وفي سنة 1467 ظهر خارجي اسمه شاه سوار، وقصد سورية فأرسل الملك الظاهر إلى الأمير برديك نائب حلب بأن يخرج إليه، فجمع النواب وزحفوا إليه بعساكرهم فانتصر شاه سوار عليهم، فجهز الظاهر عسكرا آخر أمر عليه خمسة أمراء، فانتصر أيضا وأخذ بعض أعمال حلب، وما برح ملوك مصر يرسلون إليه العساكر حتى حصرته العساكر بقلعة سنة 1472، فاستسلم هو وإخوته وبعض ذويه فأحضروهم إلى القاهرة، وأمر السلطان بشنقهم فشنقوا وفي سنة 1467 توفي الملك الظاهر.
وبعد وفاته وقع الاتفاق على تمليك بلباي المؤيدي، وسمي الملك الظاهر أيضا، وقبض على بعض الأمراء وأرسلهم إلى السجن بالإسكندرية، فساروا عليه وخلعوه، وأرسلوه إلى السجن بالإسكندرية سنة 1467 فلم يتم شهرين من ملكه، وأقاموا مكانه تمر بغا الظاهري وسمي الملك الظاهر أيضا، واستوحش منه المماليك الخشقدمية فقبضوا عليه وعلى جماعة من أمرائه وسجنوهم، وكان برأس هؤلاء المماليك الأمير خير الدين بك راجيا أن يصير سلطانا، فأسرع الأتابكي قيتباي واتفق مع بعض المماليك على خير بك، وعلى خلع الملك الظاهر تمر بغا وتوجهوا إلى القلعة، فقبض قيتباي على خير بك وبعض جماعته، وأرسل السلطان مكرما إلى ثغر دمياط وبايع الخليفة والقضاة قيتباي، وسمي الملك الأشرف.
وفي سنة 1468 نصب قانصوه اليحياوي نائبا بأطرابلس عوضا عن إينال الأشقر، الذي نصبه نائبا بحلب وكان فيها برديك اليجمقدار فنقله إلى نيابة دمشق، وتوفي سنة 1470، فنصب مكانه الأمير برقوق الناصري، ووردت الأخبار بأن حسن الطويل ملك العراقين قاصد أن يستحوذ على بلاد حلب، فجهز السلطان عسكرا لكبته وساروا إلى حلب سنة 1472، فأرسل حسن الطويل يطلب من أسروا أو سجنوا من جماعته بحلب، ويعد بإطلاق من عنده من الأسرى، فلم يجب الأمير يشبك قائد العسكر السلطاني إلى ذلك، وأرسل فريقا من جيشه لقتال عسكر حسن الطويل في البيرة فرحلهم عنها، وفي سنة 1474 أرسل حسن الطويل سفيرا إلى الملك الأشرف برسالة يعتذر بها عما كان منه، ويطلب العفو فأكرم الأشرف سفيره وأظهر العفو، وفي 1479 نقل الأشرف قانصوه اليحياوي من نيابة حلب إلى نيابة دمشق، ونقل أزدمر من نيابة أطرابلس إلى نيابة حلب، وفي سنة 1480 أرسل الأمير يشبك الداودار إلى حلب لكبت سيف أمير العرب آل الفضل الذي كان قد أبدى العصاوة، ففر سيف إلى الرها فتبعه يشبك والنواب، وحاصروا الرها فخرج عليهم حاكمها من قبل ابن حسن الطويل، فشتت شملهم وأسر الأمير يشبك ثم قتله، وأسر نائبي دمشق وحلب، وقتل كثيرين من أصحابهم، فعين السلطان الأتابكي أزبك نائبا بحلب، وفوض إليه أمر البلاد الدمشقية والحلبية، وفي سنة 1485 وما بعدها كانت حروب بين عساكر السلطان بايزيد العثماني، وعساكر سلطان مصر في جهات حلب، وكان النصر فيها تارة للسلطان العثماني وتارة لسلطان مصر وسورية، وفي سنة 1490 وقع الصلح بين السلطانين وأطلق الأسرى من الفريقين، وتوفي الملك الأشرف سنة 1495. (5) في ما كان بسورية إلى آخر القرن الخامس عشر
بعد وفاة الملك الأشرف بويع ابنه محمد بالملك، وسمي الملك الناصر، وفي سنة 1496 قتل عساف الحبشي نائب صيدا وبيروت، وكان ذا شهرة طائرة، وجعل الملك الناصر قانصوه خمسمائة أتابكي العسكر، وكبير الأمراء، فقتل بعض الأمراء غيلة وركب في أحزابه، ودعا الخليفة والقضاة الأربعة فخلعوا الناصر، وبايعوا قانصوه خمسمائة بالسلطنة، وأرسل بعض أمرائه للقبض على الناصر، فتعصب له جماعة من المماليك، ومنعوا الأمراء من دخول القلعة، وانتشب القتال يومين، وجرح قانصوه خمسمائة وأغمي عليه، وحمله بعض غلمانه وكان النصر للملك الناصر، وحاول قانصوه بعد ذلك أن يأخذ بثأره فازداد خذلانا.
وفي سنة 1496 توفي قانصوه اليحياوي نائب دمشق المذكور فنصب الناصر مكانه كرتباي الأحمر، وفي سنة 1497 جعل جان بلاط بن يشبك نائبا بحلب، وكان أقبردي الدوادار أظهر العصيان وحاربه العسكر، فانهزم إلى دمشق وحاصرها نحو شهرين ونهب الضياع التي حولها، وأخرب كثيرا منها ولم ينل من المدينة مأربا، وسار نحو حلب وحاصر بطريقه حماة، وأخذ منها أموالا كثيرة، وكان إينال نائب حلب حينئذ من عصبته، فأراد أن يسلمه المدينة فرجمه أهلها وطردوه منها وحصنوها، ففر أقبردي وعسكره وإينال إلى علي دولات بن شاه سوار المار ذكره، وتبعهم كرتباي الأحمر نائب دمشق إلى عينتاب فكانت بين الفريقين موقعة قتل فيها إينال نائب حلب وجماعته، وانهزم أقبردي إلى جبل الصوف ، وفي سنة 1498 خرج بعض المماليك على الناصر في طريقه، وقتلوه وابني عمه، ونسب قتله إلى طومان باي.
وبعد مقتل الناصر اختلف الأمراء في من يخلفه، ثم اتفقوا على قانصوه الأشرفي خال الملك الناصر، وبايعه الخليفة والقضاة الأربعة وسمي الملك الظاهر، وفي السنة المذكورة توفي كرتباي الأحمر نائب دمشق، فنقل الملك الظاهر جان بلاط نائب حلب إلى نيابة دمشق، ونصب مكانه بحلب قصروة بن إينال وعاد حينئذ أقبردي المذكور إلى حلب، وحاصرها أشد الحصار وأحرق ما حولها من القرى، فجهز الظاهر عسكرا أمر عليه تاني بك الجمالي وطال مقام العسكر بحلب، فأرسل نائب حلب لينال أقبردي الصلح، ولما توثق أقبردي دخل إلى حلب، فالتقاه نائبها والعسكر وراسلوا الملك الظاهر بذلك، فأرسل خلعا فاخرة لأقبردي، وقلده نيابة أطرابلس لكنه توفي قبل أن يحضر إليها، ثم نقل الظاهر قصروة من نيابة حلب إلى نيابة دمشق، ونقل جان بلاط نائبها إلى الأتابكية بمصر ونصب دولات باي بن أركماس في نيابة حلب، وبلبناي المؤيدي في نيابة أطرابلس.
وفي سنة 1499 عصى فضربه نائب دمشق وتولى على أطرابلس، وقبض على نائبها وسجنه، فجهز الملك الظاهر جيشا لكبت قصروة، وكان طومان باي ممالئا له وأوتي حينئذ وأقام بالجزيرة لا يريد الدخول إلى القاهرة، وحلف له الملك أن لا يهينه ولا يقبض عليه، فلم يثق طومان بذلك فتحقق الملك الثورة عليه، وأخذ يحصن القلعة، واتفق طومان باي مع الأتابكي جان بلاط، وحاصروا الملك بالقلعة، واستعرت الحرب يومين وانتصر العصاة، واختفى الملك الظاهر، واتفق الثائرون على تمليك جان بلاط الأتابكي، فخلعوا الملك الظاهر وبايعوه وسمي الملك الأشرف.
وأرسل يستدعي قصروة نائب دمشق؛ ليجعله أتابكا للعسكر آملا أن يرده إلى الطاعة عن عصيانه، فأبى إلا الإصرار على خروجه، وجعل الأشرف طومان باي في الوزارة حتى صار صاحب الحل والعقد، وتولى قصروة على غزة وأعمالها والقدس وغيرها، فجهز الملك الأشرف عسكرا لكبته وأمر عليه طومان باي يظنه ناصحا له، وهو أكبر البغاة عليه، فإنه اتفق مع قصروة العاصي وأحضرا قضاة دمشق، وكتبوا صورة محضر في خلع الملك الأشرف، وبايعوا مكانه بالسلطنة طومان باي وسموه الملك العادل، وأخذ يدبر المملكة فنصب قصروة أتابك العساكر بمصر، ودولات نائب حلب نائبا بدمشق، وجعل في نيابة حلب أركماس بن ولي الدين، وبرد بك الطويل في نيابة أطرابلس، وخطب باسم طومان على منابر دمشق، أما الملك الأشرف فلما بلغته هذه الأخبار استعد للحرب، وحلف الأمراء على المصحف بحضرة الخليفة والقضاة على الإخلاص بالطاعة له، وخرج سنة 1500 طومان وقصروة من دمشق، ومعهما لفيف من العساكر وعربان نابلس وبلغوا إلى غزة، ودخل العادل طومان باي إلى القاهرة من باب الفتوح، وارتفعت له الأصوات بالدعاء، ونادى بالأمان، وتسعرت نار الحرب بين الفريقين، واستمرت ثلاثة أيام، ولما ضاق الأمر على الملك الأشرف دخل دار الحريم، واختفى ودخل الملك العادل القلعة، وقبضوا على الأشرف وغللوه وأرسلوه إلى السجن بالإسكندرية.
واستدعوا الخليفة فبايعه بالسلطنة، وشهد على ذلك القضاة الأربعة وقرر قصروة بالأتابكة، وأضمر الغدر به، وبلغه أنه معامل عليه، فأرسل إليه بعض أعوانه فقبضوا عليه ثم خنقوه، وكان الملك العادل باغيا عليه فجزاه الله على بغيه بإثارة العسكر عليه، وقل من دافع عنه فاضطر أن يختفي ثم قبض عليه وقطع رأسه، وكانت مدة سلطنته ثلاثة أشهر وعشرة أيام، وقام بعده قانصوه الغوري ونرجئ الكلام فيه إلى تاريخ القرن السادس عشر. (6) في بعض المشاهير السوريين في القرن الخامس عشر
ابن حبيب الحلبي:
Неизвестная страница