Зов истины: С тремя текстами о правде Хайдеггера
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Жанры
مع ذلك كله، فهل كان هيدجر هو أول من قال بنهاية الفلسفة ودعا أو بشر بفكر جديد بديل عنها؟! ألم يفعل ذلك قبله كل من هيجل وفويرياخ وماركس الذين «رفعوا» (بالمعنى الهيجلي) تاريخ الفلسفة كل على طريقته - سواء بأن تصبح الفلسفة علما وتخلع عنها التسمية القديمة وهي محبة الحقيقة، كما قال هيجل في مقدمة ظاهريات الروح، أو بأن تتحول عن فوير بلخ من تاريخ للاهوت إلى تاريخ لفلسفة إنسانية شاملة، وعند ماركس من تفسير للوجود والعالم إلى تغيير جذري يبتدئ به عصر جديد وإنسانية جديدة بريئة من الاغتراب والاستغلال والظلم الرأسمالي؟ وإذا كان يحمد لهيدجر أنه دعا إلى فكر جديد يرجع إلى الوجود نفسه، وأصداء الدعوة لفكر إنساني جديد لا تفتأ تتردد بقوة في السنوات الأخيرة، أفلا يمكن القول أيضا بأن هذا الفكر يحف به الغموض من كل ناحية، وأنه إذا كان قد نجح إلى حد كبير في نقد التاريخ السابق فقد جانبه التوفيق في تقديم صورة واضحة المعالم للمستقبل؟ ثم ماذا يمكن أن يطوف بأذهان قرائه من العالم الثالث في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؟ ألا نعذرهم إذا اتهموه بأنه أكثر المركزيين الأوروبيين غلوا في المركزية ، وأنه يسقط من حسابه كل ما ليس أوروبيا إلا إذا خضع للسيطرة العلمية والتقنية الأوروبية-الأمريكية؟ وهل يلام أحد منهم إذا افتقد لديه الوعي بالتاريخ والقوى الواقعية المحركة له، وتجاهل الواقع «الكوكبي» الملموس الذي هو حصيلة تراث ممتد لحضارات عريقة وعديدة عبر آلاف السنين، والذي لا يمكن أن نفهم يومه ولحظته الحاضرة بغير الأمس وما قبل الأمس إلى آلاف أخرى من السنين؟ هل يقبل هذا من فيلسوف «الرجعة» الذي لم يرجع إلا إلى أصله الإغريقي وتجاهل أصول هذا الأصل وجذوره التي يستحيل فهمه بدونها؟!
وإذا كان هيدجر يأخذ على التراث الفلسفي - الغربي - أنه تصور الوجود كما لو كان «موجودا» من الموجودات ولم يتركه أبدا ليعبر عن نفسه كوجود - ألا يمكن أن نأخذ عليه هو نفسه أنه قد ثبت نظره على «الوجود» بحيث طبع هذا فكره بطابع أحادي، وربما سكوني وقدري أيضا! وملأ كأسه - حتى فاض على الحافة - بسأم التكرار الفظيع لتلك الكلمة التي كادت أن تصبح تعويذة سحرية مملة؟ لقد تشكك الكثيرون في صلاحية هذه الكلمة المتعددة والملتبسة المعاني لخدمة قضيته، كما تشككوا في إمكان أو جدوى الفصل بين الوجود والموجود في أي حديث عن الوجود، حتى لقد تساءل البعض عما إذا كان التثبت عند الكلمة قد جعله دائم التأرجح بين «التعزيم» السحري والكتمان الصوفي إلى حد التلعثم أو الخرس، ثم من قال إن التراث الفلسفي لم ينشغل إلا بمشكلة الوجود والسؤال عنه؟ ومن قال إن نقد الذاتية الحديثة يمكن أن يتم على أساس المعايير المستمدة من الفكر اليوناني السابق على سقراط؟ ألا يقدم هذا كله دليلا آخر على بعده عن حاضره، وافتقاده للوعي التاريخي، وهروبه لأعماق الماضي الإغريقي في محاولة مشكوك فيها لتفسير التاريخ العلمي والتقني الحاضر بالإضافة للتمهيد لفكر الوجود المنتظر أن يرفرف بأجنحته في سماء مستقبل غامض؟
تلك كانت بعض الأسئلة القليلة التي لا تنفك توجه بصيغ مختلفة لفكر هيدجر ويستحق كل منها بحثا مستقلا لا تتسع له هذه المقدمة، لا شك أن القراء سيمكنهم توجيه أسئلة أخرى أو طرح نفس الأسئلة بأساليب وأشكال متنوعة، والمهم أن آية هذا الفكر «الهيدجري» وفضيلته الكبرى تكمن في إثارة السؤال والإصرار عليه، لا في محاكاته وتقليده واجتراره كما فعل أكثر ضحاياه، ولقد كان هدفي من هذه المقدمة الجديدة، ومن الكتاب كله في واقع الأمر؛ هو أن نتعاطف مع هيدجر أو مع غيره ونتحرر منهم بنفس القدر وبنفس الصدق، أي أن نفكر مع هيدجر - على نحو ما عبر هابرماس - ونفكر ضده أيضا كلما اقتضى الأمر.
13
وأهم شيء في تقديري المتواضع، بعد أن نمر بمرحلة فهمه والتعلم من دقته وإحكام منهجه وإخلاصه وزهده وتفانيه، ومعرفة أسرار قوله وصمته معا؛ أهم شيء هو أن نتعلم منه أيضا جدية التفكير فيما يستحق التفكير من وجهة نظرنا ومن داخل فكرنا واعتمادا على منابعنا نحن وعلى لغتنا وتاريخنا وتراثنا نحن، ولست أشك لحظة واحدة في أن القلة المخلصة من شبابنا المتفلسف - لا الذين يتاجرون بالفلسفة ويدوسون بقولهم وفعلهم على قيمها! - سوف تتعلم الكثير من قراءتها المتأنية لنصوص هيدجر، وسوف تفكر ضده أيضا وتوجه له أسئلة جديدة من زوايا جديدة. (1) ملحق أخير: حوار مع هيدجر
لم يكد يجف قبر هيدجر حتى انهال عليه بعض الناس بحجارة أسئلة من هذا النوع: هل كان معاديا للسامية؟ هل كان يلقي محاضراته وهو يرتدي البزة العسكرية النازية ويضع على كتفه علامة الصليب المعقوف؟ وهل بلغ به الأمر حد اضطهاد أستاذه هسرل ومنعه من أن يطأ بقدمه أرض الجامعة؟ ومع أنها أسئلة كذبها الواقع وأجاب عليها الفيلسوف بالنفي القاطع، فقد نجحت في إيذاء شخصه وتشويه سمعته وبلبلة الرأي العام والرأي الفلسفي وإلقاء ستار من التجاهل والنسيان على أسئلته الفلسفية الحقيقية، ومن بينها السؤال نفسه عن موقفه من السياسة، وقد لزم هيدجر الصمت عن حقيقة علاقته بالنازية على مدى اثنين وثلاثين عاما، إلى أن أجرت معه مجلة دير شبيجل (أي المرأة) المشهورة حوارا شاملا في الثالث والعشرين من شهر سبتمبر سنة 1966م، وأوصى الفيلسوف مندوبي المجلة ألا ينشر الحوار إلا بعد وفاته، وقد برت المجلة بوعدها ونشر الحديث في اليوم الواحد والثلاثين من شهر مايو سنة 1976م، أي بعد رحيله بخمسة أعوام.
طلب منه المحرران في البداية أن يوضح للرأي العام مواقفه قبل استيلاء النازي على الحكم وبعده، وسألاه عن مدى إمكان تأثير الفلسفة على الواقع وغير ذلك من القضايا التي تحتاج لإلقاء الضوء عليها وعلى التهم التي طالما وجهت إليه وألقت ظلالها السوداء، لا على شخصه فقط، بل وكذلك على فكره.
وبدأ الفيلسوف بتقرير بعده التام عن العمل السياسي قبل توليه منصب مدير جامعة فرايبورج، ثم أخذ يروي الظروف التي تم فيها اختيار جاره مولندورف أستاذ علم التشريح في شهر ديسمبر سنة 1932م لمنصب مدير الجامعة الذي كان من المفروض أن يبدأ تقلده الرسمي له في شهر أبريل، كان بطبيعة الحال يتابع مجريات الأمور، وكان من رأيه أن التطور المنشود في الجامعة والمجتمع يمكن أن يتحقق على أيدي القوى القادرة على البناء.
ولكنه كان مشغولا في ذلك الوقت بالتفسير الشامل للفكر اليوناني قبل سقراط، وفوجئ مع غيره من الزملاء بأن وزارة الثقافة في ولاية بادن-فيرتمبرج التي تتبعها الجامعة قد أقالت المدير الجديد الذي لم يمض على شغل منصبه (بعد السادس عشر من أبريل) أكثر من أسبوعين اثنين، وفسر الفيلسوف ذلك بأن المدير المنتخب حال بين الطلاب النازيين وبين تعليق لوحة تشنم اليهود وتؤلب عليهم بقية الطلاب في مدخل الجامعة، وتوسل إليه المدير المعزول أن يقبل المنصب حتى لا يشغله أحد عملاء السلطة، وبقي هيدجر مترددا عن اتخاذ هذه الخطوة على الرغم من إلحاح زملائه وتلامذته عليه، وظل على تردده بحجة افتقاره إلى الخبرة بالعمل الإداري حتى صباح يوم الانتخاب في مجلس الجامعة، أي حتى اضطراره لقبول المنصب مراعاة لمصلحة الجامعة قبل كل شيء.
وفي اليوم التالي لتوليه المنصب حضر إليه زعيم الطلاب النازيين مع زميلين آخرين وطلبوا منه الموافقة على تعليق اللوحة المشبوهة، رفض هيدجر طلبهما وأصر على رفضه حتى بعد اتصال مسئول الطلاب في الحزب وتهديده له بالعزل، بل إغلاق الجامعة نفسها، ثم بقي مصرا على رفضه حتى بعد أن تبين له عجز وزير الثقافة في ولاية بادن عن الوقوف بجانبه.
Неизвестная страница