواجه قضاتك، وسيقرأون حكمهم عليه بحيث تسمعه. أما أنا، فأتلقى الحكم غيابيا، فهكذا يتضاعف عليك ألم الفشل، أو حلاوة الفوز، ولقد بعتك نصف الأمل بالفوز، بنصف الخشية من الخذلان. ارفع الستار عن سريرتك، واعترف أنك في باطن قلبك تكرهني، وتستخف بإنتاجي، وتعتقد بتفوقك علي. أنا من رأيك، فلا ريب أنك أخبر بالدرامة مني، وأن قلمك أكتب من قلمي. رجوتك إذن أن تتفضل وتخلق لنفسك درامة، من غير أن تشوه كتابي، فكل حرف في روايتي هو قطعة من روحي، فلا تعذبني ببتر حرف منها، وارفق بي، فلا تغير ولا تبدل فيها شيئا. لا تحاول تطبيبها، فهي صحيحة في عيني. أنا ولوع بالأحباء أولادك - حفظك الله وحفظهم - غير أني لا أود أن أتبناهم، فارحمني ولا تسندش أيتام أفكارك بين أبناء فكري وبناته. إن جمعية «الرفق بالأبالسة» هي جمعية نبيلة الغاية، من المروءة أن تتبرع لها بريع حفلة التمثيل، ولكن افعل ذلك سرا، ولا تذعه، فإني أريد من القوم أن يدفعوا ثمن تذكرة الحضور عن شوق؛ لمشاهدة «نخب العدو»، وثقة منهم أن أجرة الدخول تساوي لذة مشاهدتها، فلا أريدك أن تقول للناس: تبرعوا بمالكم للمشروع الفلاني، وهذه «نخب العدو»، تنكة، أجمع بها إحسانكم.
كذلك، أنا معجب بالآنسة مرتا - مدموازيل مارغو - البولاقي، وأتشنج نشوة إذ أسمع صوتها الملائكي، وأذوب طربا لعود الأستاذ جاد الله البحناوي، ويغمى علي ضحكا لطقطوقة صديقينا «حويشان وزيدي»، فأرجوك أن تقيم لهؤلاء الفنانين النابغين حفلة خاصة، يعرضون بها بضائعهم، واترك ليلة «نخب العدو» ل «نخب العدو».
تمنطق بمتراليوز، وتأبط رشاشة النار، فإذا نهض شاعر المدينة، وبلبل المغردين «صديقنا» سلوم الأندبوري، وارتجل بضعة أبيات تناسب المقام، فلقمه النار، وازرع بالرصاص جسده، ودمه في عنقي. زين المحفل بالألوية والأزهار، ولتشع في جوانبه الأنوار، وليكن مستقبلوك فتيانا عتاليت
3
بسامين، ولتعزف الأوركسترا حينا بعد حين، واخلق في القاعة جوا فرحا، كأن القوم في مهرجان، إذ لو قطب الجمهور لكان في عبوسهم مأتمك ومأتمي.
لا تضرب بالعصا على المسرح قبل رفع الستار، بل اخترع لحنا عسكريا هزليا، ينفخ من بوق قبل أن يسفر برفع المسرح عن مشاهدك. حذار القنابل حذار! فلا تنطق ممثليك بلهجات خاصة؛ إذ إن «نخب العدو» هي سلسلة عقد كفاح بين أشخاص، وفئات، ومبادئ، ومواقف، فلا تفسحن للئيم أو جاهل يقول: لقد أردتني، أو أردتنا بذلك الشخص أو تلك الكلمة.
Неизвестная страница