وفي سنة 927 ولى المقتدر الإخشيد على مدينة الرملة بفلسطين، وفي سنة 931 ولاه على دمشق، ولما أخذ الراضي بالله الخلافة ضم إليه ولاية مصر والبلاد السورية سنة 936، فسار الإخشيد من دمشق إلى مصر واستقر بها، واستبد بولايتهما كباقي ولاة الأقاليم، ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها، واستعمل الإخشيد بدرا ابن عبد الله الإخشيدي على دمشق وكان ابن رائق أمير الأمراء يحكم بحران والرها وقنسرين والعواصم، فحدثته نفسه بأن يملك الشام فسار إلى حمص، فملكها وهزم بدرا منها، ثم سار إلى الرملة ومنها إلى عريش مصر يريد أن يملك مصر أيضا، فلقيه الإخشيد فانهزم إلى دمشق، وبعث الإخشيد أخاه أبا نصر في أثره فالتقى الجيشان بالقرب من الناصرة، فكان النصر لابن رائق وقتل أخا الإخشيد فكفنه ابن رائق وأرسله مع ابنه إلى أخيه معتذرا، فاصطلحا على أن تكون للإخشيد مصر إلى الرملة وما وراها من سورية إلى ابن رائق، ويعطيه الإخشيد عن الرملة كل سنة مائة وأربعين دينارا، وكتب الخليفة المتقي بالله إلى ابن رائق يستدعيه إليه، فسار واستخلف بسورية أبا الحسين بن مقاتل، ولما قتل ابن رائق بخدمة المتقي سار الإخشيد من مصر إلى دمشق، وكان واليها محمد بن يزداد من جهة ابن رائق، فاستأمن إلى الإخشيد فأمره على دمشق ثم نقله إلى مصر.
ولما عاد الإخشيد إلى مصر سنة 945 سار سيف الدولة علي بن أبي الهيجاء بن حمدان إلى حلب، وكان واليها يأنس المؤنسي فأخذها منه، وسار من حلب إلى حمص فاستولى عليها، ثم سار إلى دمشق فحصرها ثم رحل عنها؛ لأن الإخشيد قصده والتقيا بقنسرين فلم يظفر أحدهما بالآخر، ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة، ولما عاد الإخشيد إلى دمشق رجع سيف الدولة إلى حلب، وفي سنة 947 مات الإخشيد بدمشق وولي الأمر بعده ابنه أبو القسم محمود وكان صغيرا، فكان الأمر بيد كافور الخادم الأسود من خدم الإخشيد، وعاد إلى مصر فسار سيف الدولة إلى دمشق فملكها وأقام بها، وأراد أن يمتلك غوطة دمشق فكاتب أهلها كافور يستدعونه إليهم، فأتى وأخرجوا سيف الدولة عنهم، فاستقر بحلب وولى كافور على دمشق بدرا الإخشيدي، فأقام سنة ثم وليها أبو المظفر بن طنج .
وكان لسيف الدولة غزوات في بلاد الروم من سنة 950 إلى سنة 963، حين سار الدمستق (معناه الخادم لقب لقادة الروم) بجيش من الروم، ووصل إلى قرب حلب قبل أن يعلم به سيف الدولة، فلم يتيسر له أن يجمع عسكرا وخرج في من كان معه وقاتل الدمستق، فانهزم سيف الدولة وقتل أكثر أصحابه، ودخل الدمستق داره التي كانت في خارج حلب وحاصر المدينة، فلم يقو على أخذها، إلى أن وقعت فتنة بين الحامية ورجال حلب، فتيسر لعسكر الروم الدخول إليها، فقتلوا وسبوا وغنموا ما لا يوصف، وأحرقوا كثيرا من دور المدينة، واستمروا بحلب تسعة أيام وارتحلوا عنها نحو بلادهم.
والمعروف من كتب المؤرخين النصارى أن الدمستق المذكور هو لاون قائد جيش لرومانس الثاني ملك الروم الذي كان هو وأخوه نيقوفور فوقا يجدان في إصلاح شئون مملكتهم، فاسترد نيقوفور جزيرة إكريت من المسلمين، وحاربهم لاون في حلب، ولما توفي الملك رومانس نادى الجنود بنيقوفور ملكا، وتزوج بالملكة توافانة ولم يشأ أن يسمي نفسه ملكا، بل وصيا على ابني الملك القاصرين باسيليوس وقسطنطين، وسمى أباه قيصر والسمسق قائدا لجيش المشرق، وسار هو وأخوه لاون المار ذكره إلى المشرق فأخذ طرسوس والمصيصة، وعاد نيقوفور سنة 965 إلى سورية ففتح أنطاكية، وذلت له حلب وأطرابلس ودمشق وعرقا وأخرب حمص، فاجتمع المسلمون بأنطاكية فحاصرها وترك خفرا عليها وعاد إلى العاصمة، ففتح قواده أنطاكية، وعاد سنة 968 فدخل أرمينية وخرب في بلاد المسلمين، فكادت عليه امرأته توفانة، واتفقت مع سمسق فقتله في بلاطه واستبد بالملك.
فالسمسق تسلم الملك معلنا أنه شريك الملكين باسيليوس وقسطنطين، ووصيا عليهما لصغر سنهما، وهم أن يعيد مملكة الروم إلى رونقها في المشرق، فجهز جيشا كثيفا وأمر عليه دمستقا فأخذ مدنا كثيرة في الجزيرة والعراق، وفي سنة 974 سار بنفسه في مقدمة جيشه، فمكن سلطته في المدن المذكورة وأخذ أباميا وحمص وبعلبك ، وزحف إلى دمشق فدخل واليها في طاعته وفرض عليه جزية سنوية، واجتاز لبنان إلى المدن البحرية، وحاصر أطرابلس فأصابه مرض أرغمه أن يسير نحو أنطاكية ، فأغلق أهلها الأبواب بوجهه فسار إلى جبل أوليمبس، فأدركته المنية سنة 976 وروى بعضهم أنه بلغ القسطنطينية ومات فيها.
أما سيف الدولة أمير حلب فتوفي سنة 971، فتولى حلب ابنه سعد الدولة وكنيته أبو المعالي وحصلت وحشة بينه وبين أبي فراس والي حمص، وطلبه أبو المعالي، فانهزم إلى صور فلحقه العسكر إليها فقتله وكان خال أبي المعالي، ثم إن فرعويه أحد قواد عسكر أبي المعالي أخرج مولاه من حلب، فسار أبو المعالي إلى عند والدته بميا فرقين في الجزيرة، وقصد جيش الروم حلب فتحصن فرعويه بالقلعة، فملك الروم المدينة وحاصروا القلعة، ثم صالحوا فرعويه على مال يحمله إليهم كل سنة وكان هذا المال على حلب، وما تبعها من البلاد إلى حماة وحمص وكفر طاب والمعرة وأباميا وشيزر وما بينها، وكان لفرعويه مولى يسمى بكجور، وقد جعله نائبه فاستفحل أمره حتى قبض على فرعويه وحبسه بقلعة حلب واستولى على المدينة، فكاتب أهلها أبا المعالي فعاد إليهم وولى بكجور حمص، واستقر أبو المعالي بحلب. (3) في الخلفاء الفاطميين بسورية وما كان بها في أيامهم
أصل دولة الفاطميين عبيد الله المتصل نسبه بالحسين بن علي بن أبي طالب فر من مصر، فدعا له في المغرب شيعي اسمه عبد الله إلى أن ولي بلاد المغرب، وسمي المهدي سنة 910، وفي سنة 914 تولى على الإسكندرية والفيوم، فأرسل إليه الخليفة المقتدر عسكرا فجلاهم عن مصر، وفي سنة 915 جهز المهدي جيشا كثيفا مع ابنه القاسم إلى مصر فاستحوذ على الإسكندرية، ثم سار حتى دخل الجزيرة وملك إشمونين وكثيرا من الصعيد، وكانت حرب بحرية بين مراكب المغرب، ومراكب المقتدر على رشيد وكانت الهزيمة على مراكب المهدي، واستولى بعد ذلك على صقلية، وبعد وفاة المهدي قام بالملك بعده ابنه القاسم وخلف القاسم ابنه المنصور، وخلف المنصور ابنه المعز لدين الله واستحوذ على مصر سنة 969، وطرد منها الإخشيديين المار ذكرهم وأقيمت الدعوة له في الجوامع، وسير جوهرا غلام أبيه مع جعفر بن فلاج إلى سورية بجيش كثيف، فكانت حروب بينهم وبين الحسن بن طنبح والي الرملة من قبل الخليفة العباسي، وكان الظفر لعسكر المعز وأسروا الوالي وغيره من القواد، واستولوا على تلك البلاد وساروا إلى طبرية، فأقام أهلها الدعوة للمعز، وساروا إلى دمشق فقاتلهم أهلها فظفرت عساكر المعز بهم وملكوا دمشق، وأقاموا الخطبة للمعز وقطعت الخطبة العباسية سنة 970، وخطب المعز في حمص وحلب أيضا، وفي سنة 971 وصل القرامطة إلى دمشق فكبسوا عسكر المعز، وقتلوا جعفر بن فلاج أحد قواده خارج دمشق، وملكوا دمشق وأمنوا أهلها، وساروا إلى الرملة، فملكوها وقصدوا مصر وجرى بينهم وبين عسكر المعز قتال انتصر فيه القرامطة، ثم انكسروا وعادوا إلى سورية.
وفي سنة 972 انتقل المعز من المغرب إلى مصر، وصحب معه أهله وخزائنه ولقيه أهلها وأعيانهم فأكرمهم، وفي سنة 974 عاد القرامطة إلى مصر فهزمتهم عساكر المعز وأرسل المعز في أثرهم عشرة آلاف فارس، فاعتزلوا إلى بلاد المغرب، وأرسل المعز القائد ظالم بن موهوب العقيلي إلى دمشق فدخلها، ولكن كانت فتن بينه وبين الدمشقيين دامت إلى سنة 975، وفي سنة 976 استولى على دمشق أختكين من موالي معز الدولة بن بويه، وانهزم من العراق فسار إلى حمص ثم إلى دمشق، فاتفق أهلها معه على العامل الذي من قبل المعز، وأخرجوه من المدينة وقطعوا الخطبة للمعز، فعزم المعز على المسير من مصر إلى دمشق لقتال أختكين، فمات سنة 976، وخلفه ابنه العزيز فجهز عسكرا إلى دمشق وحصر أختكين فيها، فدعا أختكين القرامطة لنجدته فانهزم عسكر العزيز، فسار أختكين والقرامطة في أثرهم إلى صيدا فحاصروها وفتحوها ونهبوها، وقصدوا طبرية وفعلوا بها ما فعلوا بصيدا، واجتمع إلى أختكين خلق كثير، ولحقوا عسكر العزيز إلى الرملة ففر منها إلى عسقلان، وضايقوه بالحصار وكاد يهلك جوعا، فطلب قائده جوهر الأمان من أختكين، وبذل له أموالا فرحل عنهم وعاد عسكر العزيز إلى مصر، فخرج العزيز بنفسه ووصل إلى الرملة فالتقاه أختكين والقرامطة، وكان بينهم قتال شديد انتهى بأسر أختكين وتشتيت القرامطة، فعاد العزيز إلى مصر ومعه أختكين مكرما، وبقي في مصر إلى أن مات.
وفي سنة 979 هرب أبو تغلب صاحب الموصل من وجه أخيه عضد الدولة بن حمدان إلى دمشق، وكان قسام أحد أصحاب أختكين قد تغلب عليها، وكان يخطب للعزيز، فقاتل قسام أبا تغلب ومنعه من الدخول إلى دمشق، فسار إلى طبرية ثم إلى الرملة، وكان هناك قائد من قواد العزيز فقاتل أبا تغلب وأخذه أسيرا، ثم قطع رأسه وأرسله إلى العزيز، وفي سنة 983 سير العزيز جيشا مع بكتكين إلى سورية، وكان مفرح بن الجراح قد تولى فلسطين، فجرى بينهم قتال شديد، فانهزم ابن الجراح وجماعته، وكثر القتل والنهب فيهم وسار بكتكين إلى دمشق فقاتله قسام المذكور، فقهره وملك دمشق، وأمسك قساما وأرسله إلى العزيز واستقر بكتكين بدمشق وزالت الفتن.
وفي سنة 984 كاتب بكجور والي حمص السابق ذكره العزيز يسأله أن يوليه دمشق، فأجابه إلى ذلك واستدعى بكتكين منها، وأساء بكجور المسعى فأرسل العزيز سنة 989 عسكرا مع القائد منير الخادم؛ ليعزل بكجور عن دمشق ويتولاها، فخرج بكجور إليه وقاتله عند داريا فظهر منير عليه، وطلب بكجور الأمان فأمنه واستقر منير في ولاية دمشق، وأحسن السيرة في أهلها، وأما بكجور فعاد إلى قتال أبي المعالي والي حلب، فأخذه أبو المعالي أسيرا وقتله مع أولاده، وتوفي العزيز سنة 997، وخلفه ابنه المنصور ولقب الحاكم بأمر الله، ونرجئ الكلام عليه إلى تاريخ القرن الحادي عشر. (4) في بعض مشاهير العلم بسورية في القرن العاشر
Неизвестная страница