قولهُ: (لخصتُ) (١) إنْ قيلَ: تأكيدهُ بـ «أجمعَ» يدلُّ على أنّهُ لم يحذفْ منهُ شيئًا، معَ أنّهُ قد حذفَ كثيرًا مِنَ الأمثلةِ والتعاليلِ، قيلَ: حقيقةُ التلخيصِ أنْ يستوفي مقاصدَ الكتابِ الملخصِ بكلامٍ أوجزَ، فربما توهمَ أنّهُ إذا قال ابن الصّلاحِ، أنَّ المرادَ معظمُ كتابهِ (٢)، فأكدَّ بـ «أجمعَ»؛ ليدلَّ على أنّهُ لم يحذفْ مِنْ مقاصدهِ شيئًا، وإنما كانَ يردُ عليهِ لو قالَ: اختصرتُ؛ لأنَّ الاختصارَ أعمُّ مِن التلخيصِ، فتارةً يكونُ اقتصارًا على بعضِ الأصلِ معَ استيفاءِ المقاصدِ كالتلخيصِ، وتارةً مع حذفِ بعضِ المقاصدِ (٣)، وتارةً يكونُ موفيًا بجميعِ الأصلِ مِنَ المقاصدِ، وغيرها (٤) بكلامٍ وجيزٍ، فإذا قالَ: اختصرتُ كانَ مترددًا بينَ المعاني الثلاثِ (٥)، فإذا أكدَّ بـ «أجمعَ» اختص بالثالثِ (٦)، وهو أنّهُ لمْ يحذفْ شيئًا مِنْ معانيهِ، لا مقصدًا، ولا مثالًا، ولا غيرهما.
قلتُ: هذا العرفُ، وكلامُ أهلِ اللغةِ لا يأباهُ.
قالَ ابنُ فارس في "المجملِ": «لخّصتُ الشيءَ: إذا بينتهُ في كتابةٍ، أو غيرها» (٧).
وقال الفارابي في "ديوانِ الأدبِ" في بابِ التفعيلِ: «لخّصَ القصةَ، أي: شرحها». وقالَ عبدُ الحقِّ (٨) في كتابِ " الواعي في حديثِ عليٍّ ﵁ ":
_________
(١) التبصرة والتذكرة (٦).
(٢) في (ك): «ابن الصلاح».
(٣) عبارة: «وتارة مع حذف بعض المقاصد» لم ترد في (ك).
(٤) عبارة: «من المقاصد وغيرها» لم ترد في (ك).
(٥) في (ك): «المعنيين».
(٦) في (ك): «الثاني».
(٧) مجمل اللغة مادة (لخص).
(٨) هو أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمان الإشبيلي، المعروف بابن الخراط، له مصنفات منها: الجمع بين الصحيحين، والأحكام الوسطى، والرقاق، والواعي في حديث علي ﵁، وغيرها، توفي سنة (٥٨١) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء ٢١/ ١٩٨، وشذرات الذهب ٤/ ٢٧١.
1 / 67