الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعنى ريحها.
وفى حديث آخر أنه قال: "من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فهو في النار" رواه الترمذي. وفى ذلك أحاديث كثيرة.
وقال بعض السلف: أشد الناس ندامة عند الموت عالم مفرط.
واعلم: أن المأخوذ على العالم أن يقوم بالأوامر والنواهي، وليس عليه أن يكون زاهدًا ولا معرضًا عن المباحات، إلا أنه ينبغي له أن يتقلل من الدنيا مهما استطاع، لأنه ليس كل جسم يقبل التعلل، فإن الناس يتفاوتون.
وروى أن سفيان الثوري ﵀ كان حسن المطعم. وكان يقول: إن الدابة إذا لم يحسن إليها في العلف لم تعمل.
وكان الإمام أحمد بن حنبل ﵀ يصبر من خشونة العيش على أمر عظيم والطباع تتفاوت.
ومن صفات علماء الآخرة أن يعلموا أن الدنيا حقيرة، وأن الآخرة شريفة. وأنهما كالضرتين، فهم يؤثرون الآخرة، ولا تخالف أفعالهم أقوالهم، ويكون ميلهم إلى العلم النافع فى الآخرة، ويجتنبون العلوم التي يقل نفعها إيثارًا لما يعظم نفعه، كما روي عن شقيق البلخي ﵀ أنه قال لحاتم: قد صحبتني مدة، فماذا تعلمت؟
قال: ثمانية مسائل:
أما الأولى: فإني نظرت إلى الخلق، فإذا كل شخص له محبوب، فإذا وصل إلى القبر فارقه محبوبه، فجعلت محبوبي حسناتي لتكون في القبر معي.
وأما الثانية: فإني نظرت إلى قوله تعالى: ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ [النازعات: ٤٠] فأجهدتها فى دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
وأما الثالثة: فإني رأيت كل من معه شئ له قيمة عنده يحفظه، ثم نظرت فى قوله ﷾: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل: ٩٦] فكلما وقع معي شئ له قيمة، وجهته إليه ليبقى لي عنده.
وأما الرابعة: فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف، وليست
1 / 24