الحمام الزاجل أيضا: لهذا النوع من الحمام مآثر تذكر فتشكر في نقل الأخبار منذ القدم في المشارق والمغارب ولا يزالون مولعين به في الهند وفارس وبلاد الترك وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإنكلترا وأمريكا، وهم يربونه ويغالون بثمنه حتى بلغ ثمن الحمامة منه مائة جنيه، والمدرب من هذا الطير يرجع عادة إلى وطنه من مسافة خمسمائة ميل، وقد تبلغ سرعته أكثر من ألفي متر في الدقيقة ومعدل ارتفاعه عن الأرض 430 قدما بحيث يرى الأرض عن هذا الارتفاع إلى مسافة 25 ميلا، وكان نوتية مصر وقبرص يستخدمون هذا الحمام قديما لنقل أخبارهم إلى البر ، وكذلك المصارعون اليونان في الألعاب الأولمبية، وأول مرة استعمل فيها هذا الحمام في الحرب سنة 43 قبل المسيح لما حاضر أنطونيوس الإمبراطور الروماني مدينة مودينا في شمالي إيطاليا، وقد استعمله الفرنسيون في حصار باريس 1870-1871، ولم يكن للمحاربين غنى عنه أيضا في هذه المرة؛ فقد صنعوا له أبراجا نقالة على السيارات ولم يكتفوا بأن يكلفوه نقل الرسائل بل قد أثقلوا كاهله بعدد التصوير الشمسي حتى إذا ارتفع في الجو وسار مسيره يبلغ الخبر ويأخذ الصور فكأن رب الحرب لم يشأ أن يعفي أحدا من هذا العراك الذي أقلق الإنس والجن والطيور والأسماك. •••
فظاظة الألمان: من أعمال الألمان البربرية الدالة على مبلغهم العظيم من القسوة والفظاظة، وتحرير الخبر أنهم قبضوا في ميدان فردون على بضعة جرحى من الفرنسويين قرب مونتميدي ووقفوهم أمام جدار بيت قبيل أن يعدموهم بإطلاق الرصاص عليهم، ولكي يزيدوا جنايتهم فظاظة جعلوا يحفرون لهم حفرا في الأرض ليدفنوهم فيها بعد قتلهم وكان ذلك على مرأى من أولئك التعساء انتقاما لأنفسهم من الحلفاء، وكان بين أولئك الجرحى جندي تظاهر بالموت جزعا من هول ما رأى وتمكن أخيرا من الفرار وقص على أهله حكاية ما جرى. •••
أعلن جندي في الصحف قال: «فقد مني كلب يدعى «كاده» هو كلب آلاي المشاة الثامن، خاض المعارك وأصيب بثلاثة جروح في فردون والسوم وكان يمشي دائما في طليعة الآلاي، ولما كنا لا نقدر أن نعلق له أثرا يدل على شجاعته قصصنا له قطعة جوخ من ثوب ضابط ألماني رسمنا عليها صليبا أحمر من الجوخ وكتبنا عليها هذه الكلمات: «حارب وأصيب بجروح الحرب.» ووضعنا على الثوب ثلاث شرائط عسكرية، وقد علقت في كمامته قطعة من قذيفة مدفع فرجاؤنا ممن يجده أن يسلمه إلى قوميسير نقطته وله الفضل.»
وقد وجد «كاده» وأعيد إلى صاحبه معززا مكرما.
فنبهت هذه الحكاية ذهن كاتب إلى كتابة فصل عن كلاب الحرب وآثارها فيها نقتطف منها ما يأتي: قال الكاتب: «من أهم ما قامت به الكلاب في هذه الحرب خدمة المواصلات بين الطوابير ؛ فقد أوصلت الأوامر بين طابور وطابور في الخنادق تحت وابل من القذائف يستحيل على الإنسان أن يسير خطوة فيها.
ففي 28 أغسطس سنة 1916 أرسل ضابط خبرا إلى كولونله يحمله الكلب مودور نمرة ... من كلاب الفيلق العاشر، وقد كان الواجب عليه أن يجتاز مسافة كيلومترين، فاجتاز مودور المسافة إلا أنه أصيب في المائتي متر الأخيرة بجرح بالغ ولكنه على رغم جرحه ظل يزحف على بطنه إلى أن أوصل الأمر ومات بعد وصوله بخمس عشرة دقيقة.
وفي 27 أغسطس 1916 قامت الكلبة فولت بمهمة من هذا النوع، فأوصلت أمرا عسكريا، وقد أصيبت بجرح في خلال القيام بمهمتها ماتت على إثره بعد إصابتها بخمسة أيام.» •••
حكى أحد الجرحى القادمين من الحرب قال: كان بالقرب من خنادقنا في فرنسا حانة صغيرة اشتبه قومندان فرقتنا فيها؛ فبث عليها العيون والأرصاد وتنصت رجالنا قرب نوافذ الحانة مرة فسمعوا كلاما وهمسا بالألمانية؛ فألقوا القبض على صاحب الحانة وتهددوه بالإعدام إن لم يعترف بحقيقة أمره، فخاف الرجل العاقبة وصفر صفيرا غريبا فركض إليه كلب أسود الشعر طويله، فقال صاحب الحانة هذا غريمكم فمسكوا الكلب وعثروا حول جسمه على منطقة قد قص شعره منها وربط حولها حزام ذو شعر أسود طويل مثل شعر الكلب، ووضع تحت الحزام أوراق عليها معلومات حربية فحوكم صاحب الحانة لجاسوسيته، وأعدم الكلب وصدرت الأوامر بضبط الكلاب الشاردة التي يعثرون عليها. •••
نشرت الجرائد صورة بلدة بنيت في خطوط القتال الأمامية شمال فرنسا وبيوتها أقبية صغيرة، وسكان هذه الأقبية ليسوا من بني الإنسان ولا من الجان بل هم كلاب تستخدمهم فرقة الإسعافات الطبية في الجيش الفرنسوي، وقد نشرت أيضا صور تمثل استخدام الكلاب في الجيش الإنكليزي لجر المدافع الصغيرة واستخدامها في الجيش الألماني لنقل الرسائل والتجسس، أما الفرنسويون فقد وجهوا عنايتهم إلى استخدام مواهب الكلب الطبيعية والغريزية فيه لمساعدة رجال الإسعافات في البحث عن الجرحى والتائهين والاهتداء إليهم بواسطة حاستي الشم والسمع، والكلاب تختبئ أو تحتمي في هذه المرابط إلى ما بعد القتال أو إلى أن يخيم الظلام فتنطلق إلى مهامها يتبعها رجال الإسعاف فينقذوا الجرحى ويلتقطوهم ويأتوا بهم ليعالجوا. •••
باغتت دورية إنكليزية بضعة جنود ألمانيين في بيت قروي فرنسوي كانوا جالسين إلى مائدة الطعام ولاهين بالأكل والشرب فأسرتهم، ثم جلس رجال الدورية إلى مائدة الطعام تأكل ما تركه الألمانيون مما لذ وطاب وقامت صاحبة المنزل بخدمتهم بطيبة خاطر وسرور فكانوا جميعهم كأنهم أفراد عائلة واحدة، وقد سري عنهم وقضوا مدة وهم يتحدثون. •••
Неизвестная страница