قلت، فمشرف دُكَّالة اللحائي؟ قال: أمين، وذخر ثمين، وشمال للنصيحة ويمين، أي صدر سليم، وتفويض وتسليم، وسَرْوٌ عميم، ومَرْعى للفضل جميم، يَقْنَعُ بالمُصَاصة ويؤثر على الخصاصة، ويحافظ على القُلامة والقُصاصة، قلت) بياض (قال: لفظ بلى معنى، وشجر بلا مَجْنَي، مَرُوَّتُهُ سقيمة، وسَرَوَاتُه عقيمة، مدين، الحرمان له خدين، لا يُحمد قِراه، ولا تُمْسِك البُلالة ثراه، وإن تسمع بالْمُعَيْديِّ لا أن تراه. قلت: فالغفاري بمَرَّاكُش. قال: حُمول الكلفة، كثير الألفة، أخلاقه وَطِيَّة، وهو قَعود ذَلولٌ ومطية. قلت فالوالي الكبير محمد بن أبي العلي؟ قال: سورة الفضل والكمال، ومعنى الجلال والجمال، وسيف الجباية والمال، وحجُّ العفاة وكعبة الآمال، العَفّ الإزار، ذو المواهب الغزار، ما شئت من حياء ووقار، واهتضام للعرَض الأدنى واحتقار، يَهبُ الجزيل، ويكرم النزيل، ويحكِّم السنة والتنزيل، اسم لو سبق الزمانَ زمانُه، وانتظم في سلك العهد المتقادم جُمانه، لَمَا كان لكعب من عُلُوِّ كعب، ولا ساعد ابن سُعدى ذكر، ولا أُعْمِلَ في مدح هرم بن سنان فكر، ولَطُوِيَ حاتم طيئ فلم تأخذه يد النشر إلى الحشر، ولا عُمِلَت في أخباره يد الإضراب والبَشْر، فهو العامل العالم، والعادل الذي تُكَفُّ به المظالم، والبحر الذي ما دونَه بُلالة، والكفاية التي ما سواها عُلالة:
مَدَحْت الوَرَى قَبْلَهُ كَاذبًا ... وما صدَقَ الفجرُ حتى كَذَب
فإن طرقتَ منزله هشَّ ورحب، وتبسط جالبًا للأنس وتسحب، وحكَّم كمالَه، وألقى قبل الوسادة ماله، فهو حسنة الدولة الغراء، وطِرَاز حُلَّتِها السِّيَرَاء، وحديثها المنقول، وصفيحها المصقول، ولله درُّ الذي يقول:
سَلِينِي عَنِ النَّدْبِ وَالِي الوُلاَة ... فإنِّي عَلَى وَصْفِهِ قَادِرُ
مُخَدَّرَةٌ في سَبِيلِ الحَيَاءِ ... ويَوْمَ الوَغَى أسدٌ خَادِرُ
ولما بلغ هذا الحد كأنما كان ثوب الحديث على جسد الرحلة مقدودًا، وعدده مع أميالها المحسوبة معدودًا، أتى السير منه على القواعد والفروق، وانتهب عمر الليل إلى الشروق وكان آخره بباب المحروق، وجعل كلٌّ وَجْهَه إلى داره، وعاد إلى مركزه عَقب مداره، وعَلِق بقلبي كلامُه، فاستقر في اختزانه، فأنا أزن القوم بميزانه، والله يتغمد ما يُوَاقُعه العبد من هفوة لسانه، ويغَطّي الإساءة بإحسانه.
ومن المنظوم الصادر لهذا العهد، ما خاطبت به المقام السلطاني المستعيني في غرضي المعروف:
عن بابِ والِدِكَ الرِّضَا لا أبْرَحُ ... يَأْسُو الزَّمانُ لأجْلِ ذَا أَوْ يَجْرحُ
ضُرِبَتْ خِيَامِي في حِمَاهُ فصِبْيَتي ... تَجْني الجَمِيمَ بِهِ زَبَهْمِي تَسْرَحُ
حتَّى يُرَاعَى وَجْهَهُ في وِجْهَتِي ... بِعِنايَةٍ تَشْفِي الصُّدُورَ وتَشْرَحُ
أَيَسُوغُ عن مَثْواهُ سَيْرِي خائِباَ ... ومنابِرُ الدُّنْيَا بِذِكْرِكَ تَصْدَحُ
أنا في حِماهُ وأنتَ أبْصَرُ بالَّذي ... يُرْضيهِ مِنْكَ فَوَزْنُ عَقْلشكَ أَرْجَحُ
في مِثْلِها سَيْفُ الحَمِيَّةِ يُنْتَضَى ... في مِثْلِها زَنْدُ الحَفِيظَةِ يُقْدَحُ
وعَسَى الذي بَدأَ الجَمِيلَ يُعِيدُه ... وعَسَى الَّذِي سَدَّ المّذَاهِبَ يَفْتَحُ
وخاطبت السيادة الخطيبية في الغرض المذكور بما نصه:
بَرِئْتُ للهِ مِن حَوْلي ومِن حِيَلِي ... إنْ نامَ عَنِّي وَلِيِّ فَهُوَ خَيْرُ وَلِي
أصبحت مَا لِي مِنْ عَطْفٍ أُؤمله ... مِنْ غَيْرِهِ في مُهِمَّاتٍ ولا بَدَلِ
ما كنتُ أَحْسِبُ أنْ أُرْمَى بقاصية ... للهجر أقْطَعُ فيها جَانِبَ المَلَلِ
من بعد ما خَلَصَْ نحوي الشفاعة ما ... بين الفَلاَ والدجى والبيض والأسل
لكان كَرْبيَ قد أفضَى إلى فرج ... حُزْنِيَ قد أوْفَى على جَذَلِ
أَلْمَمْتُ بالعتْبِ لم أَحْذَرْ مَوَاقِعَهُ ...) أنا الغَرِيقُ فما خَوْفِي منَ البَلَلِ (
ولَسْتُ أجحد ما خُوِّلْتُ من نِعَمٍ ... لكنها النفسُ لا تَنْفَكُّ عن أَمَلِ
ولستُ أيأس من وَعْدٍ وُعِدْتُ بِهِ ... وإنما) خُلِقَ الإنسانُ مِنْ عَجَلِ (
1 / 44