يجب أن نقرن رقة شعورنا وسرعة تأثرنا بفضيلتي الصبر والحلم؛ لأننا في منازلنا بين استقبال الزائرات وزيارتهن وترتيب الأواني وجلائها، ولعب الأطفال والذهاب من اليمين إلى الشمال، والاضطجاع على الفراش الوثير من مزركش وحرير، لا ندري ما يكابده الرجل من الآلام من تعنت الرؤساء، وما يقاسيه من العذاب في غلاء المأكل والشراب، ربما كد فكره وأنهك قواه ولم يصادفه التوفيق وأخطأه الرزق وهو لو لم يكن له إلا نفسه فقط لرضي باليسير، ولكن ماذا يفعل ووراءه أم وأولاد، أو قلب وأكباد، أيتركهم يتضورون جوعا وهم لم يألفوا إلا الرخاء؟! أفمن كانت هذه حاله يشتغل ليحفظنا ويتعب ليريحنا يصح أن نقابله بالعبوس والغضب إذا ما بدا متأففا يوما من طول إعمال الفكرة أو من شدة النصب؟!
كل شريكين قد يختلفان اختلافات بسيطة ولكنهما لا يذيعانها، ومن أحق بكتمان السر من شريكي الحياة؛ أعني الزوجين؟! والحازم من لا يجعل للاختلاف الصغير محلا من اهتمامه، بل يزيله بمجرد الفراغ من التكلم فيه، فإذا ما اختلف زوجان أديبان في تقدير حسنات الشاعر الفلاني، أو تفضيل هذا المذهب على ذاك، واحتدم بينهما الجدال وبدرت من أحدهما كلمة شديدة للآخر، أفيغضبان ويسببان الفراق لأجل ذاك الشاعر، أو ذلك الحكيم صاحب المذهب، وهما لا يدريان كما قال أبو الطيب المتنبي:
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
بقيت لي كلمة عن هؤلاء اللاتي يغضبن ليقبضن ما يبقى لهن من الصداق عند أزواجهن، وهي عبارة شائعة كثيرا عند بعض الطبقات، أما قبحها فجلي؛ لأن المرأة بذلك تبرهن على أنها تقدر النقود أكثر من الحياة والسعادة، وهذا جشع لا يليق إلا بالمرابين ومهووسي المال، والمرأة يجب أن تكون ملك اللطف ومثال الرقة والنزاهة، وبعضهن يتذرعن بالغضب والاحتماء بالأهل ليصالحن الرجل، والعادة أن يصالح الرجل زوجه بقطعة حلي وثياب كثيرة، فما أسخف هذه العقول! تفدي المرأة راحتها وهناءها وسعادة أولادها بذلك المتاع الفاني.
وقد تغضب المرأة أيضا لتجرب محبة زوجها لها، وترى من آيات الود شيئا جديدا، ولكنها في غنى عن هذه المخاطرة والتجربة الصعبة؛ لأنها تعلم مبلغ حبه لها من أحواله معها.
المنزل لا بهاء له إلا بالمرأة كما أن قوامه الرجل، فترك المرأة بيتها يمسخ ذلك الهناء المرفرف عليه ويسبب حزن الأولاد وانقباضهم، كما أنه يتلف وتعبث به أيدي الخدم فيخسر الرجل خسارة مضاعفة.
طريق الكذب والتمويه هذه وعرة المسالك غير مأمونة دائما، فإما أن تقرر المرأة أنها تعيش مع زوجها وتشاركه السراء والضراء فتحتمله ولا تحنق عليه لصغير الهفوات، فلا يلبث أن يندم إذا كان أساءها ويعتذر لها، ويغفر أحدهما غلط الآخر، ويزيلان أثر كل خلاف بينهما فيعيشان سعيدين، ويتحتم على الزوجة إذن أن لا تسرع الخطو نحو منزل أهلها، بل تظل في منزلها تديره. وإما أن تغضب وترجع لأهلها حين ترى أن لا خير في البقاء مع رجل فظ سيئ الأخلاق فتفارقه إلى الأبد، ولا تعود ترى وجهه البتة، أما الذهاب والإياب فأعده طيشا لا يليق بعاقله مهذبة تعلم عواقب الأمور. (11) مساوئ الرجال
الطمع
أريد مما كتبت وما أكتب في الجريدة بعنوان «النسائيات» تخفيف ويلات الزواج على قدر الإمكان، وقد بينت في مقالاتي السابقة ما يرجع منها إلى المرأة، واليوم أراني مضطرة لأن أكتب عن الرجل؛ لأنه أحد طرفي الزواج؛ لأنه كثيرا ما يظلم ويطغى، ولست أقصد كل رجل على الإطلاق ، كما أني لم أكن أقصد كل امرأة، وإنما الكلام على من فسدت أخلاقهم (وهم مع الأسف كثيرون)؛ فسببوا شقاء النساء وهدموا بناء الزوجية.
Неизвестная страница