مقدمة المؤلف
تمهيد
المقال الأول: في تاريخ سورية وسكانها قبائل مستقلة
1 - في سكان سورية الأولين
2 - في الحثيين
3 - في الفونيقيين
4 - في العبرانيين
المقال الثاني: في تاريخ سورية في أيام إسكندر الكبير وخلفائه
1 - في تاريخ سورية في أيام إسكندر الكبير وخلفائه
المقال الثالث: في تاريخ سورية في أيام الرومانيين
Неизвестная страница
في ما كان بسورية إلى ميلاد المخلص
في تاريخ سورية في القرن الأول بعد الميلاد
1 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الأول
2 - في تاريخ سورية الديني في القرن الأول
3 - في تاريخ سورية الدنيوي فى القرن الثاني
4 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثاني
5 - في تاريخ سورية الدنيوي فى القرن الثالث
6 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثالث
7 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الرابع
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن الرابع
Неизвестная страница
9 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الخامس
10 - في تاريخ سورية الديني في القرن الخامس
11 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السادس
12 - في تاريخ سورية الديني في القرن السادس
13 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع
المقال الرابع: في تاريخ سورية في أيام الخلفاء
1 - تتمة تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع
2 - في تاريخ سورية الديني في القرن السابع
3 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثامن
4 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثامن
Неизвестная страница
5 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن التاسع
6 - في تاريخ سورية الديني في القرن التاسع
7 - في تاريخ سورية الديني في القرن العاشر
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن العاشر
9 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الحادي عشر
10 - في تاريخ سورية الديني في القرن الحادي عشر
11 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثاني عشر
المقال الخامس: في تاريخ سورية في أيام صلاح الدين وخلفائه والمماليك البحرية والجراكسة
1 - تتمة في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثاني عشر
2 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثاني عشر
Неизвестная страница
3 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثالث عشر
4 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثالث عشر
5 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الرابع عشر
6 - في تاريخ سورية الديني في القرن الرابع عشر
7 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الخامس عشر
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن الخامس عشر
9 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السادس عشر
المقال السادس: في تاريخ سورية في أيام السلاطين العثمانيين العظام
في السلاطين العثمانيين في القرن السادس عشر وما كان في أيامهم من الأحداث بسورية
1 - في تاريخ سورية الديني في القرن السادس عشر
Неизвестная страница
2 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع عشر
3 - في تاريخ سورية الديني في القرن السابع عشر
4 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثامن عشر
5 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثامن عشر
6 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن التاسع عشر
7 - في بعض المشاهير في القرن التاسع عشر
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن التاسع عشر
مقدمة المؤلف
تمهيد
المقال الأول: في تاريخ سورية وسكانها قبائل مستقلة
Неизвестная страница
1 - في سكان سورية الأولين
2 - في الحثيين
3 - في الفونيقيين
4 - في العبرانيين
المقال الثاني: في تاريخ سورية في أيام إسكندر الكبير وخلفائه
1 - في تاريخ سورية في أيام إسكندر الكبير وخلفائه
المقال الثالث: في تاريخ سورية في أيام الرومانيين
في ما كان بسورية إلى ميلاد المخلص
في تاريخ سورية في القرن الأول بعد الميلاد
1 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الأول
Неизвестная страница
2 - في تاريخ سورية الديني في القرن الأول
3 - في تاريخ سورية الدنيوي فى القرن الثاني
4 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثاني
5 - في تاريخ سورية الدنيوي فى القرن الثالث
6 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثالث
7 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الرابع
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن الرابع
9 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الخامس
10 - في تاريخ سورية الديني في القرن الخامس
11 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السادس
Неизвестная страница
12 - في تاريخ سورية الديني في القرن السادس
13 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع
المقال الرابع: في تاريخ سورية في أيام الخلفاء
1 - تتمة تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع
2 - في تاريخ سورية الديني في القرن السابع
3 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثامن
4 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثامن
5 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن التاسع
6 - في تاريخ سورية الديني في القرن التاسع
7 - في تاريخ سورية الديني في القرن العاشر
Неизвестная страница
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن العاشر
9 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الحادي عشر
10 - في تاريخ سورية الديني في القرن الحادي عشر
11 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثاني عشر
المقال الخامس: في تاريخ سورية في أيام صلاح الدين وخلفائه والمماليك البحرية والجراكسة
1 - تتمة في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثاني عشر
2 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثاني عشر
3 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثالث عشر
4 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثالث عشر
5 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الرابع عشر
Неизвестная страница
6 - في تاريخ سورية الديني في القرن الرابع عشر
7 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الخامس عشر
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن الخامس عشر
9 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السادس عشر
المقال السادس: في تاريخ سورية في أيام السلاطين العثمانيين العظام
في السلاطين العثمانيين في القرن السادس عشر وما كان في أيامهم من الأحداث بسورية
1 - في تاريخ سورية الديني في القرن السادس عشر
2 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن السابع عشر
3 - في تاريخ سورية الديني في القرن السابع عشر
4 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن الثامن عشر
Неизвестная страница
5 - في تاريخ سورية الديني في القرن الثامن عشر
6 - في تاريخ سورية الدنيوي في القرن التاسع عشر
7 - في بعض المشاهير في القرن التاسع عشر
8 - في تاريخ سورية الديني في القرن التاسع عشر
الموجز في تاريخ سورية
الموجز في تاريخ سورية
تأليف
يوسف الدبس
مقدمة المؤلف
أقول أنا الحقير المفتقر إلى عفو ربي يوسف الدبس مطران بيروت الماروني، لما كان الله دعاني بنعمته إلى خدمته ونفع عباده، رأيت متحتما علي أن أصرف ما من علي به من القوة والعمر لاكتساب مرضاته بإفادة أبناء جلدتي، والاتجار بالوزرات التي عهد إلي بها؛ فعكفت على تأليف عدة كتب ووضع بعض ترجمات، وكان أهمها وأنفعها عندي إنشاء تاريخ لسورية موطننا العزيز، فصرفت في تأليفه نحوا من عشر سنين، وقد نجز بعون الله وطبع في ثمانية مجلدات ضخمة؛ لأني بسطت الكلام وتطرقت فيه إلى ما يلتحم معه أو يعود بالنفع على قارئيه، على أنه كان لا بد من إيجازه ليتيسر اقتناؤه ومطالعته، ولا سيما ليكون هذا الموجز صالحا لتعليم طلبة المدارس تاريخ بلادهم، فتراهم حتى الآن يفقهون تاريخ أمريكا وأوروبا وإفريقيا وهم عن تاريخ بلادهم غافلون.
Неизвестная страница
وقسمت هذا الموجز إلى ستة مقالات أتكلم في كل منها على دور من الأدوار الستة، التي تعاقبت على سورية من قبيل الولاية عليها، فكان كلامي في المقال الأول في تاريخ سورية وسكانها منقسمون إلى قبائل مستقلة مع تعاقب سلطات المصريين والآشوريين والفرس على تلك القبائل أو بعضها، والمقال الثاني في تاريخ سورية في أيام ولاية إسكندر الكبير وخلفائه، والثالث في تاريخها في أيام القياصرة الرومانيين، والرابع في تاريخها على عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين، والخامس في تاريخها في أيام الأيوبيين والمماليك البحرية والجراكسة، والسادس في تاريخها على عهد العثمانيين العظام - أدام الله ملكهم ما كرت الأعوام.
تمهيد
قد انبسطت تخوم سورية تارة، وانقبضت أخرى بحسب تقلب الأيام والدول عليها، فكانت تشمل أحيانا ما بين النهرين وأرمينية وبعض آسيا الصغرى وبعض بلاد العرب، وتضيق أحيانا عن هذه التخوم، والذي نتعمد الآن الكلام فيه: يحده شمالا آسيا الصغرى وشرقا نهر الفرات والبادية إلى بلاد العرب، وجنوبا قسم من بلاد العرب إلى تخوم مصر وغربا البحر المتوسط.
وقد اختلف العلماء في مأخذ اسم سورية، وذهبوا فيه مذاهب أظهرها وأمثلها مذهبان: الأول أنها سميت سورية نسبة إلى صور مدينتها، وأول من سماها بهذا الاسم إنما هم اليونان ... فكأنهم عرفوا أهل صور لكثرة ترددهم إليهم للتجارة، فسموهم سوريين وبلادهم سورية، بإبدال الصاد بالسين لعدم وجود حرف الصاد باليونانية، والثاني أن اليونان سموا أهل هذه البلاد سوريين نسبة إلى أسيريا بلاد الآشوريين الذين كانوا يلون سورية، وحذفوا الهجاء الأول من الكلمة تخفيفا، والبدل بين السين والشين والثاء مستفاض.
المقال الأول
في تاريخ سورية وسكانها قبائل مستقلة
الفصل الأول
في سكان سورية الأولين
(1) في سكانها قبل الطوفان
لا مرية في أن سورية كانت قبل الطوفان مأهولة بولد آدم، ولا نعتمد في هذا على التقليدات التي ترويها العامة عن قبر هابيل وقائين وغيرهما ... إذ لا يمكن التيقن بهذه التقاليد، بل الحجة القاطعة في ذلك هي أن الحقبة التي كرت بين خلق الإنسان والطوفان، وهي 1656 سنة بحسب النسخة العبرانية و2242 بحسب الترجمة السبعينية هي فوق ما يكفي لانتشار ذرية آدم في سورية القريبة من مهد الإنسانية مع طول حياة الناس قبل الطوفان، وقد رأينا أن ذرية نوح انتشرت في الآفاق سواء كان في ما بين النهرين أو أرمينيا، أو ما يقرب إليهما لأقل من الحقبة المذكورة. (2) في سكان سورية الأولين بعد الطوفان
Неизвестная страница
من سكان سورية الأولين بعد الطوفان الآراميون أبناء آرام، وهو الخامس من أبناء سام فهؤلاء قد أقاموا بدمشق وأنحائها، وفي سورية المجوفة أي: بلاد بعلبك والبقاع وما يليهما، واتصلوا من سهول حمص وبعلبك إلى شمالي لبنان ونواحي أطرابلس والبترون وجبيل حتى بيروت على قول بعضهم، وبنو آرام عوص وحول وجاثر وماش، فعوص أقام نسله في جهة حوران واللجان ... وقد سمى الكتاب هذه البلاد باسم عوص، إذ قال في فاتحة سفر أيوب: وكان رجل في أرض عوص اسمه أيوب وأما حول فأقام نفسه بين باسان والجولان حول بحيرة الحولة، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى حول المذكور، وأولاد جاثر أقاموا في إبطورية المعروفة الآن بالجيدور، وأما أولاد ماش فيظهر أنهم تخلفوا عن إخوانهم، واستمروا في ميشا في جوار نصيبين، كما يظهر أن ذرية لود أخي آرام كانت تسكن في شمالي سورية، واختلطت من أقدم الأيام مع الآراميين.
الكنعانيين
ومن هؤلاء السكان الكنعانيون أبناء كنعان بن حام بن نوح، فصيدون بكر كنعان توطن ولده في صيدا وما يليها، وسميت باسمه، وحث ابنه الثاني كانت مواطن ذريته الحثيين بين العاصي والفرات وجبل اللكام ... وفصيلة منهم سكنت حبرون أي: الخليل وجوارها قبل أن يأتيها إبراهيم ، واليابوسيون توطنوا في يابوس التي دعيت بعدا أورشليم، والأموريون أقاموا بجبل إفرام ويهوذا، وكانوا قد عبروا الأردن قبل عهد موسى وأنشئوا مملكة باسان وحشبون، والجرجسيون حلوا في شرقي الأردن وغربيه إلى الجليل، وجبل الكرمل، ويظن أن بحيرة الجرجسيين أوجناشر، وهي بحيرة طبرية تنسب إليهم، والحويون كانوا يسكنون في جوار جبل حرمون، وهو جبل الشيخ وفي جبع والرامة وقرية يعريم (وهي أبو غوش الآن)، وبعد أن طردهم يشوع بن نون ارتحلوا إلى أنحاء طرابلس، والعرقيون كانوا يسكنون عرقا في شمالي طرابلس إلى النهر الكبير، والسينيون كانت مساكنهم في مدينة سين في شمالي عرقا، ولا يبعد أن تكون أملاك هذه الفصيلة اتصلت بنهر السين أو السن بين جبلة والمرقب، والأرواديون كانت مساكنهم في جزيرة أرواد وما قابلها في اليابسة أي: طرطوس وعمريت وما يليها، والصمريون توطنوا سيميرا إحدى المدن الواقعة بين النهر الكبير جنوبا واللاذقية شمالا، وعند نهر مرقية بلدة تدعى مرة وناحية صمرين أو زمرين، والحماتيون كانوا يقطنون حماة، وما يليها بين الحثيين شمالا والآراميين جنوبا.
1
العبرانيين
أنبأنا الكتاب
2
أن أرفخشاد بن سام الثالث ولد شالح، وشالح ولد عابر، فعابر هذا عبر الفرات من المشرق إلى المغرب، فأخذ سكان سورية قبل إبراهيم يسمون ذرية عابر عبرانيين، وعابر ولد فالغ أو فالج ومعناه القاسم أو المقسم؛ لأن أبناء عابر انقسموا بعد عبورهم الفرات إلى فصيلتين: أقامت الأولى منهما بأور الكلدانيين، وارتحلت الثانية وهم بنو يقطان أو قحطان إلى بلاد العرب فقحطان هو أبو العرب العاربة ... ومن الفصيلة الأولى ولد إبراهيم وارتحل نحو ألفي سنة قبل الميلاد مع ابن أخيه لوط من أور الكلدانيين إلى حاران أولا، ثم إلى دمشق ثم إلى اليهودية، حيث بارك الله نسله ولا سيما إسحق ويعقوب وأبناؤه الذين انحدروا إلى مصر، فكثر عديدهم وأقاموا هناك أربعمائة وثلاثين سنة إلى أن ردهم الله إلى سورية إلى أرض الموعد، فهؤلاء هم العبرانيون وسيجيء الكلام فيهم.
وكان من ذرية إبراهيم ولوط ابن أخيه شعوب آخرون كانت مساكنهم بسورية، وهم: الموآبيون أبناء لوط من بنته الكبرى، وكانت مساكنهم في الشرق من البحر الميت، والعمونيون أبناؤه من بنته الأخرى وكانت محلاتهم في عبر الأردن، ثم الأدوميون أبناء أدوم، وهو عيسو بن إسحق وكانت مواطنهم في جبل سعير في جنوبي سورية، وشمالي بلاد العرب، ثم ذرية إسماعيل بن إبراهيم، والمدينيون ولد مدين بن إبراهيم من قيطورا، لكن هذين الشعبين يحسبان من سكان بلاد العرب.
الفلسطينيين
Неизвестная страница
من سكان سورية القدماء الفلسطينيون، وكانت مساكنهم في البلاد التي سميت باسمهم، وأصلهم من إكريت وغيرها من الجزر ومن آسيا الصغرى، أسرهم المصريون وأحلوهم في فلسطين وترى بعض أخبارهم في الكلام على العبرانيين.
السامريين
أصل هؤلاء من بلاد الكلدان قد جلاهم إلى سورية ملوك آشور من بلاد الكلدان، وأسكنوهم السامرة وما يليها بعد جلائهم بني إسرائيل إلى بابل.
قبائل أخرى
كان من سكان سورية قبل الشعوب المذكورين عدة عشائر يعرفون بالجبابرة، والأظهر أنهم ساميون، فمنهم: الرافائيم أي: الرفائيون وكانت مساكنهم في ما وراء الأردن في بلاد باسان، وقد جاء ذكرهم في سفر التكوين (ق14 عدد 5) بين العشائر التي ضربها كدرلاعومر ملك عيلام، ثم الزوزيم أي: الزوزينون وجاء ذكرهم في المحل المذكور، وفي تثنية الأشراع (فصل 2 عدد 20)، وكانوا يسكنون في الأرض التي سكنها بعدا العمونيون في عبر الأردن، ثم الأيميون وجاء ذكرهم في المحلين المذكورين، وكانت مساكنهم في شرقي البحر الميت، حيث سكن بعدا الموآبيون، ثم بنو عناق ويظهر أنهم المسمون نفيليم أي: الجبابرة وكانت مواطنهم في قرية أربع وهي الخليل، ثم العويون وجاء ذكرهم في التثنية (فصل 2 عدد 23)، وكانوا يسكنون القرى المجاورة غزة.
فهذه أخص القبائل التي توطنت بسورية إلى عهد إسكندر الكبير، وأشهرها وأعظمها ثلاث قبائل، وكانت مساكن الأولى منها في شمالي سورية، وهم الحثيون، ومواطن الثانية منها في وسط سورية وهم الفونيقيون، ومحل الثالثة منها في جنوبي سورية وهم العبرانيون، وسنفرد لتاريخ كل من هذه القبائل فصلا من الفصول التالية.
الفصل الثاني
في الحثيين
(1) في تاريخ الحثيين وعوائدهم وكتابتهم
إن تاريخ الحثيين حديث النشأة، فقبل نحو نصف قرن ما كان العلماء يعرفون من تاريخهم إلا بعض كلمات واردة في الكتاب، كشراء إبراهيم من عفرون الحثي المغارة المضاعفة مدفنا لسارة، وتزوج عيسو بامرأتين حثيتين، وتزوج داود بامرأة أوريا الحثي، وشراء سليمان الخيول لملوك الحثيين إلخ، على أن الاهتداء إلى حل رموز الخطوط الهيروكليفية والمسمارية قد كشف النقاب عن تاريخهم، فظهر أنهم كانوا مملكة مقتدرة فسيحة الأرجاء، وكانت بينهم وبين فراعنة مصر وملوك آشور حروب هائلة، وتتبع العلماء البحث عن آثارهم، فوجدوا لهم آثارا كثيرة عرفوا منها أين كانت مساكنهم ومهاجرهم، وما كانت معبوداتهم ونمط أبنيتهم، واكتشفوا على كثير من خطوطهم لكنهم لم يهتدوا إلى الآن إلى حل رموزها، ويؤمل اهتداؤهم إلى ذلك في وقت قريب.
Неизвестная страница
وقد انقسموا إلى فصيلتين، أقامت إحداهما في جنوب سورية في الخليل ونواحيها، ولم تكن لهذه الفصيلة ما كان من السطوة والسؤدد للفصيلة الثانية التي كانت مساكنها في شمالي سورية، ويظهر من هيئات صورهم في الآثار المصرية أن لون وجوههم كان أبيض ضاربا إلى الحمرة، ولا يطلقون لحاهم بل يحلقون شعور رءوسهم أيضا، ويتركون في أعلاها ناصية، ولباسهم قميص مستطيل وأحذيتهم معكفة أو معطفة إلى فوق كما كانت الأحذية في القرون الوسطى، وبقي شيء منها في بلادنا إلى عهد قريب، وكان أكابر رجالهم يتحلون بحلقة في أذنيهم، وكان أعظم مدنهم كركميش المسماة الآن إيرابولس وقادس على بحيرة حمص، وكانت بينهم وبين الروثانو أو اللودانو، وهم الآراميون أو اللوديون سكان بلاد دمشق مغالبات، فتغلب الحثيون عليهم أولا، ثم تغلب الآراميون على هذه البلاد بعد إذلال الآشوريين للحثيين في القرن الثامن قبل الميلاد. (2) في ما يؤخذ من الآثار المصرية من تاريخ الحثيين
تبين من الآثار المصرية أن توتمس الأول أحد فراعنة الدولة الثامنة عشرة أخضع سورية في القرن السابع عشر قبل الميلاد وبلغ إلى الفرات، وأقام عليه بقرب كركميش مدينة الحثيين نصبا يذكر الخلف بغزوته، وتوتمس الثالث غزا سورية مرات، وبعد غزوته لها في السنة 33 من ملكه نقش على جدران الكرنك ذكر تقادم الملوك، وجزيات الشعوب الذين غزاهم ودانوا لسلطته، فكان في جملتها جزية سكان بلاد الحاتاس (كذا تسمي الآثار الحثيين) الفسيحة كانت هذه السنة ثماني حلقات من فضة وزنها 301 ليبرا، وحجرا ثمينا كريما أبيض، ومركبات وأخشابا، وعاد توتمس ثانية إلى سورية، وكتب في تواريخه «من ملك بلاد الحاتاس الفسيحة أربعون ليبرا ذهبا وواحد وعشرون عبدا وأمة وثيران وبقر»، وقد غزا توتمس الرابع أيضا الحثيين، ووجدت صحيفة في هيكل آمون كتب عليها «غزوة توتمس الرابع لبلاد الحثيين».
وغزا رعمسيس الأول من ملوك الدولة التاسعة عشرة سورية في القرن السادس عشر قبل الميلاد، فدخل فلسطين فلم يصادف شديد مقاومة، لكنه لم يبلغ نهر العاصي إلا والتقته جيوش لم تكن له في الحسبان يقودها سابالت ملك الحثيين، وهو أول من يعرف من ملوكهم، وقد أضرب المصريون عن ذكر تفاصيل هذه الحرب؛ لأنها لم تكن مشرفة لهم، والظاهر من آثارهم أن رعمسيس ألجئ أن يعقد مع ملوك الحثيين معاهدة صلح تعهدت بموجبها كلتا الدولتين بالمهاجمة والدفاع لكل من يناوي إحداهما.
وقد غزا ساتي الأول ابن رعمسيس المذكور العرب، فشتت شملهم ثم حمل على سورية فقل من ناواه فيها إلى أن بلغ قلعة قادس مدينة الحثيين، فتسعرت نار الحرب وطال أجيجها، وتوافرت المواقع ففتح المصريون قادس ... ولم يكن فتحها ختام الدفاع، بل كان الحثيون ينازعون المصريين كل قدم من أرضهم حتى أعيوا ساتي، فاضطر أن يوقع على معاهدة صلح مع موتنار ملكهم ضمنت لهم سلامة أملاكهم حتى ردت عليهم قادس، ولم يلزم الحثيون أنفسهم إلا بالانعكاف عن الاعتداء على الأعمال المصرية، وهذا ظاهر من الصور والخطوط المنقوشة على هيكل آمون في الكرنك، فنجاح الحثيين بهذه الحرب زادهم جراءة وبسالة، فقطعوا على المصريين طريق الفرات الذي كانت عساكرهم تمر به، وأمست أملاك مصر بسورية مقصورة على فلسطين وفونيقي التي لم يكن لأهلها هم إلا بأرباح تجارتهم بمصر، واضطر ساتي أن يكتفي بالمحافظة على أملاكه، وبعدم التحرش لحرب الحثيين.
وبعد أن رقي رعمسيس الثاني ابن ساتي إلى منصة الملك في أواخر القرن السادس عشر حمل على سورية حملتين: بلغ في أولاها إلى بيروت، ونقش صورته على صخر بنهر الكلب، وكان الحثيون قد رعوا معاهدة الصلح مع أبيه ما دام حيا، وأخذوا بعد موته يتأهبون لثورة هائلة، وكانت أملاكهم منبسطة من قادس إلى أطراف آسيا الصغرى، ومن لبنان إلى الفرات، وأنبأتنا آثار رعمسيس أنه تألب معهم لمناوأته سكان حلب وكركميش والآراميون سكان سورية المجوفة والأرواديون، وأما أهل صيدا وجبيل، فكانوا يمالئون رعمسيس وكان عدد مركباتهم لا يقل عن ألفين وخمس مائة مركبة، فزحف إليهم للسنة الخامسة لملكه بعسكر جرار، وبلغ إلى شبطون في حصن الأكراد، وكان موتنار ملك الحثيين يؤثر الحيلة على استعمال القوة، فأرسل إلى رعمسيس أعرابيين متنكرين قالا له: إن رؤساء العشائر المتحدة مع ملك الحثيين الخسيس الذي انزوى الآن بحلب خيفة من بطش الملك، فاغتر رعمسيس وقام إلى قادس بعدد قليل من جنده، ولم يعلم بالمكيدة إلا عند وصوله إليها، وبينما هو على عدوة العاصي يفكر بما يتوسل به لنجاته، إذ وثب ملك الحثيين بغتة على قلب جيشه، فشتته وشطر جنود رعمسيس شطرين، ولم تنج رعمسيس إلا شدة شجاعته، وقد كتب في آثاره أنه اخترق صفوف العدو ثماني مرات إلى أن أقدرته العناية على جمع شمل جيشه، وإصلاء نار الحرب على أعدائه النهار بطوله ... إن بنتأور الشاعر المصري نظم تاريخ هذه الموقعة، ونقش شعره على جدار هيكل الكرنك، وكتبت أخبارها على بابير محفوظ الآن في المتحف البريطاني.
واستؤنف القتال في اليوم التالي، ودارت فيه الدوائر على الحثيين، فقتل منهم خلق كثير وغرق بعضهم وفي جملتهم ملك حلب، فإنه يرى في هذه الموقعة معلقا برجليه، ويندفق من فيه الماء الذي كان يظن أنه ابتلعه، فأرسل ملك الحثيين يلتمس الأمن والصلح متذللا على ما في الآثار المصرية، فأجابه رعمسيس إليه وعاد ظافرا إلى مصر.
على أن ذلك الصلح لم يكن إلا هدنة، فإن ملك الحثيين هيج الكنعانيين على رعمسيس، فحاربتهم عساكره عند بحيرة الحولة وفي جبل طابور، وفي السنة الحادية عشرة لملكه تقوى السوريون على المصريين، حتى خيل أنهم حصروهم بمصر ثم تقوى رعمسيس فاسترد عسقلان وأورشليم والكرمل، ثم اتصل إلى طرد عساكر المتحدين من فلسطين وفونيقي، وبلغ إلى قادس ... ودامت هذه الحرب نحو خمس عشرة سنة، ولم تخمد إلا بعد أن قتل موتنار ملك الحثيين في إحدى مواقع الحرب، وتمثل هذه الحروب صور منقوشة في تاب، وبعد موت ملك الحثيين خلفه أخوه المسمى كيتامار، وكانت الدولتان المتحاربتان كلتا من القتال، فعقدتا عهدة صلح نقش نصها على ظاهر جدار الكرنك، ولخصناه في تاريخ سورية، ومؤداها امتناع كل من الدولتين عن السطو على بلاد الأخرى، وإلزام كل منهما بنجدة الأخرى لدى الاقتضاء، ويظهر منها أن كل ما كان من جبيل نحو الغرب والجنوب كان يخص المصريين، وكل ما كان منها نحو الشمال والشرق خص الحثيين؛ ولكي يوطد رعمسيس وثاق الصلح بينه وبين الحثيين تزوج بابنة كيتامار ملك الحثيين، فدعاه لزيارته بمصر فسار إليها وأقام رعمسيس في تاب نصبا نقش عليه صورته وصورة حميه وامرأته.
ودام السلم بين الحثيين والمصريين أعواما، ولا نجد في أثر مصري ما يدل على حرب بين الدولتين إلا ما كتبه رعمسيس الثالث أحد فراعنة الدولة العشرين على هيكل النصر في أن شعوبا من آسيا الصغرى، وجزر اليونان تألبوا عليه، وأذلوا شعوب الحثيين، فاضطروهم أن يصحبوهم لقتال المصريين، ولما انكسر هؤلاء انكسر معهم ملك الحثيين ... وقد نقشت أسماء من أذلهم رعمسيس الثالث على جدار مدينة أبو، فكان من جملتهم «ملك الحثيين المنكود الحظ الذي أسر حيا». (3) في ما يؤخذ من تاريخ الحثيين عن آثار الآشوريين
تجلت فلاصر أن هذا الملك كان نحو سنة 1130 قبل الميلاد، وحارب الحثيين وخلد أخبار حربه لهم وانتصاره عليهم في ما كتبه على نصب أقامه، وهو ذا ملخص ما كتبه «أنا تجلت فلاصر المحارب الشريف، ذللت بلاد سوبير الفسيحة، وقد استحوذ أربعة آلاف رجل من فصائل الحثيين العصاة على مدينة سوبرتا فروعتهم مخافة سلاحي، فأذعنوا وذلت رقابهم لنيري فغنمت أموالهم، وأخذت مائة وعشرين من مركباتهم ووهبتها لرجال بلادي، وجيشت جنودي المظفرة، وزحفت إلى بلاد آرام وسرت حتى مدينة كركميش في بلاد الحثيين، فعبرت الفرات وصنعت بهم ملحمة كبرى، وغنمت من عبيدهم وأموالهم ما لا يدركه عد، وافتتحت بعض مدنهم ونهبتها وحرقتها»، (يظهر من كلامه أنه لم يفتح كركميش)، وقال: إنه سار في بلاد الحثيين حتى بلغ جبل أمانوس (اللكام)، فنكل بأهله ونهب أموالهم فدانوا له صاغرين، وعاد لكنه لم يبلغ نينوى إلا واحتشد عشرون ألف مقاتل من أهل هذا الجبل الحثيين مؤثرين الموت على الذل، فعادت إليهم جيوشه فبسلتهم وشتت شملهم، ودكت مدينتهم هاتوسا إلا بيتا صغيرا ترك ذكرا.
آشورنسير بال تولى الملك من سنة 883 إلى سنة 858 قبل الميلاد، وقد اكتشف لايرد على تمثاله في أسوار حصن نمرود، وهو الآن في المتحف البريطاني مكتوبا على صدره «آشورنسير بال الملك العظيم الملك القدير ملك البلاد من ضفة دجلة إلى بلاد لبنانا (لبنان)، وأخضع لسطوته البحار الكبيرة، وكل البلاد من مشرق الشمس إلى مغربها»، وقد حمل على سورية ونقش تاريح حملته على صخر، وهذا مآله «غادرت كالح وعبرت دجلة قاصدا مدينة كركميش في بلاد الحثيين، واجتزت الفرات على قطع من أديم، واقتربت من كركميش ... وفرضت على سنغار ملك بلاد الحثيين عشرين وزنة من فضة وحلي كثيرة من الذهب، ومائة وزنة من النحاس، ومائتين وخمسين وزنة من الحديد والقصدير، وآلات من حديد ونحاس، وغنائم بلاطه وأثاثه شيئا كثيرا لا مثيل لظرافته، وأثاثا من أبنوس وأعراشا من خشب السنديان، ومائتي امرأة رقيقة وأنسجة من صوف وبرفير، ومركبات مرصعة بالعاج وتماثيل من ذهب»، وتسمية سنغار ملك الحثيين لا ملك كركميش مؤذنة بانبساط ملكه بسورية كلها، أو بالسواد الأعظم منها، ويدل على ذلك أيضا استسلام باقي الملوك إلى الغازي في كركميش، فإنه كتب «إن ملوك هذه الأعمال ذلت أعناقهم لنير سلطتي بعد أن تهيئوا لمناوأتي، فأخذت رهائن منهم وتركت كركميش وسرت قاصدا لبنان ... فجسر أمير كان يلي السهول المجاورة نهر عفرين، وأصحاب بعض المدن الشهيرة منها إعزاز أن يعترضوا مروري، ولما دنوت منهم ذلوا وقدموا إلي أثمن ما كانوا يملكون، فدوخت أمانوس (اللكام)، وسرت بجيشي على جانبي العاصي أياما إلى أن بلغت لبنان، وملكت سفحيه أي: من جهة البحر وجهة بعلبك والبقاع، وقد عدت لملوك الذين أخذ الجزية منهم، فكان منهم ملوك صور وصيدا وجبيل وأرواد»، ولم يذكر قادس فكأنها كانت قد خربت أو تقهقرت وقال: إنه أكب على الصيد بلبنان أياما فذكر ما اصطاده من الطير والوحش.
Неизвестная страница
سلمناصر الثالث هذا الملك ارتقى إلى منصة الملك بعد أبيه آشورنسير بال سنة 858، واستمر عليها إلى سنة 823، وكانت له حروب كثيرة مع الحثيين، ويظهر من آثاره أن سنغار ملكهم السابق ذكره استمر في أيام هذا الملك الذي حمل عليه الحملة الثالثة سنة 854ق.م، ونقش تاريخها على صفحة في كورخ ملخصه: «إن سنغار ملك كركميش وغيره من الملوك وثقوا بقوتهم، وهبوا لمناوأتي، فتوكلت على قوة فركال السامية وعلى الجيوش المظفرة، فحاربتهم وشتت شملهم وبسلت خيولهم، وأمطرت عليهم طوفان نبال وأفعمت البرية من قتلاهم، وذريت جثثهم كالغبار في الصحراء، وأخذت كثيرا من مركباتهم وخيولهم، وأقمت رابية من رءوس قتلاهم على مدخل المدينة، ودمرت مدينتهم ودفعتها للنهب»، ثم تقدم إلى جبل اللكام وإلى وادي العاصي فضرب جيش المتحالفين، فلعبت بهم أيدي سبأ، وقتل منهم ألف وستمائة قتيل وأسر منهم نحو أربعة آلاف أسير استاقهم إلى نينوى.
وعاد سلمناصر فجمع الحثيون جيشا آخر، وتعقبوا آثاره واستردوا بعض المدن التي أخذها حتى بلغوا الفرات، فعكف الغازي عليهم ونكل بهم، وكان سنغار ملك الحثيين قد حصن مدينة من مدنه تسمى سازابي لا نعلم موقعها، فحاصرها سلمناصر وفتحها عنوة، وكتب على مسلته «دنوت من سازابي أحد حصون سنغار فحصرتها وافتتحتها، وقتلت كثيرا من رجاله وغنمت غنيمة ثمينة، وخربت مدن ولايته، وافترضت عليه جزية ثلاث وزنات ذهب، ووزنة من الفضة وثلاثين وزنة من النحاس ومائة من الحديد، وعشرين وزنة من النسيج الأبيض والبرفير، وابنته مع حلاها، ومائة بنت من الأشراف وخمسمائة ثور وخمسة آلاف خروف»، وجاء في الخطوط المنقوشة على الثيران المقامة بقصره في نينوى أنه فتح في إحدى حملاته سنة 846 سبعا وثمانين مدينة من بلاد الحثيين، وأراد سلمناصر أن يخضع سورية الوسطى، فعبر الفرات مرة أخرى واستوفى الجزية من الخاضعين له في سورية الشمالية، وسار إلى وادي العاصي، فتألب عليه إبدكولينا ملك حماة وابن هدد الأول ملك دمشق وعصابة من الحثيين، فكان المتحالفون عليه اثني عشر ملكا من جملتهم أخاب ملك إسرائيل، وتسعرت نار الحرب في كركر، فكان النصر له، وقد كتب في آثاره: «أنه قتل من الأعداء حينئذ أربعة عشر ألفا وانثنى عليه ابن هدد فبدد شمله ثانية، وقتل منهم عشرين ألف قتيل»، وانهزم ابن هدد في البحر فتتبعه على التيار لكن لم يدركه.
رمان نيرر الثالث حفيد سلمناصر الثالث حمل على بلاد الحثيين، وتطرق منها إلى فونيقي حتى صيدا وصور وبلاد عمري أي: مملكة إسرائيل وبلاد أدوم وفلسطين، ودخل دمشق وأسر ملكها المسمى مرياه أو مرياح، وكتب ذلك على أثر له ذكره لانرمان مجلد 4 صفحة 211، على أن خضوع هذه البلاد لملوك آشور لم يكن إلا موقوتا، فإذا عاد الغازي إلى عاصمة ملكه عاد الحثيون وغيرهم إلى استقلالهم، واستفحل أمرهم في بلادهم، وعليه استمر الحثيون ينعمون بالا في هذه الحقبة إلى أن رقي إلى منصة الملك.
تجلت فلاصر الثاني سنة 745ق.م فغزا سورية سنة 743ق.م، ويظهر من فقرة من آثاره أنه غشي سورية ظافرا، وأكره ملك الحثيين المسمى حينئذ بيزيريس على الخضوع لسلطته، وأقام بعسكره في أرباد المعروفة الآن بتل أرفاد في جهات حلب، وكان سكانها حثيين، واستدعى جميع ملوك سورية ليأتوه بالتقادم دلالة على انقيادهم لأمره، فأتوه بها صاغرين فانصرف مظهرا الرضى عنهم، على أن هذه التقادم هيجت مطامعه، فعاد السنة التالية إلى سورية فلم يكن الملوك المذكورون هذه المرة أوغادا، بل أخذتهم الحمية وضمتهم العصبية فقاوموه أشد مقاومة، واستمر على حصار أرباد سنتين، ولما فتحها تيسر له قهر باقي الملوك السوريين، فاستسلمت إليه حماة فجلا من أهلها جما غفيرا، وكذلك فعل بغيرها فكان المجلون إلى بلاده ألوفا، وأداه ملك سورية الجزية، وقد عدد هؤلاء الملوك في أحد آثاره متفاخرا ... فكان منهم بيزيريس ملك كركميش وأنبال ملك حماة ورصين ملك دمشق ومنحيم ملك السامرة، وحيرام ملك صور وسيبيتي بعل ملك جبيل، على أن الغازي ترك بعضهم على منصات ملكهم، لكنهم بدلا من أن يعنوا بلم شعث شعوبهم وإصلاح شئون بلادهم عادوا إلى معاداة بعضهم بعضا، فرجع إليهم تجلت فلاصر بجيش جرار سنة 734ق.م، فاستحوذ على مدنهم ونكل بأهلها وبسط صولته إلى أطراف فلسطين الجنوبية، ولما هم بالعود إلى بلاده استدعاهم إليه، فكانوا خمسة وعشرين ملكا.
سرغون بعد أن ملك بلاد آشور افتتح السامرة وصور ودمشق، وأغضى عن بيزيريس ملك الحثيين لقربه من بلاده، ولما رآه بيزيريس متشاغلا في حروبه حالف بعض ملوك آسيا الصغرى، ودرى بذلك سرغون فدهمه بغتة، وهاك ما كتبه: «في حملتي الخامسة (سنة 717 أو سنة 716ق.م) كان بيزيريس عصى كبار الآلهة، وعقد عهودا مع ميتا ملك بلاد موشكة، فأخرجته من مدينته، وأخذت خزائنه وكبلته بقيود الحديد، وغنمت ما كان من الفضة والذهب في قصره وجلوته مع سكان كركميش إلى بلاد آشور ... وأسكنت قوما من بلاد آشور في مدينة كركميش»، وأقام سرغون حاكما آشوريا في كركميش، فإنه استطرف هذه الطريقة في أن لا يبقي الولاة الوطنيين على مناصبهم بل ينصب مكانهم ولاة من بلاده.
وعليه فقد لحق الحثيون ببني إسرائيل المسبين إلى آشور وبابل، وانقرضت بهذه الضربة مملكة الحثيين، وكان بيزيريس آخر ملوكهم. (4) في ما يؤخذ من تاريخ الحثيين عن آثارهم
قد اكتشف في جهات سورية، ولا سيما الشمالية وفي آسيا الصغرى وبلاد اليونان وجزرها وغيرها آثار كثيرة للحثيين، وخطوط غير المصرية والآشورية، فأنبأتنا بما كان لهم من الصولة والسؤدد والمهاجرة إلى أصقاع شاسعة، على أن خطوطهم لم يتيسر إلى الآن حل رموزها، ومتى حلت كما يرجى أكسبتنا معارف كثيرة وزادت في تاريخهم، وفي اللغة المكتوبة فيها خطوطهم خلاف ... فمن قائل: إنها سامية، ومن قائل: إنها حامية، وقد اشتهر الحثيون بصناعة النحت، تشهد بذلك آثارهم الباقية، ولا سيما في أطلال بوغاز كوى بآسيا الصغرى، وقد أتقنوا هندسة التحصين كما يرى في محاصن بوغاز كوى المذكورة، وقد مهروا في استخراج المعادن كما يظهر من مناجم بلغارداغ في آسيا الصغرى أيضا، ونسب إليهم صناعة تحويل الحديد فولاذا ... وقد رأى بعض العلماء أن قسما كبيرا من الصناعة عند اليونان انتحلوه عن الآشوريين بواسطة الحثيين، ورأى بعضهم أن صناعة الحثيين خاصة بهم لم يأخذوها عن غيرهم، واحتجوا لرأيهم بأن آثار الحثيين في بوغاز كوى وغيرها أقدم من آثار الآشوريين ... حتى تفاخر تجلت فلاصر الثاني بأنه بنى في كالح صرحا أشبه بقصور الحثيين، وعلى كلا القولين فإن اليونان أخذوا أشياء كثيرة في صناعتهم من الحثيين.
ديانتهم:
يظهر أن الحثيين أخذوا ديانتهم عن البابليين، وبثوها في سورية وآسيا الصغرى، وتطرقت ومن ثم إلى بلاد اليونان، فإن معبودات كل هذه القبائل واحدة، وإن اختلفت اسما ... فعشتروت البابلية هي من معبودات الحثيين والكنعانيين وابنها وعروسها هو تموز أو أدونيس عند الفونيقيين، ويسميه الآراميون في سورية هداد وهو في آسيا الصغرى أنيس راعي النجوم، وجميع هذه القبائل تبكيه؛ لأنه قتل يافعا ثم تحتفل لقيامته من الموت، وفي لبنان صورته قتيلا في الغينة من الفتوح وصورته قائما من الموت في المشنقة من عمل جبيل.
ملابسهم وأسلحتهم:
Неизвестная страница
أما ملابس الحثيين على ما يشاهد من آثارهم، فهي الحذاء المتعكف الطرف ونوع من القفاز (الكفوف) يدفئ الراحة، ولا يشمل الأصابع ليطلق لها العمل، ولهم نوعان من القبعة أحدهما كالعرقية، والثاني كالتاج مستطيلا من أعلى مخروطي الشكل مزدانا بعصائب، وملابس نسائهم طويلة تشمل الرجلين ويحتزمن بنطاق من حبل مشدود إلى الوراء، وملابس الرجال قميص تتصل إلى الركبة مشدودة على الوسط بمحزم يعلق به خنجر، وسلاحهم الرمح والقوس يشد على الظهر، والفأس ذو الحدين.
مستعمراتهم:
إن آثار الحثيين دلتنا على أن مستعمراتهم لم تنبسط جنوبا وغربا حتى دمشق ولبنان فقط، بل امتدت شمالا في آسيا الصغرى حتى مدخل البحر الأسود، وقد استفحل أمرهم بهذه البلاد على هيئة معاهدة ضمت جميع ولاياتهم، وتثبت ذلك آثار كثيرة، منها تمثال نمفيو على الطريق المؤدية من أزمير إلى سرت، وأطلال بوغاز كوى في الكبادوك وأطلال ياذيلي كايا هناك إلى غيرها.
قد ألف الأب قيصر دي كارا تأليفا في الحثيين ومهاجرهم نشره أولا في مجلة التمدن الكاثوليكي، ثم ضم إلى الكتاب وأحد وأطال وأجاد في تاريخ هؤلاء وارتحالاتهم، وفي جملة ما عني بإثباته أن سكان قبرس الأولين هم الحثيون، وإن كان اليونان توطنوها فقد سبقهم إليها الحثيون، وكذلك أن سكان جزائر بحر الروم ورودس وكريت وساموس وغيرها هم حثيون، بل إن سكان بلاد اليونان وبعض إيطاليا هم حثيون، وأن البلاسج الأولين هم من هذه القبيلة، وأن البلاسج المتأخرين عنهم هم يافتيون، وأن ارتحالات الحثيين هذه إلى هذه البلاد كانت في نحو القرن العشرين أو الواحد وعشرين قبل الميلاد، قرب الوقت الذي شخص به إبراهيم إلى فلسطين، والوقت الذي أغار به الملوك الرعاة على مصر واستحوذوا عليها، ومن رأيه أن هؤلاء الملوك أو أكثر جيشهم كانوا حثيين، وأن قدموس الذي ارتحل بذويه إلى بلاد اليونان، ووضع لهم حروف هجائهم لم يكن ارتحاله في نحو القرن الخامس عشر، كما هو الرأي العام بل قبل ذلك بنحو خمسة قرون، وقد أسند الأب دي كارا رأيه هذا إلى استدلالات كثيرة: منها المشابهة التامة بين مصنوعات الحثيين، ومصنوعات البلاسج الأولين النقدية، وبين تحصين المدن والقلاع عند القبيلتين، ووحدة المعبودات عندهما إلى غير ذلك من الأدلة، وألقى خطبة في شهر أيلول سنة 1891 بلندرة بحضرة جم غفير من المستشرقين أورد فيه حججه على أن البلاسج الأولين هم الحثيون، بل أفرد الأب دي كارا كتابا برمته ليثبت أن الملوك الرعاة الذين أغاروا على مصرهم حثيون أصلا، ومهاجرهم سورية الشمالية، وقد انضم إليهم بحملتهم على مصر غيرهم من القبائل السورية، وكانت حملتهم هذه بين القرنين العشرين والواحد والعشرين، وكانت منهم ثلاث دول من مصر هي الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة من دول مصر، وفي أيامهم كان يوسف وزيرا بمصر .
الفصل الثالث
في الفونيقيين
(1) في اسم فونيقي وتخومها وأصل سكانها
اسمها كثرت الأقوال فيه، وأقربها إلى الصواب قولان: الأول أنه أخذ عن كلمة فون أو بون التي تعبر بها الآثار المصرية عن بلاد العرب الشرقية وشاطئ خليج العجم، من حيث أتى الكنعانيون إلى سورية، واستعمله العرب منسوبا نسبة أعجمية فكان فونيقي أو بونيقي، والثاني أن اسم فونيقي يوناني تأويله النخل سميت به لكثرة هذا الشجر فيها قديما، ويؤيده رسم صورة النخل على بعض مسكوكاتها القديمة.
وأما تخومها فلم تكن واحدة في كل عصر، فقد كانت قبل فتح يشوع بن نون لأرض الموعد تمتد من أنطاكية إلى غزة، وكانوا يقسمونها إلى فونيقي البحرية، وتشتمل على المدن الساحلية، وإلى فونيقي لبنان، وتشمل على لبنان وبعلبك ودمشق حتى تدمر، على أنه بعد أن طرد يشوع بن نون الكنعانيين من جبال فلسطين، وتوطن السواد الأعظم منهم في المدن البحرية أصبح اسم فونيقي لا يشمل إلا الأصقاع الساحلية من جبل الكرمل جنوبا إلى أرواد شمالا مع ما يجاور ذلك من جبل لبنان.
أما أصل سكانها فقد مر أن الكنعانيين بعد أن هاجروا إلى سورية توطن بعض فصائلهم فلسطين، وكانت تخومهم إلى صيدا شمالا، وسكن بعضها عرقا وما يليها شمالا، وكان سكان البلاد التي من صيدا إلى عرقا آراميين حلوا هذه البلاد قبل الكنعانيين ... ولا بد أن الشعبين اختلط أحدهما بالآخر مع كرور الزمان، وعليه كان سكان فونيقي القدماء آراميين وكنعانيين، وكانت عاصمة الفونيقيين أولا صيدا ثم خلفتها صور. (2) الفونيقيون في أيام سؤدد صيدا
Неизвестная страница
كانت صيدا مقام ذرية صيدون بكر كنعان بن حام، ولما فتح يشوع بن نون بلاد الكنعانيين الجنوبية قهر ملوكهم، وأخذ أراضيهم وملكها لبني إسرائيل، ولم يتخط يشوع حدود صيدا في لحاقه لملوك الكنعانيين، فتزاحمت أقدام الفارين في هذه المدينة، وضاقت بهم الأرض فارتحلوا إلى أصقاع شتى، وأخص جالياتهم جاليتان: هاجرت الأولى منهما إلى تاب ببلاد اليونان، وهي المعروفة بجالة قدموس الفونيقي، وهو على رأي جمهور العلماء واضع الحروف اليونانية المشبهة الحروف الفونيقية ، وقد حكم في تلك الأصقاع، ولكن نازعه الوطنيون الولاية، واستمرت ولاية تاب تتنازعها سلالتان: إحداهما فونيقية والأخرى سبرتية أو وطنية مدة ثلاثة قرون، والجالية الثانية ارتحلت إلى المغرب في إفريقية فتوطنوا قرطاجنة وما يليها، وتبعهم غيرهم من الفونيقيين، واختلطوا بالسكان الأصليين الليبيين اليافتيين، فكانت منهم تلك الأمة التي طارت شهرتها وعظمت سطوتها وصولتها حتى حاربت الرومانيين تلك الحرب الشهيرة، وكانت لغة هذه الجالية لغة الفونيقيين أو فرعا منها إلى أيام القديس أغوسطينوس أسقف هيبونا التي أنشأها الفونيقيون.
ولما احتل الفلسطينيون جنوبي البلاد المنسوبة إليهم أزاحوا منها من كان قد بقي فيها من الكنعانيين، فانضموا إلى إخوانهم المنتشرين في الشمال إلى أرواد تجمعهم معاهدة اتفقوا عليها وسموا فونيقيين.
وكان الصيدونيون قد اخترعوا الملاحة والسفر بالبحر، وبينما كان أبناء عمهم الحثيون يشنون الغارة على مصر، فيستحوذون عليها ويجلسون قادتهم على منصات الفراعنة، كان الصيدونيون يغالبون البحر ويمتطونه، ويذللون أمواجه ليضربوا في ما وراءه للتجارة والكسب، وكانوا أول من أجاد على المعمورة بهذا الاختراع الخطير الكثير النفع، وقد احتكروا هذه الصناعة ولم يكن لهم فيها مبار مدة قرون. (3) مستعمرات الفونيقيين في أيام سؤدد صيدا
قبرس:
كانت هذه الجزيرة أول محاط الفونيقيين في البحر لقربها من بلادهم، وعن إسطفان البيزنطي أن الجبيليين سبقوا الصيدونيين إليها، لكن جبيل كانت مدينة هياكل ومعابد يهمها الدين أكثر من التجارة، فلم يكن لها أملاك هامة في الجزيرة بل أقام منازيحها هيكل الباف في غربي الجزيرة، وكان ولاة بعض الأعمال فيها يخضعون لجبيل إلى أن ذل جميعهم لسلطة صيدا، وقال بعضهم: إن هذه الجزيرة افتتحها أولا الحثيون وأنشئوا فيها مدينة شيتيوم وهماسيا، وسميت الجزيرة كلها باسم شيتيوم، ولا تحتاج الكلمة إلا إبدال الشين بالحاء؛ لتكون حيتيوم أو حتيم أو كتيم فتشعر بأنها من بناء الحثيين، وكذا همتوسيا أو حماسيا مشعرة باسم حماة مدينة الحثيين ... وعليه فيكون الحثيون سبقوا إلى قبرس، ثم استحوذ عليها الصيدونيون.
رودس:
انتقل الفونيقيون من قبرس إلى رودس، وعن سالون الأثيني أن الكاريين سكان الجزيرة القدماء اختلطوا بالفونيقيين، وأصبحوا شعبا واحدا، ثم تطرق الفونيقيون إلى إكريت وغيرها من جزر الأرخبيل إلى تاتوس التي كانت فيها معادن ذهب، شاهدها هيرودت بعد عشرة قرون، فدهش بما رآه من الأعمال الكبيرة التي أجراها الفونيقيون في استخراج هذه المعادن.
البحر الأسود وجبال قاف:
انطلق تجار الفونيقيين وتجارتهم إلى البحر الأسود وانتهوا إلى جنوبي قاف، وكانت سفنهم تشحن من هنالك الذهب وغيره من المعادن الثمينة، وكانت لهم محاط ومستعمرات في الأماكن المذكورة.
الأبير وإيطاليا الجنوبية:
Неизвестная страница
توصل الفونيقيون أيضا إلى الأبير وصقلية وجنوبي إيطاليا، وكان لهم في هذه المواضع بيوت تجارة ومستعمرات، وكان لهم في مصر تجارة وسيعة، وكان لهم في منف حي خاص بهم ... وكانت سفن الصيدونيين والبيروتيين تسير على شواطئ إفريقية، وبنوا هناك كمباه حيث بنيت بعدا قرطاجنة وهيبون على مقربة منها.
قوافلهم:
بينما كانت سفن الفونيقيين تمخر البحور كما مر كانت قوافلهم تطوي البيد إلى سائر أنحاء سورية، وبلاد العرب والكلدان وأرمينية، وكانت لهم بيوت تجارية ومستعمرات في حماة، وتبساك على عدوة الفرات وتدمر ونصيبين إلى غيرها. (4) في حالة الفونيقيين السياسية على عهد الصيدونيين
كان الملوك الرعاة يلون مصر وكانوا سوريين، فكان الفونيقيون ناعمي البال لا يخشون سطوا، ولا يحاذرون إغارة عليهم، ولكن لما طرد المصريون الملوك الرعاة طمحت أعينهم إلى سورية، واختشوا أن يعاون أهلها الملوك الرعاة على العود إلى مصر ... فغزا آمون هو تاب الأول جنوبي سورية، وأكمل توتمس الأول إخضاع العشائر السورية حتى بلغ الفرات، وأقام له هناك نصبا، ويظهر أن الصيدونيين ومن تبعهم سالموا الفراعنة، ولم يشتركوا في العداوة لتوتمس الثالث عند غزوته للسوريين، واستسلموا إلى رعمسيس الأول، وإلى ساتي الأول ابنه وإلى رعمسيس الثاني عند محاربتهم للحثيين كما مر مؤثرين راحتهم ونجاح تجارتهم، وهذا بين من الآثار المصرية.
بل يظهر من هذه الآثار أن المصريين كانوا يمقتون البحر، ويعتبرونه نجسا فأقاموا الفونيقيين على سفنهم، وكان لتوتمس الثالث أسطول بحارته من الصيدونيين يجبي الجزيات من الأمصار الشاسعة، وهم كانوا يلون السفن المصرية التي تنقل العساكر إلى بلاد العرب بالبحر الأحمر، والتي تنقل حاصلات الهند وبلاد العرب إلى مصر. (5) تقهقر صيدا وسقوط مهابتها
قد أنبأتنا الآثار المصرية بأحداث كثيرة كانت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد؛ منها أن البلاسج قدماء بلاد اليونان أحدثوا سفائن في البحر المتوسط، وتحالفوا مع سكان إيطاليا وصقلية وسردينيا والليبيين في إفريقية، وأبدى المتحالفون تعديات كثيرة أخصها على سفن الصيدونيين في بحر الروم، وهيجوا الوطنيين على النزالة الفونيقيين، ونجدوهم حتى طردوهم من مستعمراتهم من الأرخبيل ولم يبق لهم منها إلا القليل، وعقب ذلك فتح يشوع بن نون أرض الموعد، وتدميره إحدى وثلاثين مملكة وقتل ملوكها، وتمليك أرضهم لبني إسرائيل ... فأثقل الباقون منهم كاهل صيدا، وكانوا وبالا عليهم وضعف جانبها، وكان من أصحاب المحالفة المذكورة أهل كريت، وجزر البحر المتوسط وسواحله فقصدوا مصر ليستحوذوا عليها، فهب رعمسيس الثالث لمقاومتهم وأسر السواد الأعظم منهم وأسكنهم جنوبي فلسطين، ولحقهم أناس من بني جلدتهم، فتقووا هناك وسموا فلسطينيين، وضايقوا بني إسرائيل، وفي سنة 1200 قبل الميلاد حملوا على صيدا على حين غفلة، فافتتحوها عنوة وأبسلوا من وجدوا من أهلها، فكانت بذلك نهاية سؤدد صيدا وذهاب مهابتها. (6) في جعل صور عاصمة للفونيقيين
إن الذين فروا من صيدا اجتمعوا بصور حول هيكل ملكرت الذي كان مركزهم الديني، فزادت الأحداث المذكورة في عداد سكان صور، وجعلتها عاصمة الفونيقيين سياسة ودينا، وسمى إشعيا النبي صور بنت صيدون (ص23 عدد 12)، واستمرت صور رافلة بأطراف مجدها خمسة قرون كما سيجيء، واستحكم حينئذ اتحاد الفونيقيين وتوثقت عرى عهدتهم، وانضم إلى الصوريين كل العشائر الكنعانية التي كانت مساكنها إلى الشمال منها إلى أرواد، وحفظت مدنهم الشهيرة كبيروت وجبيل وغيرهما استقلالها المحلي مع إقرارها بالسيادة لملك صور، وكانت هيئة حكومتها ملكية مقيدة بمجالس عامة مؤلفة من أغنياء الشعب ومرتبطة بمشورة الكهنة والقضاة. (7) مستعمرات الفونيقيين في مدة سيادة صور
لما كان البلاسج أنشئوا سفنا وطردوا الفونيقيين من أكثر مستعمراتهم، فسار الفونيقيون بعد ذلك من وجهة أخرى لا يلقون بها منازعا ولا معارضا، فقصدوا جهة المغرب في إفريقيا حيث كان لهم مستعمرة فزادوا تلك الجهة عمرانا ونجاحا، وأخذت سفنهم تتقدم نحو الغرب حتى جزائر الغرب وفاس إلى أن اكتشفوا إسبانيا، وعمروا قادس مدينتها، وتواترت أسفارهم وتوافرت جالياتهم في تلك البلاد وبنوا ملاكا وسكس وغيرهما، واتصلوا إلى سفح جبال البيراناي، وكان الفونيقيون يجلبون من إسبانيا الذهب والفضة والحديد والرصاص والقصدير، ثم العسل والشمع والزفت، وبهذا المعنى قال حزقيال (فصل 27 عدد 12): «ترشيش (يريد بها إسبانيا) متجرة معك في كل غنى، وبالفضة والحديد والقصدير والرصاص أقامت أسواقك.» وكانت تجارتهم هذه رابحة كثيرا وأصبحت في جلى مهامهم، وكان لا بد لهم من محطة في طريقهم فاختاروا لذلك مالطة، واحتلتها جالية منهم في آخر القرن الثاني عشر قبل الميلاد، وتوسعوا في الجزر القريبة إليها ثم قصدوا صقلية، وانتشرت تجارتهم فيها وعمروا فيها مدنا كثيرة منها بالرم، ولما كانت سفنهم التي تسافر إلى إسبانيا لا بد لها من المرور بجانب سردينيا، فعمروا كالياري فيها وجعلوها مستودعا لتجارتهم وذخائرهم، ثم تطرقوا إلى باقي محال هذه الجزيرة، واستحوذوا عليها، ووجد فيها حديثا أثر من أيام ولاية الصوريين عليها يسمى به معبود أهل الجزيرة سردوس باتر وفي الفونيقية أب سردون، ويظهر أنه كان لهم معاهد في سردينيا، وتطرقوا منها إلى جنوبي إيطاليا وتوسكانا، وكانت قوافل تجارتهم تتوغل في أملاك إفرنسة وألمانيا.
وروى إسترابون أنه كان لهم أو لجاليتهم بقرطاجنة مستعمرات في مراكش، وفي ما وراء بوغاز جبل طارق، وقد بقي أثر فونيقي هو خلاصة كتاب جزيل الأهمية كتب في الفونيقية يسمى درج حنون، وخلاصة ترجمته إلى اليونانية يتبين منها: أن أهل قرطاجنة الليبيين الفونيقيين أرسلوا حنون هذا بستين سفينة شاحنة جالية منهم إلى ما وراء بوغاز جبل طارق؛ لتحتل تلك الثغور، فذهب وأخذ يحل كل جماعة في محل مسميا المدن والقرى والجزائر التي توصل إليها؛ فأثبت هذا الدرج وجود مستعمرات للفونيقيين في ما وراء جبل طارق، وروى هيردوت (ك4 ق42) أن نكو ملك مصر سير سفنا ملاحوها من الفونيقيين، فدارت حول قارة إفريقية مبتدأة من البحر الأحمر ، ومنتهية إلى بوغاز جبل طارق ومنه إلى مصر. (8) في اتفاق الفونيقيين وبني إسرائيل
استمرت العداوة بين بني إسرائيل وعشائر الكنعانيين نحوا من ثلاثة قرون، وأخيرا ضايق الفلسطينيون الفريقين معا، وتقوى الآراميون على الكنعانيين واستحوذوا على أملاكهم في حماة وما يليها، وتغلبوا على بني إسرائيل في عبر الأردن، فقضت الضرورة على بني إسرائيل والفونيقيين أن يغادروا ما كان بينهم من الإحن والضغائن، وأن يعمدوا إلى الائتلاف وتشييد مملكة دعائمها الاتحاد الصحيح والمعاهدة المخلصة بين مملكة بني إسرائيل الجبلية ومملكة صور الساحلية، ولما ملك داود في نحو سنة الألف قبل الميلاد أرسل إليه حيرام الأول ملك صور وفدا يوقع على معاهدة الصلح والاتحاد بين المملكتين، وأبرم الوفاق بينهما، وسأل داود حيرام أن يرسل إليه مهندسا لبناء القصر الذي عزم على بنائه في صهيون، وأن يصحبه بعملة ماهرين نجارين ونحاتين، وأن يؤذن بقطع أخشاب من غياض لبنان لزينة قصره، فأتم حيرام كل ما سأل داود، واستمر حيرام مسالما لداود ما حيي ولما توفي خلفه ابنه أبيبعل، فكان على شاكلة أبيه، ثم توفي فخلفه ابنه حيرام الثاني فكان كذلك في موادة داود، ولما توفي داود وخلفه ابنه سليمان أرسل حيرام الثاني يهنئه ويوثق عرى الاتحاد بين المملكتين، وطلب منه سليمان أن يرسل عملة لقطع خشب الأرز في لبنان لبناء الهيكل، فأجابه حيرام إلى ذلك بكل ارتياح، وروى يوسيفوس (في تاريخ اليهود ك8 ف3) أن رسالتي سليمان وحيرام كانتا محفوظتين في خزائن الهيكل إلى أيامه، وروى عن هذه السجلات أيضا أن حيرام أهدى إلى سليمان عند بنائه الهيكل مائة وعشرين وزنة من ذهب، وجزوعا من أفخر الخشب، أمر بقطعها من لبنان، وأهدى سليمان إليه هدايا نفيسة كثيرة، وهذا وارد أيضا في سفر الملوك الثالث (ف9 عدد 15)، وأراد سليمان أن يعطي حيرام عشرين مدينة وقرية متاخمة لصور، فتمنع حيرام من قبولها مخافة أن تكون مندوحة للخصام بين المملكتين، واكتفى بأن يرسل سليمان له كل سنة ما دام البناء في الهيكل عشرين ألف كر زيت، وتزوج سليمان بإحدى بنات حيرام، ثم بإحدى بنات ملك الحثيين فكان زواجه بالامرأتين الكنعانيتين وسيلة لدخول عبادة بعل وعشتروت في أورشليم، وعقد سليمان وحيرام شركة في تسفير السفن إلى أوفير لاستجلاب الذهب، ومات حيرام قبل سليمان نحو سنة 944ق.م، واستمر الوفاق بين المملكتين، فلم نجد الكتاب ذكر حربا بينهما، بل نرى أحاب تزوج بإيزابل بنت إيتوبعل ملك صور، وكان من هذا الزواج ما كان من سوء العواقب. (9) ملوك صور
Неизвестная страница