ومن قرأ وجادل عليه ودعا الناس إليه وجب عليه القتل لقول النبي ﷺ: "المراء في القرآن كفر" ولإجماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم.
والضرب الثاني: ما اختلف القراء فيه من إظهار وإدغام وروم وإشمام ومد وقصر وتخفيف وشد وإبدال حركة بأخرى وياء وبتاء وواو بفاء وما أشبه ذلك من الاختلاف المتقارب. فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا. هذا وهو الذي عليه خط مصاحف الأمصار سوى ما وقع فيه من الاختلاف في حروف يسيرة. قال: فثبت بهذا أن القراءات التي يقرأ بها هي بعض الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن استعملت بموافقتها المصحف الذي أجمعت عليه الأمة وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفتها لمرسوم خط المصحف إذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها القرآن. ا. هـ.
والذي ذهب إليه محمد بن جرير الطبري أن كل ما عليه الناس من القراءات مما يوافق خط المصحف هو حرف واحد من الأحرف السبعة فتكون القراءات العشر على قوله بعض حروف. قال في كتابه "البيان": واختلاف القراء فيما اختلفوا فيه كل اختلاف. قال: وليس هذا الذي أراد النبي ﷺ بقوله: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" قال: وما اختلف فيه القراء عن هذا بمعزل لأن ما اختلف فيه القراء لا يخرجون فيه عن خط المصحف الذي كتب على حرف واحد. قلت: المصحف كتب على حرف واحد لكن لكونه جرد عن النقط والشكل احتمل أكثر من حرف إذ لم يترك الصحابة إدغام ولا إمالة ولا تسهيلا ولا نقلا ولا نحو ذلك مما هو في باقي الأحرف الستة وإنما تركوا ما كان قبل ذلك من زيادة كلمة ونقص أخرى ونحو ذلك مما كان مباحا لهم القراءة به كما تقدم في آخر الباب الثاني. وقال مكي في كتابه "الأمانة" الذي جعله متصلا بآخر كتاب "الكشف" له: إن هذه القراءات كلها التي يقرأ الناس بها اليوم وصحت روايتها عن الأئمة إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووافق اللفظ بها خط مصحف عثمان ﵁ الذي أجمع الصحابة ومن بعدهم عليه واطرح ما سواه مما خالف خطه. ثم أخذ في تقرير ذلك بنحو ما قدمناه.
وقال الإمام أبو عمر بن عبد البر: وهذا الذي عليه الناس اليوم في مصاحفهم وقراءتهم حرف من بين سائر الحروف لأن عثمان جمع المصاحف عليه وقال: هذا الذي عليه جماعة الفقهاء فيما يقطع عليه وتجوز الصلاة به وبالله العصمة والهدى.
قلت: وكذا أقوال المعتبرين في ذلك أن القراءات التي عليها الناس اليوم الموافقة لخط المصحف إنما هي بعض الأحرف السبعة من غير تعيين وقيل: حرف منها وقيل: بعض حرف.
1 / 71